سيدي القارئ…ربما يصدمك هذا الوصف، الذي يعني الكثير من الألم للإنسانية، ولكن ما قد يصدمك أكثر أن أقول لك إن هذا المشهد واقعي تماماً، ولكن واقعيته تتخطى مشهد الأم ووليدها، إلى مشهد البلد الأم وجزء عزيز من أرضها يريد أن يخرج من الرحم إلى فضاء المجهول، رغم ما يحيط به من خطر، ويحدق به من حرب.
الوصف الصادم، للدولة الأم سوريا، وشقيقها الأكبر العراق، اللذين خاضا على مر التاريخ معارك الحفاظ على وحدة الأرض والدم والهوية، وللجنين الدافئ في داخلهما "الأكراد"، الذين يسعون الآن إلى الاستقلال بأراض من الدولتين، لخلق دولة جديدة، هي دولة "كردستان"، التي تسعى للخروج من رحم الدولة الأكبر، رغم علمها بما يحيط بها من سكاكين تنتظر الإجهاز عليها.
بمعونة أمريكية، وتشجيع ودعم إسرائيلي، يسعى كردستان العراق إلى الاستقلال والخروج بالإقليم من عباءة الدولة العراقية، وبالمثل يسعى الأكراد إلى الاستقلال بإقليم، مع اختلاف الظروف بين البلدين، اللذين يعانيان من حروب لا تنتهي، ضد الإرهاب وضد قوى الاستعمار التي تبحث عن ثروات كل دولة منهما.
يرى عبد الباسط حمو، عضو المكتب السياسي في الحزب الديمقراطي الكردستاني بسوريا، أن القضية الكردية أساسية، في كردستان سوريا وكردستان تركيا والعراق وإيران، وهناك مصالح مشتركة بين أمريكا والأكراد، وبين روسيا والأكراد، باعتبار أن مستقبل سوريا هو مستقبل مناطق نفوذ.
ويقول القيادي الكردي السوري، لـ"سبوتنيك"، إن الظروف غير مواتية لإقامة دولة كما تدعي بعض الجهات، التي تحاول تأليب العرب على الكرد، ولكن الكرد يطمحون لإقامة نظام فيدرالي في سوريا، وهذا أفضل الحلول لكل المكونات، سواء كان للسريان والآشوريين وللدروز والعلويين، لأن الفسيفساء السوري لا تتقبل النظام المركزي، فهذا قد انتهى.
ويؤكد أن الحل الأفضل هو النظام الفيدرالي، "لكن بالنسبة لتحديد خارطة وإعلان دولة كردية، فإن الظروف الكردية الحالية لا تساعد على ذلك، فنحن نطمح ونسعى لإقامة دولة كردية في كردستان العراق، وباتت الآن دولة، وهناك علاقات تفاوضية بين بغداد وأربيل"، في إشارة إلى الضغوط الكردية على حكومة العراق.
وحسب ما تشير إليه تصريحات حمو، فإن الأكراد في انتظار مكافأتهم على المشاركة في الحرب ضد الإرهاب، بقوله "عندما تتغير خارطة الشرق الأوسط مع المصالح الدولية، سيراعى أننا كنا رأس الرمح ضد داعش، وأوفياء للنظم الديمقراطية والحرية والإنسانية، وتطلعنا الأساسي إلى دولة كردية في كردستان العراق، وفيدرالية كردستان سوريا".
طوال الوقت، يحاول الأكراد ألا تكون دولتهم مصبوغة بالصبغة الأمريكية، كي لا يتم حشد الرأي العام العربي ضدهم، فنجد أنهم ينفون أن هناك دعما أمريكيا مباشرا لإقامة دولة كردية، ويسعون إلى الربط بين تماس خطهم العام مع الولايات المتحدة، بربط الجهود المشتركة لمحاربة الإرهاب، فكلاهما يحارب تنظيم "داعش" الإرهابي، ومن ثم فهناك تنسيق وتعاون وعلاقة بينهما.
ولكن يبقى أن الانفصال هو حلم الأكراد منذ عقود طويلة، على الرغم من أن المراقبين كانوا دائماً ما يرون أن الأفضل للكيانات الصغيرة، أو الأقليات، أو الجماعات غير القادرة على تكوين مقومات الدولة بالكامل، أن تنتسب إلى دول كبرى، قادرة على توفير الحماية لها، وكذلك لتكون ملتزمة تجاه أفرادها كمواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات.
هذه الرؤية، يتبناها المستشار في هيئة التحكيم الدولي وفض النزاعات أسامة حسين، الذي قال إن من حق الأكراد أن تكون لهم دولة، وأن يقرروا مصيرهم بأنفسهم، ولكن بشرط ألا تكون الأرض المنتزعة من حق أي دولة، سواء كانت دولة كانوا ينتمون إليها، مثل حالتنا هنا في العراق وسوريا، أو أرض صحراوية لا تصنف كحدود دولية على المشاع.
ويوضح المحكم الدولي هذه النقطة، قائلا "الأكراد بإمكانهم أن يعلنوا دولتهم طالما أنهم لن يتعدوا على أملاك وأراضي وسيادة أي دولة أخرى، ولكن يجب أن تكون لهذا الإعلان أسانيد صحيحة، كأن يمتلك هذا الكيان الجديد كافة مقومات الدولة، من مؤسسات وجيش وموارد وبرلمان وحكومة، وبالطبع شعب، أما غياب أي جزء من هذه المقومات، فيكون الإعلان عبثيا".
ويضرب المحكم الدولي أسامة حسين، المثل باختيار سكوتلاندا أن تكون جزءاً من المملكة البريطانية، لعدم قدرتها في ذلك الوقت على امتلاك المقومات الكاملة للدولة، وكذلك التحام الولايات الأمريكية الواحدة تحت الأخرى، لتكوين كيان قوي يتحكم في نصف العالم الآن، وكذلك روسيا الاتحادية والأقاليم التي تضمها والتي تسيطر على كثير من مقاليد الأمور في العالم، أي أن الأقاليم اختارت الالتحام بالكيانات الأقوى وليس الانفصال، ما منحها القوة بدورها.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن…ما هي المخاطر التي تحدق بالدولة الكردية الجديدة، التي ينتظرها الكرد ويحاربون من أجلها؟ فلا القوى الكبرى ستترك دولة الأكراد بلا حماية، أو بمعنى أدق "وصاية"…ولا الدول التي ستقتطع أجزاء من أراضيها ستكف عن محاولة استرداد هذه الأراضي، بالسياسة أو بالحرب.
ولا تركيا، التي تنتظر ميلاد الدولة الكردية لتساويها بالأرض بجيشها، ستصمت إزاء مولود جديد سينمو ليصبح خلال سنوات قليلة عدواً لها، ولا إسرائيل ستنتظر قبل أن تمد يدها لتحصل على جزء من الكعكة، فإن لم يكن بالاقتصاد سيكون بالجيش.
والبشائر من هنا بادية للعيان، واضحة تماماً، فالوعد الأمريكي بالتقسيم ومنح الأكراد دولة، يقابله طلب تنازلات، يقدمه الأكراد مخدوعين، وإلا فكيف كان الأمريكان يهبطون بمظلاتهم للقتال في سوريا، ثم أصبحت المظلات الأمريكية تحمل الأكراد إلى الأرض من السماء، للموت أو تنفيذ مخطط تكون أمريكا بطلة الانتصار فيه… ولهؤلاء السؤال: هل تجدون ما يعدكم الأمريكان حقاً؟
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)