تبحث تركيا أردوغان عن هويتها من خلال تفجير الصرعات المذهبية والطائفية، وتكريس الحكم الشمولي الاستبدادي الذي خلق أجواء عدوانية وتصاعدت حدة التوتر وعدم الاستقرار السياسي والأمني، لم تعد تركيا جديرة بثقة الخارج، وفشلت في أن تكون نموذج لدول المنطقة، وأصبحت دولة غير مرغوب فيها.
والوالي العثماني الذي دخل في صراع مع المكونات السياسية في البلاد، يواجه مأزق التحول إلى النظام الرئاسي، فلم تسعفه الانتخابات البرلمانية، حيث حصل حزب "العدالة والتنمية" على ٣١٧ مقعداً من أصل ٥٥٠ في البرلمان الحالي، بينما تغيير الدستور يحتاج إلى تأييد ٣٧٦ عضواً، كما أن الدعوة إلى استفتاء شعبي على تعديلات الدستور تحتاج إلى موافقة ٣٣٠ من أعضاء البرلمان.
وبينما ترفض الأحزاب السياسية الممثلة داخل البرلمان تحقيق رغبته، نُقلت المعركة إلى مربع الأكراد، وانتهك اتفاق السلام، وعاد الطرفين إلى الصراع المسلح، وتصاعد التوتر الذي وصل إلى درجة المطالبة بإسقاط الجنسية عن أعضاء البرلمان من الأكراد المنتمين إلى حزب "الشعوب الديمقراطي" الذي يمثل الأكراد في البرلمان لأول مرة بعد تخطيه عتبة الـ 10 بالمائة المطلوبة للتمثيل في البرلمان وخلال الانتخابات البرلمانية التي أجريت في يونيو/حزيران من العام الماضي، أو الانتخابات المبكرة التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى جانب القيام بمحاصرة المناطق التي تشهد أغلبية كردية بذريعة ما يقول عنه وقف "العمليات الإرهاببية".
أيديولوجية أردوغان التي يسعى إلى فرضها على الشعب التركي والمنطقة، ورغبته الجامحة في الزعامة، يقودان إلى عدم الاكتراث بدماء الشعوب التي ارتبطت مع بعضها البعض بميثاق تاريخي قوي، و إلى التدخل في شؤون دول الجوار، العراق، سوريا، مصر، وليبيا. وفشل سياسته، دفعه إلى تمويل العناصر الارهابية، وإلى عدم احترام إرادة الشعوب وحقهم في تقرير المصير واختيار النظام الحاكم.
تركيا وبعد عقود من انطلاق مشروعها السياسي المدني، تبدو اليوم عاجزة عن اكتساب ثقة العالم الإسلامي، ودخلت في صراع وأزمة مع الدول العربية الكبرى، وغير جديرة بعضوية الاتحاد الأوروبي أو أن تكون جزءاً من الغرب الذي لا يزال يعتبرها دولة من الدرجة الثانية. ولعل انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي "ناتو" في خمسينات القرن الماضي، جاء بهدف تعزيز استراتيجية غربية تسعى إلى خلق دائرة متواصلة من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، وانطلاقاً من بُعد جيو- استراتيجي يدعم التحرك العسكري والسياسي، وخلق جبهة متقدمة في مواجهة دول مؤثرة إقليمياً ودولياً، فضلاً عن التحالف مع إسرائيل.
الطموحات السلطوية جعلته يعيش في الماضي السحيق، ويتجاهل حركة التاريخ ويسعى للانفراد بالسلطة وتهميش مكونات المجتمع، وعدم الاعتراف بحقوق الآخرين. إنها سياسة كفيلة بفتح باب المستقبل على كافة السيناريوهات، بما فيها التقسيم على أساس عرقي وطائفي، في إطار الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، كما أنها لن تنجو من خطر الإرهاب الذي يهدد أمن واستقرار المجتمعات.
قيادات الإسلام السياسي في تركيا، عندما كانت خارج دائرة السلطة، كانت تنتقد إدارة الدولة وترفض القيود المفروضة على الحريات، واليوم وبعد السيطرة على مؤسسات الدولة وصناعة القرار، لم يعد مقبولاً أي فكر يخالف فكرهم أو رأي ينتقد سياستهم، ولم يعد يُسمع غير أصواتهم، وانتشر الظلم والاستبداد وقمع الحقوق والحريات، وتحولت الديمقراطية إلى بيروقراطية، في مشهد يشير الى اقتراب النهاية، وعندها سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقبلون.
المقال يعبر عن رأي الكاتب