بالطبع كانت هناك أسئلة كثيرة لا نهاية لها، منها كيف تسلل إرهابي مسلح إلى داخل مبنى المسرح الذي يخضع لحراسة مشددة؟ ولماذا فقد جهاز الأمن السري السيطرة على مخبره؟ والأهم من ذلك هل كان بوغروف قاتلا وحيدا أم أن اغتيال رئيس الوزراء جاءت نتيجة مؤامرة سياسية؟
ومع ذلك لم تكن عملية اغتيال ستوليبين مفاجئة إذ أنه تعرض خلال ست سنوات إلى عشر محاولات اغتيال. فقد كان يترأس وحدة مكافحة الإرهاب الثوري، وبفضل نشاطه في هذا المجال تم تفادي نجاح الثورة في الفترة بين 1905-1907. ولهذا حكم عليه الإرهابيون منذ فترة طويلة بالموت. علاوة على ذلك فقد تسببت الإصلاحات الجذرية التي قام بها ستوليبين في ظهور الكثير من الأعداء في البلاط الإمبراطوري الراغبين في القضاء عليه سياسياً، وربما ليس فقط سياسياً…
وفي هذا السياق أجرى المحققون تحليلاً للكثير من التفاصيل المثيرة للاهتمام من سيرة قاتل ستوليبين. فقد كان دميتري بوغروف طالباً في جامعة كييف معجباً بالأفكار الثورية، وفي عام 1906 انضم إلى الفوضويين. ولكن سرعان ما خاب أمله من نشاط هذه المجموعة، وفضّل اتخاذ خطوة معاكسة، إذ عرض خدماته على جهاز الأمن السري. وبالفعل على مدى ثلاث سنوات قدم بوغروف للشرطة الكثير من المعلومات عن الثوار، لكنه قرر وقف التعاون مع السلطات بعد أن وجهت إليه تهمة الخيانة.
لكن ومع ذلك، قبل أيام قليلة من وصول الإمبراطور ورئيس الوزراء إلى كييف، جاء بوغروف فجأة للقاء عقيد جهاز الأمن السري كوليابكو، حيث صرح المخبر عن أن مجموعة من الإرهابيين تدبر محاولة لاغتيال نيقولاي الثاني.
ومن أجل منع وقوع الجريمة كان لا بد له من دخول المسرح أثناء تواجد الإمبراطور للتعرف على المجرمين. وهنا يكمن بيت القصيد إذ أن العقيد كوليابكو صدّق كلام المخبر وخالف كل التعليمات وقواعد الأمن، وتم منح بوغروف بطاقة سماح لدخول المسرح ورافقه دون تفتيش من قبل الحراس. وبهذا يكون ضابط جهاز الأمن السري قد أصبح شريكاً للإرهابي، الذي أودى بحياة رئيس وزراء الإمبراطورية الروسية.
وقد أكد بوغروف أثناء التحقيق بأن الثوار عرفوا عن عمله في جهاز الأمن السري وهددوه بقتله، وقالوا له بأن لديه فرصة وحيدة للخلاص وهي القيام بهجوم كبير. وبحسب قول بوغروف، فإنه لم يكن على علم بهوية الشخص الذي سيطلق عليه النار حتى آخر لحظة، لكن اختياره العشوائي وقع على ستوليبين. أياً كان الأمر فقد وافقت لجنة التحقيق على هذه الفرضية.
لكن المجتمع لم يصدق فرضية "القتل الخطأ": إذ أن ضابط المخابرات رافق المجرم تقريباً وأوصله بيده إلى ستوليبين. فالكثيرون يتحدثون مباشرة عن مؤامرة الملكيين المحافظين الذين يكرهون رئيس الوزراء وإصلاحاته. حيث أن المحافظين يتهمون ستوليبين بأنه يتناغم مع الليبراليين، الذين بسياستهم يمكن لأن يقودوا البلاد إلى الثورة. حتى أن حاشية الإمبراطور كانت تتحدث عن أن ستوليبين بدأ يتعدى على سلطة الإمبراطور، للحد من سلطته. يبدو أن ستوليبين وقع في فخ نصب له.
قبل رحلته الأخيرة إلى كييف كان الخزي بانتظار ستوليبين، فقد كان يتوقع استقالة وشيكة. ولكن ليس من المستبعد أن الأعداء من ذوي النفوذ قرروا الإسراع في التخلص من رئيس الوزراء. كثير من الحقائق تدل على صحة هذه الفرضية.
نعم لقد أصبح ستوليبين، تلك الشخصية الوطنية المتحمسة التي أنقذت البلاد من أهوال الثورة، وحده تماماً. فقد كان ستوليبين مكروهاً من قبل الجميع من الثوريين والمحافظين والليبراليين، وبعض في البلاط الإمبراطوري. وكان رئيس الوزراء يتوقع مثل هذه النهاية المأساوية. حتى أنه، قبل بضع سنوات من وفاته، كتب في وصيته يقول: "أريد أن أدفن حيث أقتل". وبالفعل فقد تم تنفيذ إرادة ستوليبين هذه، ودفن في كييف. المعروف أنه بعد 6 سنوات، أي في عام 1917، سقطت الإمبراطورية الروسية بيد الثوار. فلم يكن هناك من أحد يمنعهم، لأن ستوليبين قد لقي حتفه بشكل مأساوي. ومعارضته الشديدة لتمرير ثورة دموية كان سبباً في إطلاق حرب إعلامية شنعاء ضده.