وما أسفر عنه قرار النخبة الحاكمة في تركيا بإسقاط الطائرة الروسية "سو 24" واستهداف القوات الروسية التي تحارب الإرهاب في سوريا، من تدمير العلاقات مع روسيا، وكذلك سياستها غير المتزنة التي أضرت بعلاقاتها مع كافة دول الجوار، يدخل في حالة الغضب التي تدفع إلى الجحيم وتأجيج عناصر الفتنة والفوضى والعنف والتطرف بين الشعوب المختلفة ثقافياً ودينياً.
ولا يمكن استثناء موقف دول مجلس التعاون الخليجي من "حزب الله" والذي ظهر في قرار اعتبار الحزب "منظمة إرهابية"، من اعتباره قراراً صادراً تحت ضغط مواقف سياسية تتعلق بالأزمة السورية، والوضع في لبنان، والأزمة اليمنية، كذلك العلاقات مع إيران، فضلا عن تأثير رؤية المملكة العربية السعودية للوضع الراهن في المنطقة، والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها دون اعتبار لحق الشعوب في تقرير مصيرهم.
وبعيداً عن الإيديولوجية التي تسعى الولايات المتحدة وحلفاءها بالمنطقة إلى تأجيج الخلافات بين الدول الأعضاء، فإن "حزب الله" متواجد على ساحة لبنان السياسية والعسكرية على مدى أكثر من عشرين عاماً، واكتسب هذا الوجود من خلال المقاومة العسكرية للوجود الإسرائيلي، وأجبر الجيش الإسرائيلي على الانسحاب من الجنوب اللبناني عام 2000، وتصدّى له في حرب تموز (يوليو) 2006 وألحق في صفوفه خسائر كبيرة اعتبرت في إسرائيل إخفاقات خطيرة وتهديد وجودي لإسرائيل كدولة.
والحزب يتبنى الالتزام بالوحدة الوطنية في لبنان ورفض الوجود والتدخل الأجنبي، بات ركنا أساسياً في المشهد السياسي، وجزء مهما من تشكيل الحكومة اللبنانية، وله نسبة كبيرة من مقاعد مجلس النواب، وشعبية واضحة تجاوزت لبنان إلى عدد من الدول. لا فرق بين الحزب وأي فصيل سياسي آخر، له ما لهم وعليه ما عليهم. ومن هنا فإن أي قرار يتم اتخاذه ضد أي فصيل لبناني فهو قرار موجه إلى الحكومة والشعب.
والقرار الخليجي ينقل الأزمة إلى مربع آخر أوسع في الصراع بالمنطقة، حيث أصبحت خليجية ـ لبنانية، بعد أن كانت سعودية ـ لبنانية، في إطار تحرك تقوده السعودية منذ الاتفاق النووي بين مجموعة 5+1 الدولية وإيران، إلى أن تطور بإعدام الداعية "نمر النمر" وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، ثم وقف المساعدات المالية للجيش والأمن الداخلي في لبنان.
القرار يساهم في تعميق الانقسام العربي على أساس طائفي ويسير في اتجاه استراتيجية الغرب لتقسيم المنطقة، كما يوفر الكثير من المبررات للحكومة الإسرائيلية في استهداف لبنان، خاصة وأن القرار لقي ترحيباً واسعاً في إسرائيل، وأكدت عليه وزيرة الخارجية السابقة، تسيبي ليفني، التي وصفت القرار بـ "الأمر المهم والدقيق". كما أن القرار يشكل حصارا سياسيا واقتصادياً على كافة دول المنطقة خاصة تلك التي تتلقى مساعدات مالية من دول الخليج، وتتبنى مواقف مختلفة تجاه قضايا المنطقة خاصة الأزمة السورية.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)