أثار قرار الحكومة السودانية بإغلاق ساحة القيادة العامة والشوارع المؤدية إليها الكثير من التساؤلات حول أهداف الإغلاق، حيث ذهب البعض إلى أن انقلابا عسكريا كان على وشك الحدوث مع انشغال الحكومة في مواجهة كورونا المستجد، فيما ذهب آخرون إلى أن القرار قطع الطريق أمام أنصار البشير ومنعهم من تنظيم اعتصام على غرار ما قام به الثوار لإحداث فوضى وبلبلة ربما تدفع بالسلطة مجددا إلى أحضان الجيش... فما هي أسباب تلك الإجراءات؟
شائعات
قال خضر عطا المنان، المحلل السياسي، عضو قوى الحرية والتغيير السودانية، إن الإجراءات التي تقوم بها الحكومة الانتقالية من غلق بعض المناطق العسكرية مثل الشوارع المؤدية للقيادة العامة للقوات المسلحة ليست ناتجة عن مخاوف من تدبير إنقلاب أو غير لك، هذه الشائعات يطلقها ويروج لها فلول النظام السابق.
وقال عضو قوى الحرية والتغيير لـ"سبوتنيك"، لا توجد أي دلائل ولا معلومات تشير إلى أن سبب غلق منطقة القيادة العامة كان بناء على معلومات، ونفت قيادات كبرى في الجيش ها الأمر نفيا قاطعا، وأن عملية الغلق جاءت ردا على سعي بعض مناصري النظام القديم لإحداث نوع من البلبلة في تلك المناطق لتشويه صورة السلطة القائمة حاليا وهى سلطة الأمر الواقع وهى سلطة ثورية وشرعية.
وتابع المنان، إذا سلمنا جدلا بفرضية التخطيط للانقلاب، على من سيكون الانقلاب، وأي ضابط يفكر في الانقلاب على السلطة الحالية سيكون نوع من الغباء"مع عدم رضائي عن السلطة وما تقوم به"، إلا أن تلك السلطة تظل نتاج ثورة كبرى اجتاحت كل مدن السودان واقتلعت حكم البشير، وهذا هو السر في إغلاق المنطقة حتى لا يستغل أعداء الثورة ذلك لإحداث فوضى في المنطقة.
وأشار المنان إلى أن نظام الفساد يطل برأسه ما بين فترة وأخرى ليقول نحن ما زلنا على قيد الحياة، لكن الحقيقة أن معظمهم الآن في السجون، هم كانوا يخططون لتكرار نفس تجربة الثوار في الاعتصام والتي اسقطت البشير وتلك التجربة لن تتكرر أبدا.
إرهاصات انقلاب
من جانبه قال الدكتور لؤي عثمان، عضو تنسيقية الثورة السودانية، كانت هناك إرهاصات انقلاب خلال الفترة الماضية خططت له قوى الثورة المضادة وأنصارهم داخل القوات المسلحة، لكن تلك المخططات لم تجد الغطاء والسند الشعبي لها وربما هذا ما أخر ساعة الصفر.
وأضاف لؤي لـ"سبوتنيك"، "فلول النظام المباد ما زال لديهم أنصار في قيادة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والشرطية، لكن في الحقيقة أن أي مخطط للقيام بانقلاب في تلك المرحلة، لن يكون له مصير سوى الفشل.
رسائل للشعب
وأكد عضو تنسيقية الثورة، أن "السودان يشهد مرحلة جديدة بعد محاولة اغتيال رئيس الحكومة عبد الله حمدوك، والتي أراد أنصار البشير استغلالها لترويع الشارع ومحاولة إيصال رسائل للشعب بأن الأوضاع باتت سيئة وغير مستقرة وقد تقود إلى المزيد من التفجيرات"، وبالتالي فإن "تسليم السلطة للعسكر هي الحل "وفق رؤيتهم".
مشيرا إلى أنهم يريدون القول أن العسكر هم الأقدر على تأمين البلاد وتجنب الخلافات، يريدون خلق اضطرابات أمنية وبلبلة لدى الشعب لكي يتدخل العسكر مجددا، على الرغم من أن العسكر يدينون بالولاء للبشير حتى الآن، وهم اللجنة الأمنية للبشير" بحسب قوله.
خلخلة الأمن
وقال عثمان ميرغني، الكاتب والمحلل السياسي السوداني، في تصريحات سابقة لـ"سبوتنيك"، "من الوارد أن تكون هناك محاولات قادمة في السودان لزعزعة الاستقرار بعد محاولة اغتيال رئيس الحكومة عبد الله حمدوك، لأن الرسائل التي ترسل بها الجهات عن طريق تفجير إرهابي صغير ومحدود الخسائر يعني أن تلك الجهة قادرة على تنفيذ عمليات أخرى وبصورة أكبر كرد فعل حال عدم استجابة الحكومة لرغبات تلك الجهات، فتتجه إلى المزيد من خلخلة الأمن عن طريق عمليات تستهدف المسؤولين.
وأشار ميرغني إلى أن طبيعة التكوين الأمني الداخلي يجعل من السهولة استهداف أي شخص، لأن الاحتياطات الأمنية غير صارمة، حيث يتحرك المسؤولين في جسور من الأريحية دون أن يكون هناك إجراءات حراسة صارمة".
إعادة الماضي
وقال بكري عبد العزيز، المستشار الإعلامي لحركة "العدل والمساواة" الجديدة لـ"سبوتنيك": "هناك معلومات وأخبار وصلتنا منذ قرابة الشهر أن أنصار النظام السابق كانوا يعدون لمجموعة من العمليات التفجيرية ضد مسؤولين حكوميين ومنشآت، كما توعدت صفحاتهم عبر مواقع التواصل بأنهم سيحولون السودان إلى جحيم، وجاءت بعدها عملية تفجير موكب رئيس الحكومة عبد الله حمدوك، بعد الاجتماع الذي عقده البشير مع بعض أنصاره داخل سجن كوبر بالخرطوم".
وأضاف بكري "تلك العملية كانت بداية وتحمل نوع من التهديد بعمليات أكبر من جانب حركة البشير وحزبه، وهم يحاولون الآن استغلال التراخي الأمني وأحداث فرقعة وبلبلة في الشارع السوداني، ربما تعم الفوضى ويعود الجيش للسيطرة على الحكم، هم يريدن إعادة الماضي بنفس الخطوات القديمة ولم يدركوا أن العالم اليوم تغير عن الثمانينيات، ولم يعد هناك قبول للانقلابات العسكرية".
أعلنت القوات المسلحة السودانية، مساء الخميس الماضي، استمرار إغلاق محيط منطقة القيادة العامة وحتى إشعار آخر.
وبحسب وكالة الأنباء السودانية، قالت القوات المسلحة في بيان، إن «بعض العناصر المناوئة لثورة الشعب استغلت الظروف الطارئة التي تعيشها البلاد وأخذت تروج للاقتراب والاعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة من أجل تحقيق أجندتها».
وأضافت: "إنه وبناء على هذا الموقف تعلن القوات المسلحة أن المنطقة حول القيادة منطقة عسكرية وممنوع الاقتراب منها وسوف تتخذ القيادة كافة الإجراءات الاحترازية والتدابير اللازمة بما فيها قفل الطرق المؤدية إلى القيادة العامة للقوات المسلحة وما حولها إعتبارا من الجمعة 17 أبريل 2020 إلى حين إشعار آخر".
وأهابت القوات المسلحة بكل جماهير الشعب السوداني الابتعاد عن هذه المنطقة المغلقة حفاظا على الأمن والاستقرار.
ومنذ 21 أغسطس/ آب الماضي، يشهد السودان، فترة انتقالية تستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم السلطة خلالها كل من المجلس العسكري، وقوى "إعلان الحرية والتغيير"، قائدة الحراك الشعبي.