تفاصيل الحوار:
سبوتنيك: رغم أجماع شرق ليبيا على انه لا يوجد أي حل للأزمة الليبية دون وجود المشير خليفة حفتر في المشهد السياسي، إضافة إلى خروج مظاهرات في طرابلس تنادي الجيش الليبي، نجد بعض الاتهامات أن المشير يعرقل الحلول السياسية ويرفض العديد من اللقاءات بكافه الأطراف والوصول إلى اتفاق سياسي؟ ما رأيكم في ذلك؟ وكيف ترون الخروج من الأزمة الليبية بعد كل هذه السنوات وإنهاك الشعب الليبي؟
المشير حفتر: للأسف ما يجري هو تجاهل حقيقة المشهد والسباحة في الخيال. المشهد تعبر عنه إرادة الشعب الليبي بوضوح بأن الجيش الليبي هو صمام الأمان والضامن الوحيد للأمن والاستقرار وبناء الدولة، وأي حل سياسي يتجاهل هذه الحقيقة الساطعة مصيره الفشل، وهذا ما أثبتته نتائج حوار الصخيرات الذي بُني من أساسه على إخضاع مؤسسة الجيش للتنظيمات الإرهابية بنصوص منمّقة، تبدو في ظاهرها أنها تحقق هدف الوفاق، لكن الشعب الليبي ادرك أن الهدف الحقيقي هو فرض الهيمنة على الجيش، وشل حركته وتوجيه مساره خارج نطاق واجبه الوطني، وفتح الطريق للتطرف ليبسط نفوذه، ومن ثم فقدَ الاتفاق أهم ركيزة له وهي التأييد الشعبي، مما أدى إلى فشله في تحقيق أي تقدم على الأرض. الاتفاق السياسي عرقل نفسه بنفسه لأنه تجاهل الواقع وأراد المساس بمؤسسة الجيش، فعجز على أن ينال ثقة المواطن، ومهما بلغت درجة التأييد الدولي لأي اتفاق فانه يظل حبراً على ورق ما لم يحظَ بتأييد شعبي على المستوى المحلي. هذه هي الحقيقة التي يجب أن يدركها كل من يريد أن يسهم في معالجة الأزمة الليبية وعند صياغة أي اتفاق سياسي. الشعب الليبي هو الرقم الصعب في معادلة الوفاق وليس المشير حفتر، والعمل خارج دائرة الإرادة الشعبية هو مضيعة للجهد والوقت. نحن مستعدون للمساهمة في الحل ولكن في إطار مطالب الشعب الليبي فقط التي تؤكد أولاً وأخيراً على ضرورة تجنب المساس بالجيش وتعريضه للخطر. وانتهز هذه الفرصة لأثني على المجهودات الكبيرة التي تبذلها دول الجوار من أجل التوصل الى وفاق حقيقي يضمن تحقيق تلك المطالب المشروعة.
سبوتنيك: هناك حديث يدور في الأوساط السياسية بأن خلافكم الأساسي مع المجلس الرئاسي هو رفضكم العمل تحت سلطة مدنية. ما تعليكم؟
المشير حفتر: منذ سقوط النظام السابق حتى اليوم تولت مؤسسات مدنية اختصاصات القائد الأعلى للقوات المسلحة، بدءاً بالمجلس الانتقالي ثم المؤتمر الوطني العام ثم مجلس النواب الحالي على التوالي وفقاً للإعلان الدستوري المعمول به حاليا وتعديلاته. ومثلما فوَّض المؤتمر الوطني العام رئيسه بصلاحيات القائد الأعلى قام مجلس النواب بتفويض رئيس البرلمان السيد المستشار عقيلة صالح قائداً أعلى للقوات المسلحة، وطيلة فترة عملي كقائد عام للقوات المسلحة حتى اليوم كان السيد عقيلة صالح القائد الأعلى، وهو شخصية مدنية منتخبة. إذن كيف يمكن القول بأن القيادة العامة ترفض العمل تحت سلطة مدنية؟ نحن لا نرفض أن تكون السلطة العليا على المؤسسة العسكرية مؤسسة مدنية بل نتمسك بذلك ونتشبث به، طالما أن تلك السلطة منتخبة مباشرة من الشعب الليبي.
سبوتنيك: ما هو تقييمكم للاتفاق السياسي ومخرجاته؟
المشير حفتر: هذا السؤال تجيب عليه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا التي أشرفت على انتتاج هذا الاتفاق، والدول التي اعترفت به وعملت على فرضه، ولجنة الحوار التي وقعت عليه بالأحرف الأولى، والأطراف التي شاركت في صياغته، والمؤسسات المنبثقة عنه وتعمل بموجبه قبل أن يتضمنها الدستور، ويجيب عنه الوزراء الذين باشروا عملهم قبل أن يمنحهم البرلمان الثقة، وقبل أن يؤدوا اليمين الدستورية، وقبل كل ذلك يجيب عليه المواطن الليبي المعني بالأمر أولا وأخيراً. وإذا كان لابد لي من الإجابة فسأجيب بصفتي مواطناً فقط، وأرى من خلال المخرجات أنه وثيقة لا تحمل من الوفاق ألا الاسم، إذ مازال الصراع السياسي محتدماً وساخناً رغم مضي عام ونصف العام على توقيع الوثيقة، ومازالت معاناة المواطنين في تفاقم حاد على جميع الأصعدة، ولم نر من المجلس الرئاسي الا العراك والسباب والاشتباك بالأيدي بين أعضائه، ولم نشهد له أي نفوذ أو وجود على الأرض، ومازالت المليشيات تسيطر على العاصمة رغم ما نص عليه الاتفاق بضرورة خروجها من المدن كخطوة أولى لتنفيذه، وصار هذا الاتفاق منفذاً واسعاً للتدخل الأجنبي في شؤوننا الداخلية. ويكفي أن نشير إلى أن كل الطعون في قرارات المجلس الرئاسي أمام المحاكم الليبية انتهت بأحكام قضائية تبطلها جميعاً وتعتبرها في حكم العدم، وفي مقدمة ذلك الاتفاقية التي أبرمها السيد السراج مع الحكومة الإيطالية بشأن الهجرة غير الشرعية كمثال. هذه هي حقيقة الاتفاق السياسي ومخرجاته التي يدركها المواطن الليبي جيداً ويعيش مآسيها لحظة بلحظة.
سبوتنيك: ماذا عن الدور المصري في حل الأزمة الليبية؟ وهل تلعب دوراً فعالاً حيال علاقتها مع الجيش الليبي وفي نفس الوقت مع حكومة الوفاق برئاسة السراج؟
المشير حفتر: جمهورية مصر العربية في طليعة الدول التي تعمل بأقصى جهدها لمساعده أطراف النزاع في ليبيا للوصول إلى توافق، وهناك لجنة مصرية برئاسة الفريق محمود حجازي رئيس أركان الجيش المصري تضم أعضاء على مستوى رفيع تعمل على التواصل مع جميع الأطراف الليبية والقوى المؤثرة في بلورة الاتفاق، وقد تقدمت مؤخراً بمبادرة ترمي إلى التوصل إلى إعادة النظر في اتفاق الصخيرات الذي وصل طريقاً مسدوداً، والعمل جار في هذا الاتجاه. جمهورية مصر العربية معنية بشكل مباشر بما يجري على الساحة الليبية خاصة على المستويين السياسي والأمني، وتعمل جاهدة لضمان استقرار الوضع في ليبيا، وهي بلا شك دولة يهدد الإرهاب أمنها القومي، ونحن نعمل سوياً من أجل القضاء على الإرهاب، وبالإضافة الى رابط الأخوة بين الشعب الليبي والمصري فان الجغرافيا تلعب دوراً مهماً في تأكيد ضرورة التعاون بيننا بدول الجوار والحدود المشتركة
سبوتنيك: سعت مصر إلى إجراء لقاء مباشر في القاهرة بينكم وبين رئيس المجلس الرئاسي، وعلى الرغم من حضوركما في القاهرة بغرض اللقاء الا أنكم رفضتم مقابلته، ألا ترون بأن رفضكم مقابلته قد زاد من حدة الأزمة؟ وهل بإمكانكم شرح أسباب الرفض؟
المشير حفتر: يجب التوضيح أولاً بأن تلك الزيارة إلى القاهرة لم تكن في الأساس بناء على دعوة للقاء السيد فائز السراج، بل كانت في إطار التعاون الأمني بين البلدين. وعند وصولي القاهرة تفاجأت بوجود ترتيبات للقاء ثنائي معه في اليوم التالي. وعلى الرغم من النوايا الحسنة والصادقة لعقد هذا اللقاء الا أنني رأيت أن لقاءً كهذا بصورة فجائية ودون تنسيق مسبق لا يمكن أن يحقق أي فائدة، بل قد يزيد المشهد تعقيداً، وربما يساء فهمه وينظر إليه على أنه نوع من المصالحة بين خصمين، في حين أنني لست خصماً للسيد السراج ولا أراه خصماً لي، ولا ننسى أنه يحمل صفة سياسية لازالت محل جدل عميق على نطاق واسع من الناحية الدستورية، وعلى المستوى الشعبي وتحت قبة البرلمان في خضم نزاع سياسي حاد، وصراع شرس بين السياسيين على السلطة، والقيادة العامة ليست طرفاً في هذا الصراع، ولم تشارك في صياغة الاتفاق السياسي الذي أنجب المجلس الرئاسي، وغير مسؤولة عن مخرجات حوار الصخيرات، ولا نريد أن ننجرف دون أن نشعر إلى صميم المعترك السياسي المعقد مقابل التقاط بعض الصور وفرقعة إعلامية قد تزيد الطين بلة، ويكفي ما لدينا من التزامات ثقيلة في العمل العسكري. نحن مؤسسة عسكرية تحكمنا قوانين نعمل بموجبها وماضون في أداء واجبنا بعيداً عن أي نزاعات سياسية، رغم أن الصراع القائم على السلطة بين القوى السياسية ألحق بالمؤسسة العسكرية أضراراً بالغة، ناهيك عن ما ألحقه من ضرر بالمواطن. ولم نبخل بالاجتهاد لتقديم المبادرات للدفع بعجلة الوفاق إلى الأمام حرصا منا على المصلحة العليا للبلاد. ولا يعني هذا أنني أرفض لقاء السيد السراج من حيث المبدأ. إذا رأى السيد السراج ضرورة للقاء بيني وبينه، ولديه ما يود طرحه على القيادة العامة، أو يتشاور حوله معنا، أهلاً وسهلاً به في أي وقت في مقر القيادة بالرجمة جنوب بنغازي شرق ليبيا.
سبوتنيك: أشرتم إلى أنكم تقدمتم بمبادرات تتعلق بالوفاق. هل يمكنكم شرح طبيعة هذه المبادرات؟
المشير حفتر: كما أشرت سلفا أن عدم الوصول إلى اتفاق سياسي كانت له تبعات أضرت كثيراً بمؤسسة الجيش، خاصة في مرحلة نخوض فيها معارك متواصلة ضد الإرهاب، ونعمل في الوقت نفسه على إعادة تنظيم الجيش وتطويره. أذكر منها على سبيل المثال استمرار حظر التسليح المفروض علينا، حيث أن رفع الحظر مشروط بالتوصل إلى حل سياسي. كما أن النزاع السياسي امتد أثره السلبي ليطال العديد من العسكريين، ضباطاً وجنوداً، ممن اضطروا إلى تحديد مواقف تتنافى مع طبيعة عملهم كعسكريين نظاميين، ليجدوا أنفسهم إما معتكفون في بيوتهم عاطلين عن العمل أو يعملون قهراً ضمن تنظيمات مليشياوية وتحت إمرة أفراد مدنيين، وهو انحراف خطير وغير مسبوق في مؤسسة الجيش، فأحدث ذلك شرخاً في صف الجيش الليبي الواحد. ويضاف إلى ذلك أيضا التدهور الاقتصادي الذي نجم عن النزاع السياسي وأثره السلبي المباشر على ميزانية الجيش، ومن ثم على استعداداته وقدراته الدفاعية. من هنا كان لزاما علينا أن نتقدم بمبادرات تعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي، وتحفظ للمؤسسة العسكرية هيبتها ومكانتها، وتحدث انفراجاً في الأزمة الخانقة. وقد رأينا أن الخلاف القائم يرتكز بالدرجة الأولى على السلطة الرئاسية العليا في البلاد وصلاحياتها التي تضم بالإضافة الى الشأن الحكومي صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة في غياب رئيس منتخب للدولة يحمل هذه الصفة محل الخلاف. فكانت مبادرتنا بان تشكل هيئة رئاسي تمثل رئاسة الدولة، وتحمل صفة القائد الأعلى، وتتألف من ثلاثة كيانات مؤسساتية، وليس على أساس المحاصصة المناطقية، هي البرلمان والقيادة العامة والحكومة، بحيث يمثل رئيس البرلمان والقائد العام ورئيس الحكومة كيان هذه الهيئة، ومن الناحية العملية نرى أن هذا الطرح يتيح مجالاً واسعاً للتنسيق المباشر في العمل بين هذه المؤسسات تحت مظلة الهيئة الرئاسية في مرحلة انتقالية محدودة الأجل، الى حين صدور الدستور الدائم وإجراء انتخابات رئاسية مباشرة، وفي الوقت نفسه تلبي هذه المبادرة الرغبة والحاجة الى معالجة التضخم الهائل في عدد أعضاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ليحل محله رئيس الوزراء فقط. وقمنا بتسليم هذه المبادرة الى اللجنة الوطنية المصرية المهتمة بالشأن الليبي مع بعض الشروح لعرضها على الأطراف المعنية منذ عدة أشهر ولم يصلنا أي رد بشأنها حتى اليوم. ونأمل أن تحظى باهتمام المعنيين بها علّها تجد طريقها إلى التنفيذ، من أجل الدخول في مرحلة جديدة متقدمة بدلاً من المراوحة في مكان واحد على حساب الوطن والمواطن.
سبوتنيك: ضمن المساعي الإقليمية للمساعدة في إيجاد مخرج للأزمة الليبية وجه لكم الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي دعوة لزيارته، هل في نيتكم تلبية هذه الدعوة؟
المشير حفتر: نعم وبدون أدنى تردد. فخامة الرئيس التونسي من القادة الذين لهم تاريخ نضالي مشرف، وخبرة في العمل السياسي على مدى عقود، وكنت أول من توجه له بالتهنئة عند فوزه في الانتخابات الرئاسية، وتونس دولة شقيقة وجار له مكانة خاصة في نفوس الليبيين، وهي بلا شك معنية بشكل مباشر بمجريات الأحداث على حدودها الشرقية، ومن الدول الرافضة بشدة لأي تدخل عسكري أجنبي في الأراضي الليبية، ونتطلع أن تلعب دورها في رأب الصدع بين الأطراف السياسية المتنازعة في ليبيا، وقد تأخر موعد الزيارة قليلاً بسبب العمليات العسكرية في بنغازي والهلال النفطي والجنوب الليبي، ولكن اللقاء سيتم قريباً بإذن الله.
سبوتنيك: من هم الحلفاء الرئيسين للجيش الليبي، وهل تتلقون دعماً بالأسلحة او بأي خبرات عسكرية أخرى من أي دولة؟
المشير حفتر: الجيش الوطني الليبي يعتمد بالدرجة الأولى بعد الله على الشعب الليبي الذي خرج في مظاهرات سلمية عارمة في كافة أنحاء ليبيا وفي قلب العاصمة طرابلس معبراً عن تأييده المطلق للجيش الوطني، وواجهته قوى الإرهاب التي تسيطر على طرابلس بالرصاص الحي، ولم يأت هذا التأييد الشعبي من فراغ، بل من ثقة الشعب في جيشه الذي أثبت في ميادين القتال أنه مصمم على اجتثاث الإرهاب وتحقيق الاستقرار تمهيداً لبناء الدولة المدنية التي يتطلع اليها الشعب. ونعتمد على إرادة جنودنا وشجاعتهم وإيمانهم بقضيتهم، وحرصهم على التضحية والفداء من أجل الوطن كواجب وطني مقدس، كما نعتمد على حسن التدريب والتخطيط والانضباط والصبر، ثم يأتي بعد ذلك دور حلفائنا من الدول الشقيقة والصديقة في الدعم المعنوي والاستخباراتي والتعاون في مجال المعلومات. أما عن الدعم الخارجي بالأسلحة فان الحظر المفروض علينا يحول دون ذلك، وتعتبر الغنائم التي نحصل عليها في معاركنا ضد الإرهاب أهم مصدر للسلاح والذخيرة، وقد سبق أن وجهنا نصيحة لمن يدعم التنظيمات الإرهابية بالسلاح أن يرسل الشحنات الينا مباشرة، لأنها في نهاية الأمر ستقع في أيدينا بالقوة، لكنهم وضعوا أصابعهم في آذانهم ولم يأخذوا بالنصيحة. لقد خاض الجيش الليبي أكثر من مائتي معركة ضد الإرهابيين انتصر فيها جميعاَ ولم يخسر معركة واحدة، وهو ماضٍ في طريقه الى أن يحقق أهدافه كاملة.
سبوتنيك: يجري الحديث دائما عن ضرورة تنفيذ عقود التسليح مع روسيا، أي العقود السابقة التي وقعها نظام القذافي. هل من حديث عن عقود جديدة مع الجانب الروسي تمت خلال زياراتكم الأخيرة ؟ هل من عقود أخرى لا تتعلق بمجال التسليح كالنفط وإعادة الأعمار ومجال الطيران وغيرها؟
المشير حفتر: نحن نعمل جاهدين على تسليح الجيش الليبي ليس من أجل الترف، ولكن بحكم حاجة ليبيا الماسة إلى جيش يؤدي دوره الدفاعي عن البلاد وعن الشعب ومقدراته والسيادة الوطنية على أكمل وجه. ولن نتردد في التوجه الى أي دولة تبدي استعدادها للوقوف إلى جانبنا في تسليح جيشنا، هذا حق طبيعي لا يجوز أن ينكره علينا أحد، لأننا لا نريد التسلح بهدف العدوان ولكن فقط من أجل الدفاع عن بلادنا وتحقيق الاستقرار فيها، وهو ما يحقق استفادة مباشرة للإقليم وللعالم أجمع. وقد ناقشنا مع أصدقائنا الروس مسألة الاتفاقيات السابقة لكن من الناحية العملية مازال الحظر المفروض علينا يشكل عائقا لتنفيذ تلك الاتفاقيات رغم أنها أبرمت قبل إصدار قرار مجلس الأمن بفرض الحظر. أما فيما يتعلق بأي عقود في مجالات التعاون الأخرى فهذا أمر يخص الحكومة ولا علاقة له بالجيش.
سبوتنيك: هل من خطوات فعلية جديدة بشأن رفع حظر تسليح الجيش الليبي؟
المشير حفتر: نحن من طرفنا نبذل ما بوسعنا لإقناع الدول الأعضاء في مجلس الأمن لإصدار قرار برفع الحظر، وفي جميع المباحثات الدولية التي نجريها نضع هذا الموضوع في مقدمة اهتماماتنا. وحتى الآن لم نحصل الا على الوعود بالسعي في هذا الاتجاه. وما يدعو للاستغراب هو أن بعض الدول المؤثرة في قرارات مجلس الأمن تربط موضوع رفع الحظر بحل الأزمة السياسية في ليبيا. نحن جيش وطني يحارب الإرهاب والتطرف ويحتاج الى تسليح لحسم المعركة بصرف النظر عن أي خلاف سياسي قائم، ويجب على تلك الدول أن تدرك بأنه من مصلحتها رفع الحظر عن الجيش الليبي، لأن الإرهاب ليس عدواً لليبيا فقط بل للعالم أجمع، والقضاء عليه في ليبيا هو خدمة للعالم بأسره، فالإرهاب لا يعترف بالحدود ويستهدف الإنسانية جمعاء. وعلى أي حال لم يثنينا حظر التسليح عن القيام بواجبنا، فقد انتصرنا على الإرهاب بإمكانياتنا المحدودة من حيث التسليح، في حين عجزت دول عظمى بأساطيلها الجوية والبحرية والبرية أن تحسم المعركة ضد الإرهاب لصالحها على مدى سنوات عديدة. ومازالت العمليات الإرهابية البشعة للأسف تستهدف المدنيين الأبرياء في أوروبا وأمريكا وحتى روسيا دون توقف. كما أن تقوية الجيش الليبي ستسهم بشكل مباشر في منع الهجرة غير الشرعية التي تشكل هاجساً لأوروبا، وهذا ما نلاحظه في المناطق التي يسيطر عليها الجيش مقارنة بتلك التي تسيطر عليها المليشيات في الساحل الغربي، وبصرف النظر عن محاربة الإرهاب والهجرة غير الشرعية فالشعب الليبي من حقه بناء جيش كامل التسليح يحمي الحدود وثروات البلاد ومؤسساتها الحيوية، شأنه في ذلك شأن باقي جيوش العالم، ثم أننا لا نطلب التسليح تسولاً، بل نعتمد على ثرواتنا التي وهبها لنا الله.
سبوتنيك: هل من توافق روسي أميركي بشأن الأزمة الليبية؟ هل تتوقعون ان يكون هناك توافق أمريكي روسي لمحاربة "داعش" والقاعدة في ليبيا؟ وهل توجهتم بطلب روسيا للمساعدة؟
المشير حفتر: المبدأ العام الذي تقره كل من روسيا وأمريكا حول الأزمة الليبية يستند الى ضرورة أن يصل المتنازعون في ليبيا الى وفاق سياسي عبر الحوار يحدد هيكل الدولة بشقيه التشريعي والتنفيذي، ويعمل على فصل السلطات وتحديد الاختصاصات، ومن خلال زياراتنا الى موسكو لمسنا حرص الروس على أن تكتسب أي مؤسسة منبثقة عن الاتفاق على الشرعية الدستورية، مع ضرورة أن تنال السلطة التنفيذية ثقة البرلمان قبل أن تباشر مهامها، ومن منظورنا هذا هو التوجه الصحيح الذي يجب أن يتبعه المجتمع الدولي. أما بالنسبة للإدارة الأمريكية التي لم تستلم مهامها الا حديثا فهي في مرحلة جمع المعلومات حول الوضع السياسي في ليبيا، ويبدو واضحاً أنها لم تستكمل استيضاح الموقف بعد، وما نأمله هو أن توضع مطالب الشعب الليبي في مقدمة الأهداف، وأن تقف هاتان الدولتان في وجه القوى المتطرفة التي تسعى إلى احتكار المشهد السياسي لفرض نفسها على إرادة الليبيين. أما فيما يتعلق بالتوافق بين روسيا وأمريكا في محاربة "داعش" في ليبيا فإننا لا نستطيع الحكم عليه الا من خلال العمل، وكل ما تحتاجه عملية القضاء على "داعش" والتنظيمات الإرهابية الأخرى في ليبيا هو دعم الجيش الليبي بالسلاح، والتنسيق والتعاون في مجال المعلومات والاستخبارات، ونحن لا نطلب أكثر من ذلك.
سبوتنيك: هل توجد أي مباحثات لإنشاء قاعدة عسكرية لروسيا في ليبيا؟
المشير حفتر: لم يسبق طرح هذا الموضوع على الإطلاق في مباحثاتنا مع الروس، ولا نعتقد أن لدى روسيا الرغبة أو الحاجة لإنشاء قاعدة عسكرية لها في ليبيا، فهي تملك أسطولا عملاقا في البحر المتوسط يغنيها عن أي قاعدة برية في إقليم المتوسط. وعلى أية حال فان أنشاء القواعد العسكرية أمر تمليه ظروف محلية وإقليمية ودولية استثنائية بشكل خاص لا نرى أنها قائمة حالياً.
هل هناك زيارة أخرى مرتقبة إلى العاصمة موسكو؟
المشير حفتر: لا توجد أي ترتيبات حاليا لزيارة موسكو، ولكن قد تتم الزيارة في أي وقت متى رأينا نحن وأصدقاؤنا الروس أنها ضرورية وتخدم مصالحنا المشتركة. نحن لا نقوم بالزيارات بغرض الفسحة وقضاء الإجازات، بل لتحقيق أهداف تخدم مصلحة شعبنا وتعزز التعاون بيننا وبين الدول التي نزورها.
سبوتنيك: بعد انتصارات الجيش الليبي في بنغازي وتحريرها من العناصر الإرهابية، ماذا بعد التحرير؟ وهل هناك نيه في الاتجاه غرباً لدخول طرابلس؟ خاصة بعد خروج مظاهرات في ميادين طرابلس تطالب الجيش الليبي بالتدخل؟
المشير حفتر: بنغازي عانت كثيراً من جراء الحرب على الإرهاب، وتحمل أهلها تبعات الحربالتي قاربت على ثلاث سنوات منذ انطلاق عملية الكرامة دون توقف، وأجبرت العديد من الأسر على النزوح وترك مساكنها قهراً، وسبق ذلك معاناة قاسية عندما كانت المدينةِ تحت قبضة "داعش" وأنصار الشريعة والقاعدة، ودفع الأهالي فيها ثمناً باهضاً من أجل تحرير مدينتهم، وصبروا كثيراً حتى انتصرت المدينة، ولا يتسع المجال هنا لنستعرض حجم الثمن الذي دفعته بنغازي لتنال حريتها، ومن هنا لابد بعد هذا النصر أن تجني بنغازي ثمن صبرها ونضالها، بأن تبدأ مرحلة إعادة إعمارها وتطويرها على نمطٍ حضاري دون تأخير أو مماطلة، وأن يتم دعم الأجهزة الأمنية لضمان قيامها بدورها كاملاً لتنعم بنغازي بالأمن والسلام والرخاء. ولم ينته دور الجيش الوطني بتحرير بنغازي من الإرهاب، فهو معني بملاحقة التنظيمات الإرهابية والقضاء عليها أينما حلت في ليبيا، طال الزمن أم قصر. كما أنه معني بحماية الثروات الطبيعية والمرافق الحيوية، وهي مهمة لا يستهان بها، وفي هذا الصدد استطاع الجيش الوطني تحرير جميع الموانئ في الهلال النفطي من قبضة عصابات إجرامية كانت تبيع النفط بالتهريب لحسابها الخاص، وأوقفت تصديره على مدى ثلاث سنوات مما تسبب في أزمة اقتصادية كارثية، وعلى الرغم من محاولاتها المتكررة لإعادة سيطرتها على تلك الموانئ ألا أنها كانت في كل مرة تتلقى ضربات موجعة في الصميم من الجيش الوطني، ولم يجد من نجا منهم بالفرار ألا الصحراء ليتوه فيها. يضاف إلى ذلك حماية الحقول النفطية من هذه العصابات ومن التنظيمات الإرهابية التي تخطط للسيطرة عليها، ونحن لها بالمرصاد. وبالنسبة للعاصمة طرابلس فان تحريرها على يد الجيش الوطني من مغتصبيها أمر حتمي، ينبع من دورنا كجيش وطني واستجابة لنداءات أهالي العاصمة، ونعمل جاهدين على أن يتم ذلك بالوسائل السلمية، ونحن ندرك جيداً أن بعض المليشيات في طرابلس قد تشكلت بدافع وطني، وليس لديها أي تطلعات سياسية أو توجهات أيديولوجية، وقد أدت دوراً بارزاً في منع القوى المتطرفة من السيطرة على طرابلس، وكان هدفها حماية المدينة وأحيائها السكنية عندما انهارت المنظومة الأمنية الرسمية.
سبوتنيك: هل مازلتم على موقفكم في عدم التدخل في إدارة المنشأة النفطية؟
المشير حفتر: كان الهدف من تحرير الموانئ النفطية في الهلال النفطي من العصابات الإجرامية الإرهابية بعملية البرق الخاطف وما تلاها من تصدٍّ لهجمات بائسة من طرف تلك العصابات والمرتزقة التشادية هو تسليمها إلى المؤسسة الوطنية للنفط لإدارة شؤونها في عمليات التصدير من أجل تحسين مستوى الاقتصاد الوطني المنهار، دون التدخل في عمل المؤسسة، والاكتفاء فقط بدور الحماية. ومن أجل ضمان هذه الحماية قمنا بإصدار الأوامر لقواتنا في الهلال إلى التقدم غرباً الى منطقة هراوة شرق مدينة سرت، وجنوباً إلى زلة وضواحي الجفرة، دون أن يكون لتواجدها هناك أي هدف سوى توفير حزام أمني يمنع أي محاولة للهجوم على الهلال النفطي. وفور تحرير الموانئ قمنا بتسليمها إلى المؤسسة الوطنية للنفط، وتضاعف معدل التصدير خلال أسابيع، لكن المؤسف أن الوضع الاقتصادي ازداد تدهوراً على غير المتوقع، وانخفضت قيمة الدينار الليبي مقابل العملات الأجنبية انخفاضاً حاداً، وارتفعت الأسعار الى مستوى خيالي، وعانت المصارف من نقص حاد في السيولة المحلية، مما ينبئ بوجود أياد مفسدة تعبث بمقدرات البلاد، ولا تكترث بمعاناة المواطن وقوته اليومي. ونحن حريصون على عدم التدخل في الشأن الاقتصادي ومسألة تصدير النفط وتوزيع عائداته، لكن الوضع أصبح لا يطاق، وتجاوز حدود المأساة لتصبح كارثية بمعنى الكلمة، ولابد من وقفة جادة من كل المؤسسات المعنية بالاقتصاد لإيجاد حل سريع وعاجل قبل أن ينفجر الموقف.
سبوتنيك: هل يمكن ان يحدث صدام عسكري بين قوات الجيش الليبي والقوات المسيطرة على المناطق الغربية؟
المشير حفتر: لا يمكن أن يحدث أي صدام بين الجيش الوطني وأي قوى وطنية، الصدام فقط مع التنظيمات الإرهابية التي لا تؤمن ألا بمنطق القوة. ونحن نسعى الى ضم كل القوات النظامية تحت راية الشرعية وخارج دائرة المليشيات، وفق معايير يحددها القانون وتفرضها المصلحة العليا للبلاد، ووفق ترتيبات فيما بيننا دون أي تدخل أجنبي. فالجيش الليبي واحد، ونحن كعسكريين نستطيع ان نتفاهم مع بعضنا، لكن تدخل أطراف من خارج المؤسسة العسكرية ومن خارج حدود ليبيا لا يخدم بناء الجيش، ويعمل على شق الصف وخلق الفتن بين العسكريين. لا يوجد أي عداء بين العسكريين الليبيين النظاميين الوطنيين حتى يتطور الى صدام، بل هم أخوة تجمعهم مبادئ وعهود وواجبات وطنية لا خلاف عليها، وتحكم التراتبية العسكرية ومنهج الانضباط العسكري والكفاءة في الأداء طبيعة العلاقة بينهم كأفراد، ومهما حاول المفتنون أن يشقوا الصف بيننا لن يفلحوا، لأن الرابطة التي صنعتها المدرسة العسكرية بيننا كعسكريين أقوى من أن تؤثر فيها التجاذبات السياسية بين المتصارعين على السلطة. الذي يصطدم مع الجيش الوطني الليبي لا يمكن تصنيفه الا عدو للشعب الليبي.
سبوتنيك: ظهرت بعد الصور ولقطات فيدو لأعمال عنف على أيدي أفراد من قوات الجيش الليبي، هل قمتم بإجراء تحقيقات في هذه الواقعة؟ وكيف تفسرون ذلك؟
المشير حفتر: القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية حريصة كل الحرص على الالتزام بقواعد الاشتباك أثناء المعارك، واحترام القانون الإنساني الدولي، والقوانين الدولية ذات العلاقة بحقوق الأنسان، ولا يستطيع أحد أن يزايد علينا في ذلك، ويكفي للدلالة على ذلك التعليمات التي نصدرها تباعاً لغرف العمليات والوحدات العسكرية بضرورة الالتزام بهذه المبادئ مهما كانت بشاعة السلوك الذي ينتهجه العدو. ولا يحق للقضاء العسكري أو حتى المدني أن يصدر أحكاماً بالإدانة والعقوبة دون إعطاء الفرصة للمتهم للدفاع عن نفسه، والقانون يحدد بدقة الإجراءات التي يتم بها التحقيق والمحاكمة. وقد أصدرنا تعليمات واضحة بالتحقيق في ما تم نشره في هذا الخصوص. وعلى الرغم متفهمنا للأوضاع النفسية التي مر بها مقاتلونا أثناء معاركهم ضد المجموعات الإرهابية ألا أننا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نجيز أي تصرفات تتعارض مع القيم الإنسانية والقوانين المحلية والدولية. ومهما كانت الدوافع والأسباب لأي سلوك يتنافى مع تلك القيم والقوانين فلابد أن تأخذ العدالة مجراها الطبيعي حتى النهاية. ندرك تماماً أن جنودنا المقاتلين خاضوا معارك شرسة، مارس فيها العدو ضدهم وسائل تتجاوز حدود الخيال في بشاعتها وفظاعتها، ويعجز الأنسان عن وصفها، ولا تمت لأصول الحرب بأي صلة، وتتنافي بالمطلق مع القيم الإنسانية ، ولا يتسع المجال هنا للغوص في تفاصيلها المقززة، لكن ذلك لا يبرر المعاملة بالمثل، لأننا جيش نظامي محترف، تحكمه مبادئ وقوانين لا يجوز تجاوزها مهما كانت الظروف، وينظر اليه الشعب الليبي على أنه طوق النجاة، وصمام الأمان، والعمود الفقري لبناء الدولة، ورمزٌ للسيادة الوطنية. كما أننا ندرك جيداً الأهداف الحقيقة لهذه الحملة الشرسة ضدنا، ونعرف من وراءها، فلم يعد أمام أعدائنا الإرهابيين بعد أن الحقنا بهم الهزائم المتلاحقة في ميادين القتال الا رفع الدعاوى ضدنا في المحاكم الدولية، عل ذلك يكسر شوكتنا، أو يضعف عزيمتنا، لكننا نطمئنهم ونبشرهم بأننا ماضون في نضالنا حتى تطهير البلاد شبراً شبراً من شرورهم، ليعود الوطن إلى أهله الشرفاء الطيبين، وينعموا بخيراته كاملة، ويحيوا في أرضهم حياة آمنة عزيزة كريمة.
أجرت الحوار: تهاني مهران