حلب — سبوتنيك.
— الحياة وسط الألغام
يمكن في شوارع حلب رؤية أشخاص يتنزهون بجوار منازلهم الجميلة المكونة من 3 — 4 طوابق. ويقول رجل عجوز: "يقصفوننا منذ أكثر من 5 سنوات، كنا نخاف في البداية ونختبئ. الآن تسقط الألغام يوميا، لكننا نحتاج أن نعيش وتعودنا".
لم يكن ذلك اليوم استثناء، إذ سقطت صواريخ وقنابل يدوية الصنع في حيي الحمدانية والسليمانية، مما أسفر عن مقتل 10 أشخاص.
لا يتغير المشهد في المستشفى المركزي بين يوم وآخر، ويمكن رؤية بقع دم وأقرباء يبكون ورائحة الكلور. خلال الساعات الماضية، نقل إلى هنا أكثر من 15 مصابا، ومن بينهم فتاتان أصيبتا بشظايا ولا تفهمان لماذا لهم هذا.
يقول سائق سيارة الإسعاف: "يمكنك رؤية مثل هذه المشاهد في أي مستشفى في المدينة منذ بضع سنوات وليس أسابيع".
بعد بضعة أيام تتعود على القصف، ولكن غريزة الحفاظ على الذات تدفعك إلى جلوس القرفصاء أو حتى الرقود إلى الأرض عند سماع صوت القصف.
— المياه والغذاء
بعد توفر أنباء بوسائل إعلام عن الوضع الكارثي في حلب فيما يتعلق بالأكل ومياه الشرب، نذهب إلى نقطة توزيع المساعدات الإنسانية.
الوصول إليها ليس صعبا، إذ أن هناك تدفقا للناس والسيارات بجوار كل كنيسة ومسجد تقريبا. يتسلم الناس أكياس السكر والأرز والبطانيات ذات علامة إحدى المنظمات الدولية.
وإلى جانب المنظمات الدولية، فإن الهلال الأحمر السوري والقافلات الحكومية تنقل معظم الشحن والمواد الضرورية.
— المسيحيون يساعدون المسلمين
يجري الحديث كثيرا عن النزاع الطائفي في سوريا، ولكن بمجرد الوصول إلى هنا يمكن التأكد من عدم وجود أي كراهية بين الطوائف.
رأينا عملية تسليم المساعدات الإنسانية بنقطة تابعة للطائفة المسيحية المحلية للعائلات المسلمة الهاربة من مشروع 1070 جنوب غرب حلب.
ومنذ حوالي أسبوعين، سيطر المسلحون على مشروع 1070 والكليات العسكرية المحيطة به، وعلى عكس وسط المدينة، فإن القتال على الأطراف الجنوبية الغربية مستمر بلا توقف وباستخدام الطيران والمدفعية.
وتقول أم خالد، وهي تمسك يد ابنها: "هربنا وأخذنا معنا وثائق الهوية فقط. كان الإرهابيون يقصفون بيوتنا بالقذائف بشكل عشوائي. نعيش الآن في حي مسيحي ويساعدوننا بالغذاء والمواد الضرورية".
ويقول أحد المتطوعين: "نقدم مساعدات منذ بداية الحرب لكل من يطلب. يجري الأطباء عمليات مجانا، ويوفر الهلال الأحمر والمنظمات الأخرى التي لديها إمكانيات، كل ما هو ضروري".
— كرم الضيافة
نتجه صباحا إلى الجبهة بمشروع 1070. أصبحت شقق كثيرة سكنا مؤقتا للجنود ونقاطا للمراقبة. وعلى الرغم من هذا الوضع، هناك أشخاص لم يغادروا بيوتهم.
وفي إحدى الشقق يعمل قناصة في غرفة وتطلق نيران الرشاشات من الغرفة الثانية، ونحن في ضيافة سيدة عجوز وحفيدها في الغرفة الثالثة. يبدو أن كرم الضيافة في سوريا غير قابل للاستئصال. وتعزمنا صاحبة البيت على القهوة في غرفة تطل على مواقع للمسلحين! ثم باشرت السيدة بتنظيف الشقة وكأنها لا تسمع صوت الرشاشات!
نشكر أم علي، ونتجه إلى بيوت مجاورة، ونرى سيدتين منقبتين وطفلا ورجلا يستقلون سيارة قديمة لأخذ أمتعتهم من المنزل، إلا أن العسكريين يوقفونهم عند المدخل، ويصرخ الضابط: "من أنتم؟ لماذا أتيتم؟ ألا ترون الحرب والخطر؟".
ويردون عليه: "ها هي أوراقنا، وهنا شقتنا، نريد أخذ بعض الأغراض الشخصية ". وبعد مراجعة الأوراق بدقة، يسمح الضابط لهم بالدخول ولنا بمرافقتهم، محذرا من النظر في النوافذ بسبب إطلاق النار.
العسكريون موجودون بالشقة، وهي مليئة بالتراب، ويملأ أصحاب الشقة حقيبة كبيرة بالأغراض، ويأخذون معهم أغراض أطفال، ويشير للجنود إلى مكان الوسادات والبطانيات إذا احتاجوا إليها.
— عزل شرق حلب
نتجه إلى الأحياء الشرقية التي يحاصرها الجيش منذ بداية آب/أغسطس، إلا أنه تم فتح ممرات إنسانية للسكان المدنيين. يرفض الإرهابيون الاستسلام وهددوا بإعدام من يحاول الهروب.
ويقول أحد الضباط عند نقطة تفتيش لدخول شرق المدينة: "خلال الأيام الأولى بعد فتح الممرات الإنسانية، بدأ المسلحون بقصف السكان المدنيين والممرات". وتشير بعض البيانات إلى أن أكثر من 300 ألف شخص مدني يقيمون شرق حلب في المناطق الخاضعة لسيطرة المسلحين.
يكاد الدخول أن يكون أمرا مستحيلات، ويبقى لنا الاستماع إلى شهادات من عبّر الممرات الإنسانية. وتقول سيدة هاربة من هناك: "يتحكم أجانب في الأحياء، ولا أعرف من هم تحديدا. لم نكن نأكل ونشرب تقريبا. يعطونا قليلا، ويأخذ المسلحون ما يتبقى".
— توقعات سلبية
يناقش العسكريون وأفراد اللجان الشعبية احتمال الهدنة الإنسانية التي تطالب بها الأمم المتحدة ومن سيحصل على المواد الغذائية والطبية في حال سمح المسلحون بدخول الحافلات.
ويقول عسكري شاب لقائده: "ليست لدينا أوامر بمنع دخول قوافل المواد الغذائية، ليدخلوا. المسألة، هل سيعودون أحياء؟".
ويضيف فرد من القوات الشعبية: "أخاف ألا تصل المساعدات إلى المواطنين، بل سيتقاسمها المسلحون، كيف يمكن مراقبتهم؟".
ومع حلول المساء، يذهب السكان المحليون إلى المطاعم لمناقشة آخر التطورات وتناول وجبة العشاء والأرجيلة والاطمئنان على بعضهم البعض والتأكد أن الجميع على قيد الحياة.