وأشار الاتفاق إلى أن اجتماعات ستجري في بلدة الناقورة الحدودية، تحت راية الأمم المتحدة وبرعاية فريق المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، وسيكون الجيش ممثلا عن الجانب اللبناني، فيما ستسعى الولايات المتحدة إلى بذل جهودها لتوفير جو إيجابي وبناء لإدارة المفاوضات واختتامها بأسرع وقت ممكن.
وفي ظل انقسام المواقف في لبنان حول مختلف القضايا بين القوى السياسية، وعدم القدرة على تشكيل حكومة في ظل عدم الاتفاق على اسم رئيس الحكومة، استطلعت وكالة "سبوتنيك" رأي عضو المكتب السياسي لتيار المستقبل نزيه خياط، والذي يقول: أولا بالنسبة لموضوع وضع الإطار لبدء المفاوضات، هي مسألة طبيعية لحل مشكلة ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، فهذه خطوة بدأت منذ عام 2010 ولكن لاعتبارات لها علاقة بحسابات داخلية وخاصة بالمكلفين بالتفاوض لم تصل إلى خواتيمها.
ويتابع: باعتقادي كان الأجدر بأن نصل إلى نتائج عندما كان الوضع الداخلي للبنان وعناصر القوة التي كانت تميز لبنان حينها أفضل من الوضع الراهن الذي يعيشه لبنان، وبالتالي أصبحت هذه المسألة بحكم الضرورة وليست بحكم آليات الحق اللبناني لترسيم حدوده، من أجل استثمار موارده الطبيعية وحل مشكلة الحدود البرية.
ويرى خياط بأنه بمطلق الأحوال لا يمكن حل هذا النوع من النزاعات إلا من خلال المفاوضات غير المباشرة بالنسبة للبنان، ويكمل: لأننا في حالة عداء مع إسرائيل، وبالتالي أخشى أن لا تكون هذه المسألة عملية تكتيكية لتمرير مرحلة تحتاج إليها إيران والولايات المتحدة وحزب الله، وخاصة أن لبنان يمر بأزمة اقتصادية حادة، ويأمل بذلك إلى استخراج النفط والغاز في المياه الإقليمية.
بدوره الكاتب والصحفي اللبناني أمين قمورية قال في اتصال مع "سبوتنيك": بشكل أساسي الذي يدير هذه المفاوضات هو رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الزعيم الأبرز في 8 آذار، وبالتالي لو لم يحصل على موافقة كل أصدقاء 8 آذار وتحديدا حزب الله، لما كان أقدم على هكذا خطوة، وهو يعمل عليها منذ زمن، والمفاوضات مستمرة منذ سنوات طويلة.
ويكمل: الإعلان حتى عن اتفاق الإطار جرى الاتفاق عنه قبل سنة ونيف، وكان يبدو أن حاجة الولايات المتحدة لنصر دبلوماسي أو شيء من هذا القبيل هو الذي أجل الإعلان إلى هذه اللحظة بالذات، لذلك أعتقد أن هناك توافق ورأينا ذلك من مواقف القوى اللبنانية من رئاسة الجمهورية والحكومة، وطبعا رئيس مجلس النواب هو الذي كان يدير المفاوضات.
ومن وجهة نظر خارجية يقول الخبير السياسي الروسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط أناتولي الميوريد في حوار مع "سبوتنيك" بأن الوضع هنا صعب للغاية، ويكمل: يجب أن يكون مفهوما أن أكبر قوة في البلاد حزب الله هي العدو الرئيسي لإسرائيل في المنطقة، وإسرائيل تعتبره جماعة إرهابية، لذلك أي مفاوضات حتى فنية بين لبنان وإسرائيل ستلقى رفضا حادا من حزب الله.
ويستدرك: لكن من ناحية أخرى يمكن لبيروت أن تهمل بسهولة مصالح الحركة الشيعية إذا كان هناك فائدة للدولة، والسؤال هنا ما الذي يمكن أن ينتج عن تضارب المصالح هذا بالنسبة للبنان، على أي حال ترسيم الحدود البحرية وتقليص نقاط الصراع مع إسرائيل هو في مصلحة لبنان.
ويواصل: وبالنظر إلى أنه تم العثور على الغاز في هذه المنطقة، فإن المستثمرين والمنتجين هم الأقل رغبة في العمل في مناطق الصراع المحتملة، وسيكون تقسيم هذه المنطقة خير للجميع، نظرا للوضع الاقتصادي الصعب في لبنان، وبالتالي سيتعين على حزب الله الموافقة وعدم التدخل في إبرام مثل هذا الاتفاق.
وحول مدى تأثير هذه المفاوضات على الوضع السياسي، في ظل التعقيد الحاصل وعدم القدرة على تشكيل حكومة في البلد الذي يعيش أزمة اقتصادية خانقة، يقول نزيه خياط: من وجهة نظري السياسية إعلان هذه الخطوة هو الهروب من المأزق الداخلي السياسي في جانب منه، ولكن بالنهاية الهروب إلى الأمام والذي تعتمده القوى في السلطة اللبنانية لن يؤدي إلى حل المشكلة، وحل المشكلة الداخلية ينعكس إيجابا على ميزان القوى في المفاوضات وليس العكس.
ويضيف: بتقديري هناك عملية تبادلية إيجابية في حال كانت هناك حلول للوضع السياسي الداخلي اللبناني الذي يحتاج إلى إصلاح، وعلى افتراض أن المفاوضات بعد سنة أدت إلى بداية تحديد آليات لتسوية ما، والوضع الداخلي على أزمته ولم يحل، بالتالي يمكن أن يؤثر على نتائج المفاوضات، فهي عملية كلية ولا يمكن أن تكون جزئية.
ويتابع: مع الأسف الممسكين بالسلطة اليوم دوما يعمدون إلى الهروب إلى الأمام، كي لا يواجهوا الاستحقاقات البنيوية الحقيقية لإنقاذ الوضع القائم، وأنا لست متفائلا جدا بالوصول إلى نتائج، لأن هذه المفاوضات تكمن الشياطين في تفاصيلها، وأكرر هو إعلان الضرورة لأن الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران بحاجة إلى استقطاع للوقت وتخفيف منسوب التوتر بينهم.
أما الصحفي أمين قمورية فيرى بأنه هذا الأمر هو فقط بداية للمفاوضات: ويضيف: فإذا اتفاق الإطار استغرق كل هذه السنوات الطويلة، فكيف ذلك بالاتفاق نفسه، فالمسألة شديدة التعقيد فيما يتعلق بالنزاع بين إسرائيل ولبنان على مساحة جغرافية تتجاوز مساحتها 860 كم مربع، وفيها كمية كبيرة من الغاز والنفط.
ويكمل: بالتالي نحن لا نعرف كيف يمكن أن تسير المفاوضات، نعرف كيف البداية فقط لكن لا نعرف كيف ستكون الأمور، وفي حال كان هناك اتفاق يضمن للبنان حقوقه في مياهه وأرضه وفي حدوده، أعتقد أنه لن يكون هناك مشكلة في السياسة الداخلية.
ويواصل قمورية: حتى الآن لا أعتقد أن أي فريق سياسي يمكن أن يقف ضد هذه المسألة، والبعض يقول أن حزب الله ربما لغاية ما قد يحاول عرقلة هذا الاتفاق إذا سار باتجاه مغاير لمصلحته، لكن أعتقد أن الرئيس نبيه بري لم يكن ليوافق على هكذا اتفاق لو لم يضمن موافقة حزب الله عليه.
ويستطرد: أما فيما يتعلق بفريق "14 آذار" فأعتقد بأنه كان مطلب أساسي لديه منذ فترة طويلة، بأن يكون هناك ترسيم للحدود، وكانوا يحاولون نقل الملف من رئاسة مجلس النواب إلى رئاسة الحكومة، واليوم الملف انتقل بالفعل إلى رئاسة الجمهورية والسلطة التنفيذية.
وحول سبب اختيار الجيش ليكون الممثل في هذه المفاوضات يشكر نزيه خياط على أن هناك مؤسسة وحيدة ما زالت تجمع الأطراف السياسية، خاصة على المستوى الشعبي والوطني، وهو الجيش والقوى الأمنية المختلفة، لكونها الطرف الوحيد الذي يشير إلى وجود الدولة اللبنانية، أما بقية المؤسسات والوزارات فهي حالة انهيار وتحلل كامل.
ويتابع: حتى منذ اتفاقات الهدنة والمفاوضات التي كانت تجري كان الجيش هو الذي يقود عمليات التفاوض التي كانت تجري تحت إشراف قوات الطوارئ الدولية، عندما يحدث خلل أو توتر ما بين إسرائيل ولبنان، وتاريخيا منذ عام 1948 كان الجيش هو الذي يمثل الدولة والسلطة اللبنانية في عملية التفاوض المشترك.
ويكمل: نرى التناقض بتصريح الأمين العام لحزب الله في خطابه منذ يومين أشار أن رؤساء الحكومة السابقين يحاولون مصادرة دور رئاسة الجمهورية، ولكن المراقبون يتساءلون أليس الأجدر بأن مؤسسات السلطة التنفيذية هي التي تدير الاتصالات والمفاوضات مع الولايات المتحدة منذ عام 2010، بل نفاجئ بأن رأس السلطة التشريعية نبيه بري هو الذي خاض عملية التفاوض علما أنها ليست من صلاحية السلطة التشريعية.
وكذلك يرى أمين قمورية، ويوضح: الجيش موكل بهذه المهمة منذ البداية، وضباط الجيش وخبراء الجغرافية في الجيش هم الأدرى بهذا الأمر بالأحرى، بسبب النواحي الفنية والتقنية لا أكثر ولا أقل، وبطبيعة الحال هناك ثقة مطلقة بالجيش من قبل الجميع.
ويضيف: فالجيش هو الجهة الوحيدة التي لا إشكال عليها في لبنان، ولو كان الأمر بيد مؤسسة أخرى لكان أحدث نوع من الانقسامات والتجاذبات بين الأحزاب السياسية، لكن هناك إجماع على دور الجيش، ولأنه يملك المقدرة الفنية والجهة التي بدأت التفاوض على الحدود.
على الرغم من اعتبار الولايات المتحدة وإسرائيل حزب الله جماعة إرهابية، وهو من أبرز القوى السياسية في لبنان، إلا أن الطرفين قبلا بالتفاوض مع لبنان حول ترسيم الحدود وبوساطة أمريكية، فعن هذا الدور سألت "سبوتنيك" الخبراء وعن مدى استخدامها للعقوبات كورقة ضغط في هذه المفاوضات.
ويجيب عن ذلك عضو المكتب السياسي لتيار المستقبل: لذلك أقول بأنه كان الأجدى بالمفاوض اللبناني ولا أقول الدولة اللبنانية، لأنه بحكم الأمر الواقع خاض المفاوضات الرئيس بري، بالتالي حتى الاختلافات التي كانت مرفوضة سابقا وهنا أعني الولايات المتحدة أصبحت مقبولة، قبلت لأن هناك ضغوط تعرض لها حزب الله والثنائي الشيعي، وبدأت العقوبات تطال أقرب السياسيين النافذين للرئيس بري وحزب الله.
ويتابع هناك تلميحات كانت جدية باتخاذ إجراءات من سياسيين مقربين من رئاسة الجمهورية، فهذا دفع إلى عملية تليين المواقف، لأن ما تم الاتفاق عليه هو تسوية بواسطة المفاوض الأمريكي منذ أشهر عديدة، ولماذا لم تعلن منذ ذلك الوقت، وهنا كل شخص يريد استثمار العملية لحساباته الخاصة، وليس من أجل حسابات وطنية.
أما الكاتب أمين قمورية فيرى بأنه ربما قد تكون الولايات المتحدة قد استخدمت هذه الورقة، ولكن العقوبات جاءت بعد بداية المفاوضات، والاتفاق لم يكن نتيجة الضغوطات، وحتى الاتفاق كان سابقا على العقوبات التي فرضت على مساعد الرئيس بري علي حسن خليل.
ويتابع: بالنسبة للولايات المتحدة حسب ما علمنا بأنها جاءت بفريق إعلامي كبير لتغطية مفاوضات الناقورة، وبالتالي هي تعول على مثل هذه اتفاقات للقول أنها نجحت، وطبعا بالنسبة للاختلاف مع الفرقاء السياسيين حتى الآن الأمور تجري على ما يرام، ولكن لا أحد يعرف ماذا يحصل في منطقة شديدة الحساسية.
وعن الوساطة الأمريكية يقول الخبير الروسي أناتولي الميوريد: نظرا لأن حقول الغاز هي الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة للولايات المتحدة، فقد أصبحوا المبادرين لإجراء المفاوضات، وبالطبع كان هناك مفاوضات واتفاقات غير معلنة أو شبه رسمية، وإلا لبنان لم يكن ليجلس بهذه السرعة على طاولة المفاوضات، ومن المفيد هنا أيضا فهم أن ترسيم الحدود هو قضية قانونية وليست سياسية.
وحول الأطراف الدولية الأخرى الفاعلة في لبنان وموقفها من هذه المفاوضات يقول خياط: لو لم تكن إيران موافقة وأعطت ضوء أخضر للثنائي أمل وحزب الله، لما توصلا إلى هكذا قرار، واليوم هناك اشتباك متعدد الأوجه، وبنظرة على الخارطة الجيوسياسية نلاحظ أن التركي دخل على الخط لأنه يرى في مرحلة ما لا بد من الوصول إلى مفاوضات لإنضاج الحل الشامل على مستوى لبنان والمشرق العربي المتفجر.
ويكمل: الفرنسي بطبيعة الحال كان عراب وأب لإطلاق لبنان الكبير، فكان من الطبيعي أن يكون على تماس مع القضايا اللبنانية، وهو الدولة الوحيدة الفرنكوفونية في المشرق العربي أو العالم الإسلامي في الجانب الآسيوي، وهو يحاول تمييز موقفه عن الولايات المتحدة وخاصة في عهد ترامب.
ويواصل كلامه: روسيا تحاول دوما أن تكون نقطة التوازن بين الأطراف للحد من هذه الهجمة والجشع الإسرائيلي والأمريكي في الهيمنة على القرار في المنطقة، بالتالي هذا الصراع جيو سياسي، لأننا انتقلنا من مرحلة الصراعات المحلية والتناقضات، إلى مرحلة بأن قصور وعدم تمكن اللاعبين المحليين من حل مشكلتهم الداخلية أدى إلى توريط لبنان.
ويضيف: لكن لا يمكن في أي عملية تفاوض وإنضاج لحل المشاكل في لبنان وسوريا والعراق، استبعاد للعامل العربي المغيب دوره العلني والسياسي اليوم، ولا يمكن أبدا تغييبه عند إنضاج الحل النهائي، لأنه نقطة الثقل الجيوسياسية في المنطقة، وجميع هذه المحاولات لن تنجح إن لم يكن هناك دور عربي.
وبدوره يرى الأمر ذاته تقريبا قمورية، ويقول: إذا كانت الحلول بالاتجاه الإيجابي الذي يضمن للبنان مصلحته لا أعتقد أن إيران أو بعض الأصدقاء الدوليين لديهم مشكلة في هذا الموضوع، لكن إذا انحرفت عن هذه المهمة وصارت وسيلة للضغط على اللبنانيين ولتقديم تنازلات، أعتقد أن هناك مشكلة لبنانية لبنانية ستكون سباقة على ذلك.
ويكمل: باعتقادي اليوم البعض يخشى من عملية تطبيع علاقات مع إسرائيل، ولكن الكل يعرف أن آخر دولة ستطبع علاقاتها مع إسرائيل هي لبنان، وأعتقد أن موضوع التطبيع مؤجل لفترة طويلة، وغير المفاوضات لن يكون لأن المشكلة دقيقة وحساسة، وفي النهاية المشكلة هي بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وباعتقادي ستبرز ملامح هذه المشكلة بعد الانتخابات الأمريكية الشهر المقبل.
وعن ذلك يقول الخبير المختص بشؤون الشرق الأوسط الميوريد أن إيران سترد بشكل سلبي على أي خطوات تجاه إسرائيل بأي شكل من الأشكال، ويكمل: من الواضح أن فرنسا لن تمانع، لكن المشكلة الرئيسية هي تركيا هنا، فهي التي تغذي الأزمة في البحر المتوسط حاليا، وترغب بتوسيع نفوذها الاقتصادي، والاتفاقات بين لبنان وإسرائيل لن تفيد أنقرة على الإطلاق.
ويختم حديثه: مع ذلك إذا نجحت المفاوضات فسوف يرى العديد من الأطراف الإقليميين بأنه الخطوة الأولى من قبل لبنان وإسرائيل نحو التوافق، لكن ذلك قد يكون له عواقب مختلفة قليلا.