وأوضح الحريري أن قراره بالعدول عن الاستقالة جاء بعد التوصل إلى صفقة توافق مع الأحزاب المنافسة في محادثات تستهدف عزل "حزب الله" من الحكومة الحالية، لافتًا إلى أن هناك شخصا واحدا يود شكره: الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وبحسب مجلة "ذا أتلانتك" فقد كان لفرنسا دور كبير في عودة الحريري بعد أن أقنع ماكرون الأمير محمد بن سلمان بأن يسمح للحريري بالسفر إلى باريس، حيث بقي ثلاثة أيام في القصر الرئاسي ثم عاد الأسبوع الماضي إلى لبنان، منهيا ثلاثة أسابيع من التوتر بين السعوديين واللبنانيين والإيرانيين.
ويعاني الاقتصاد اللبناني من العجز العام وتدفق اللاجئين غير المسبوق في البلد، على نحو جعل المحللين يقارنون بينه وبين اقتصاد اليونان عام 2009 على حافة أزمة منطقة اليورو، وعندما زار الرئيس ميشيل عون باريس في أيلول/سبتمبر، تلقى وعدًا من ماكرون بتنظيم مؤتمرين دوليين، أحدهما دعما للجيش اللبناني والآخر للمستثمرين المحتملين، بالإضافة إلى أنه أبقى على الوعد الذي وعد به سلفه فرانسوا هولاند بتقديم مساعدات لتقوية الجيش بقيمة 100 مليون يورو على 3 أعوام.
ويرى الخبير في معهد مونتاغيو في باريس، حكيم الكاروعي، في بحث جديد أن فرنسا تسعى لاستعادة دورها بصفته عامل استقرار في الشرق الأوسط، بما في ذلك الوساطة في الصراعات الإقليمية كما كانت تفعل في الماضي، وأكد أن ماكرون قد فهم ذلك، أما ما يتعلق باستقالة الحريري المفاجئة في السعودية فيقول الكاروعي: قبل عدة سنوات ما كانت فرنسا لتسمح بذلك.
ويضيف الخبير: ماكرون يستغل ما يبدو أنه تراجع في الدبلوماسية الأمريكية في المنطقة، وعدم ترشيح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سفراء للسعودية ولبنان، ما أحدث فراغًا بسبب غياب أمريكا.
إن علاقة عائلة الحريري بالرئاسة الفرنسية عانت من التهم بالفساد ومقايضة النفوذ منذ تسعينيات القرن الماضي، وقد سلطت الصحف الفرنسية، مثل ليبراسيون ولو فيغارو، الضوء على العلاقة بين رفيق الحريري وجاك شيراك، واتهمت بعضها شيراك بتأثر سياساته تجاه لبنان بتلك الصداقة، وهي القضية التي طفت على السطح مجددا إبان الأزمة الأخيرة.
وتشير المجلة إلى أن ماكرون لديه بالفعل مشكلة مع عائلة الحريري حاليًا، فعندما أفلست شركة "سعودي أوجيه" التابعة لعائلة الحريري في السعودية في تموز/ يوليو 2017، وأنهت خدمات آلاف العاملين فيها، كان من بينهم 240 موظفا فرنسيا يطالبون بحوالي 20 مليون يورو رواتب وضرائب تأمين اجتماعي غير مدفوعة، وعندما سئل الحريري عن ذلك قال: "ستدفع لهم المبالغ بمجرد ما تدفع الحكومة السعودية ما تدين به للشركة".
وتنقل المجلة عن المحامية كارولاين واسيرمان، الوكيلة عن 85 من الموظفين السابقين، قولها: "موقف الحريري غير مسؤول…وإن دفعت له السعودية فليس أكيدا أن يدفع لموظفيه، لأنني لا أثق به أن يفعل ذلك".
وقالت المحامية للمجلة الأمريكية إن "الذراع الدبلوماسية لقصر الإليزيه اتصل بها هذا الأسبوع، ليخبرها أن ماكرون يهمه إيجاد حل لهؤلاء الموظفين، إذ إنه يرى "هذا توقيتًا جيدًا لأن الحريري مدين له في موقف أو اثنين".
وتشير المجلة إلى أن ماكرون حقق مكسبا دبلوماسيا كبيرا في الشرق الأوسط، من خلال إعادة الحريري إلى لبنان، لكن هناك ثمنا لكل انتصار، فإن كان ينوي ملء الفراغ الذي تركته أمريكا في المنطقة فستكون لديه فرص كثيرة لتجريب الوساطات في الصراع، وسيكتشف كما اكتشفت أمريكا أن الانتصارات الكبيرة نادرة.