"نكاح الفاتحة"، هو عبارة عن اتفاق بين الزوج وأسرة الزوجة، على تزويجها له بدون أوراق رسمية، ويستوفي الجانب الشرعي بالإشهار، وقراءة سورة الفاتحة أمام أهل العروسين وجيرانهم، ويتم ذلك في الريف والمناطق الجبلية المليئة بالقرى في المغرب.
وأوضحت الدراسة التشخيصية لظاهرة "تزويج الطفلات بين التشريع والعمل القضائي المغربي والممارسة، حالات الطفلات بإقليم أزيلال"، التي تم تقديم نتائجها مؤخرا بالعاصمة المغربية الرباط، أن صدور قرار برفض طلب تزويج فتاة دون السن القانوني، قد يدفع أسرتها لتزويجها بـ"الفاتحة"، وهو زواج لا يضمن أي حقوق لها، ويكشف عن ثغرة خطيرة في مدونة الأسرة توظف في كثير من الحالات للتحايل على القانون وخرق المقتضيات الحمائية التي تضمنتها المدونة، مما يستدعي تدخلا تشريعيا عاجلا.
وأشارت الدراسة، إلى أن الأرقام الرسمية المتعلقة بتزويج الطفلات المسجلة لا تعكس حجم هذه الظاهرة، لأسباب عدة في مقدمتها وجود نسبة من هذه الزيجات غير الموثقة في البوادي والأرياف والقرى، بل وحتى في المدن. وأوضحت أنه إذا كانت المادة 16 من مدونة الأسرة بالقانون المغربي، تسمح بمعالجة هذه الحالات بشكل لاحق من خلال إضفاء الشرعية على هذه الزيجات التي تمت في غفلة من القانون في حالة توافق الزوجين، فإن ذلك لا يكون متاحا في جميع الأحوال إذ أن مجرد خلاف بسيط بين الزوجة وزوجها أو بينها وبين أهله يجعلها دون أية حماية قانونية في غياب أي وثيقة تؤكد وجود العلاقة الزوجية.
وأضافت أنه في حال إنجابها أبناء فإن عدم مبادرة الزوج بالاعتراف بنسب هؤلاء الأبناء من خلال اللجوء للإقرار بالنسب سيجعله في حل من كل الالتزامات القانونية تجاه أبنائه، وهو ما يؤكد هشاشة الأسر المبنية على الزواج غير الموثق، وتزداد الهشاشة حينما يكون أحد طرفي الزواج طفلا".
وقالت دكتورة علم الاجتماع والناشطة النسوية سناء العاجي، في تصريح لـ"سبوتنيك"، "أولا على مستوى المصطلحات، يجب أن نتكلم عن تزويج القاصرات وليس زواج القاصرات، لأن الزواج يقتضي تراضي الطرفين، رغم أن مدونة الأسرة حددت سن الزواج بـ18 عاما، لكن بعض القضاة سواء لحماية الفتيات من تداعيات (زواج الفاتحة)، أو لترسيخ العقلية الذكورية التي نجدها داخل المؤسسة القضائية نفسها، يقبلون بتزويج طفلات قاصرات دون سن 18 سنة".
وأكدت العاجي أن "هؤلاء الزوجات تضيع حقوقهن كنساء، وتضيع حقوق الأطفال الناتجين عن زواج الفاتحة"، وأضافت "قد يحدث تطليق من طرف الزوج، فقانونيا لم يكن هناك زواج، ولا تحصل المرأة على حقوقها، كما تضيع حقوق الأطفال، لأنهم لا يتحصلون على شهادة ميلاد، ويضيع حقهم في التعليم، وفي الإرث والنفقة…إلى آخره".
وعن التعديل في مدونة الأسرة قالت الدكتورة سناء العاجي "من المستعجل الحديث عن تعديل قانوني، لكي يتم المنع النهائي لزواج القاصرات، فهي تحدد 18 سنة حد أدنى للزواج بالنسبة للرجل والمرأة، ولكنها تعطي بعض الاستثناءات التي تمنح القضاة حق تزويج القاصرات، ويجب غلق ذلك الباب نهائياً".
وعن أن الحظر القانوني لن يمنع الأسر من تزويج فتياتهن، قالت دكتور علم الاجتماع "على الدولة أن تخلق مؤسسات قريبة من أماكن المجتمعات الكادحة، فقد يحدث في المناطق الريفية والقروية الفقيرة جداً، إلى جانب الثقافة العامة، التي تقبل الزواج بالفاتحة، هناك الأسباب المادية، التي تجعل الانتقال لأقرب منطقة حضرية، لتوثيق عقد الزواج يكون مكلفاً بالنسبة للأسرة".
وتابعت "الحل أن تبني الدولة مؤسسات قريبة، وإنشاء قوافل تمر بتلك المناطق، لمراجعة عقود الزواج، وللتوعية بحقوق النساء والأطفال، حين يكون هناك زواج قبل السن القانوني".
وأضافت العاجي "لدينا مشكلة تعود لسنوات طويلة، كانت إشكالية القوانين التي تحمي المرأة من العنف، سواء في الشراع أو في بيت الزوجية، أو في أوساط العمل، لا تحمي المرأة من التحرش أو الاغتصاب".
وعن القوانين التي تمكن من تزويج القاصرات، قالت العاجي "إشكالية هذه القوانين موجودة منذ سنوات، وعلى المجتمع المدني متابعة هذه القضايا، ودوره لا يختلف بوجود حكومة ليبرالية أو إسلاموية أو يسارية، فعام 2003 كانت مدونة الأسرة طفرة حقيقية فيما يتعلق بحقوق المرأة، وتم فيها شبه إلغاء لتعدد الزوجات، ومنع التطليق، وفيها حقوق متساوية للرجل والمرأة، التي بات من حقها المطالبة بالطلاق الشقاق".
وعن المطالبات الجديدة للمجتمع المدني والجمعيات النسوية قالت "المطلوب من القوانين تفاعلها مع المجتمع، وتغيرها بتطوره، لكي تحقق السقف المطلوب، فمدونة 2003 تحقق بعض المطالب، ولا تكفي للرد على احتياجات المجتمع اليوم، يجب هناك تعديل قانوني لتمكين المرأة".
وعن الأزمات التي تواجدت بوجود الحكومة السابقة قالت دكتورة علم الاجتماع، سناء العاجي "كان في الحكومة السابقة تأخير كبير، لأن تلك القضية لم تشكل أولوية لها، ولأنها كانت ترسخ مجموعة من التصورات عن المرأة، وقللت من أزمة العنف ضد المرأة ومن خطورة تزويج القاصرات، ولكن المجتمع المدني سيجعل على المستوى القريب من تلك الخطوة ممكنة".