يوسف الماجري طفل لم يتجاوز سن 15 عاما يجلس في إحدى محطات المترو الخفيف بتونس العاصمة، بوجه جميل وشعر غير مرتب، غيرت قسوة الحياة وشظف العيش من لون بشرته ونظرة عينيه التي أصبحت تحمل لمحة عدائية غريبة.
وصل الطفل الصغير لتوه إلى محطة المترو الخفيف حاملا كيسا يحتوي على علب مناديل ورقية لبيعها لرواد المحطة، يشتري يوسف العلبة ب 100 مليم من تاجر الجملة ليبيعها ب200 مليم ويمضي أكثر من نصف يومه ليبيع كيسا يحتوي 100 علبة.
يقوم الطفل الذي يعتبر نفسه شابا اليوم بهذه العملية يوميا بعد أن انقطع عن الدراسة منذ سنة تقريبا .
مثل يوسف كثيرون في تونس يصل عددهم إلى مئات الآلاف ينقطعون عن الدراسة ويهيمون في الشوارع، ورغم خطوة هذا النزيف إلا أن الحكومات المتعاقبة على تونس لم تجد حلا لهذه المشكلة رغم التعديلات و الإصلاحات التي طرأت على المنظومة التعليمية.
ارتفاع الانقطاع المدرسي في المرحلة الابتدائية
بعض الدراسات التي تناولت ظاهرة الانقطاع المدرسي توصلت إلى أن الانقطاع عن التعليم في تدرج من المرحلة الابتدائية إلى التعليم الثانوي حيث ارتفع من 1.2 بالمائة إلى 10 بالمائة.
وأكد وزير التربية، حاتم بن سالم في هذا الصدد
"أن 280 تلميذا ينقطعون يوميا عن الدراسة، مؤكدا أن هذه الظاهرة تمس أساسا الذكور وتكبد الدولة 1135 مليون دينار، أي ما يمثل نسبة 20 بالمائة من ميزانية وزارة التربية، وهو ما يستوجب ضبط استراتيجية وطنية شمولية لمقاومة هذه الظاهرة التي أضحت تنخر المنظومة التعليمية في تونس".
تردي الظروف الاجتماعية من أبرز الأسباب
يقول يوسف أن انقطاعه عن الدراسة مادي بحت، ويضيف في حديثه لـ"سبوتنيك": "من لا يملك المال لا يجب عليه أن يدرس، لا أستطيع أن أذهب بملابس بالية ولا أملك فلسا واحدا من أجل شراء أبسط احتياجاتي اليومية ، أمي لا تملك المال ووالدي لا يهتم بالدراسة، أعتقد أنه لا يعرف أصلا أنني انقطعت عن الدراسة".
تشكل الظروف المادية والاقتصادية للعائلات من أهم أسباب انقطاع الأطفال عن الدراسة حيث يقول الباحث في علم الاجتماع ورئيس المرصد الوطني للشباب محمد الجويلي، إن تردي الظروف الاجتماعية تعد واحدة من أبرز أسباب الانقطاع، لكن الوضع اليوم تغير، فأصبح انقطاع هذا الكم الهائل من التلاميذ عن المدارس، مرتبطا بعدم القدرة على الاندماج في المنظومة التربوية.
غياب الوعي لدى الوالدين
زينة معلمة في إحدى المدارس الريفية في محافظة سيدي بوزيد تؤكد أن الانقطاع عن الدراسة سببه غياب الوعي لدى الوالدين بأهمية الدراسة لمستقبل أطفالهم وربطها بالمردود المادي.
وتضيف زينة في تصريحها لـ"سبوتنيك": "هنا في سيدي بوزيد مثلا الانقطاع عن الدراسة أمر عادي بسبب عدم الوعي بأهمية الدراسة، الدراسة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالعمل وتونس تعج بالعاطلين عن العمل الحاصلين على شهادات عليا، إذًا فالدراسة لا تنفع هذا ما يدور في مخيلة الجميع هنا ونسوا أن الدراسة هي أول وسيلة لتحقيق الذات".
جاءت تونس في المرتبة 7 عربيا وفي المرتبة 94 عالميا في مؤشر جودة التعليم. وقد قيم هذا التصنيف دول العالم بدرجات ما بين 1 و7 وذلك على أساس 12 معيارا أساسيا هي: البنية التحتية – المؤسسات – بيئة الاقتصاد الكلي – التعليم الأساسي والصحة – التدريب والتعليم الجامعي – الجودة الخاصة بالسلع والأسواق- كفاءة سوق العمل – سوق المال وتطويره – التكنولوجيا – الابتكار – حجم السوق – تطور الأعمال.
يأتي تصنيف 2019 بعد سلسلة من التراجعات التي شهدتها تونس منذ سنة 2011 بسبب الظروف الاقتصادية والأمنية والسياسية التي عصفت بالبلاد عقب الثورة وهو ما جعلها تتراجع إلى المرتبة السابعة بعد أن كانت رائدة لسنوات طويلة في جودة التعليم وتصنيف الجامعات حيث غابت مرة أخرى عن التصنيف الجديد للمؤسسة البريطانية العالمية المختصة (S (Q لسنة 2018 والذي ضم أفضل 1000 جامعة في العالم.
مشاكل أخرى تعانيها منظومة التعليم في تونس
إلى جانب المشاكل التي تعانيها المدارس التونسية والتي نتج عنها الأعداد الضخمة للمنقطعين عن الدراسة، تعاني الجامعات التونسية مشاكل عديدة.
إقبال إحدى الطالبات بالمرحلة الثالثة بالجامعة تقول إن جودة التعليم العمومي في تونس تتراجع يوما بعد يوم وقد عايشت ذلك خلال السنوات الأربع التي قضيتها في الدراسة الجامعية، تضيف إقبال في تصريحها لـ"سبوتنيك": "اكتظاظ كبير في الأقسام، تراجع كبير لعدد المدرسين، لم يعد هناك اهتمام بالعلم ولا بالتعليم حتى أن مشاريع التخرج أصبحت شيئا تافها، يمكنك الحصول على معدل مرتفع بمجرد نسخك لمشروع قديم" .
تبلغ ميزانية وزارة التعليم العالي حوالي 58 مليون دولار يذهب أكثر من 90 بالمائة منها لخلاص الأجور، كما تبلغ ميزانية وزارة التربية حوالي 1.8 مليار دولار يذهب أيضا أكثر من 90 بالمائة منها لخلاص الأجور وهو ما ينسف أي إمكانية لإحداث تنمية بقطاع التعليم أو تطبيق إستراتيجية إصلاح .
مشاكل كثيرة تعيشها تونس منها السياسية ومنها الاقتصادية ولكن أخطرها تلك التي تعصف بمنظومة التعليم العمومي وهو ما يعطي فرصة لقطاع التعليم الخاص الذي أضحى يحظى بمكانة مهمة في السنوات الأخيرة، حيث وصل فيه عدد الجامعات إلى 71 جامعة صارت تستقطب حتى الطبقات المتوسطة من المجتمع التونسي.