فهل يستطيع الكاظمي تنفيذ هذا الاتفاق في ظل الظروف الراهنة داخليا وخارجيا وسط اعتراضات من قوى وأحزاب سياسية؟
يرى مراقبون أن هناك صعوبات وعقبات كبرى قد تواجه حكومة الكاظمي داخليا على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني، حيث وصف البعض تلك الخطوة في حين قال آخرون إنها قد تسقط تلك الحكومة قبل موعد الانتخابات، كما دعا البعض الشارع العراقي للانتفاض ضدها، الأمر الذي قد يجعل من هذا الاتفاق ربما حبرا على ورق.
الملفات الشائكة
قال المحلل السياسي الكردستاني طارق جوهر، إن اتفاقية "سنجار" بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان هى خطوة مهمة في اتجاه اتفاق أشمل يضم كل المناطق المتنازع عليها، لأن منطقة سنجار هى أحد الملفات الشائكة مثل قضية كركوك وخانقين ومخمور، وهى المناطق التي تعرضت للتغيير الديموغرافي من الأنظمة العراقية السابقة إلى الآن ولم تحل.
وأضاف لـ"سبوتنيك"، أن التوصل إلى اتفاق بين الجانبين هو خطوة جيدة، وربما المراقبين يطمحون إلى أكثر من هذا الاتفاق لأن هناك مناطق مثل كركوك تتعرض إلى موجة جديدة من التغيير من قبل المحافظ المعين، هذه المحافظة تعرضت إلى ظلم كبير وتغيير ديمغرافي وأصبحت واجهة لسياسة التعذيب من جانب الأنظمة العراقية وبخاصة "الكورد"، والذي تمثل في تهجيرهم وإحلال العرب الوافدين من جنوب ووسط العراق محلهم.
تصحيح المسار
وتابع المحلل الكردي، أن هذا الاتفاق ربما يعطي انطباع بأن حكومة الكاظمي جادة في حل بعض الملفات مع إقليم كردستان، ولا ننسى الموضوع الأمني وما تعرضت له سنجار من إبادة جماعية من قبل تنظيم "داعش" الإرهابي، حيث لا تستطيع أي من الحكومتين منفردة سواء في بغداد أو إربيل إدارة الملف الأمني وإعادة الإعمار، فالأمر يحتاج إلى تنسيق وتعاون حتى يتم تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي والخاصة بالمناطق المتنازع عليها بين الجانبين، ونأمل في أن يتم تطبيق المادة 140 وتشكيل اللجان التي تعمل عليها في تلك المناطق، لأنه بدون حل وحسم موضوع المناطق المتنازع عليها، معتقدا أنه لن يكون هناك استقرار أمني وسياسي واقتصادي في هذه المناطق.
وتابع جوهر "ولكن تلك الحكومة المؤقتة لا يعني أنها لا تستطيع الإتيان بحلول لبعض الملفات الشائكة، ولا أنتظر من حكومة الكاظمي حل كل الملفات العالقة مع اقليم كردستان خلال الفترة المتبقية قبل الانتخابات القادمة، لكن الكثير من الملفات الشائكة ستبقى عالقة إلى أن تأتي الحكومة الجديدة، وربما الحكومة القادمة لن تقوم بخطوة جريئة لحل كل الملفات مع الإقليم، لأن بعض تلك الملفات سياسية وبعضها دستورية وأخرى تتعلق بحقوق الإقليم، تلك الحقوق التي تعارضها بعض الكتل السياسية حتى لا يتمتع الإقليم بتلك المكتسبات الدستورية".
دور عربي مفقود
من جانبه، قال أمين عام اتحاد القبائل العربية بالعراق، ثائر البياتي، إن اتفاق سنجار مع أنه خطوه جيده لكن ينقصه أمور مهمة، مثل الدور العربي المفقود بالاتفاق، والجميع يعلم أن العرب السنة والعشائر المنتشرة في المنطقة تشكل قدر كبير، بالأخص عشائر شمر، علاوة على سيطرة المليشيات الولائية ومنظمة الباكاكا الإرهابية والتنسيق الكبير فيما بينهم، قد يصعب هذا كثيرا في عملية تطبيق الاتفاق على الأرض بشكل كامل، كون المصالح متداخلة والأهداف مشتركة في بعض نقاطها.
وأضاف لـ"سبوتنيك"، لو كانت هناك إرادة حقيقية من الدولة والحكومة بشكل خاص، ليتم إنهاء تواجد المليشيات والباكاكا منذ زمن وإعادة المنطقة إلى أهلها، وهناك ما هو مهم أكثر، وهو خط النقل الأمن للمليشيات والحرس الثوري مع سوريا من منطقة سنجار، بعد أن أصبح خط الأنبار القائم خطر بسبب الاستهداف المستمر من جانب المليشيات الولائية.
الإرادة الحقيقية
وأوضح أمين اتحاد القبائل، أنه "لا نعتقد أن للكاظمي القدرة على تنفيذ وعوده الكبيرة، وأن مرحلة التمثيل والبطولات الإعلامية على الجميع فشلت، والغطاء الشرعي للحكومة من جانب الأحزاب والمليشيات الولائية له قد فقدت ثقتها به، علاوة على فقدان ثقة الشعب"، مشيرا إلى أن الكاظمي لا يصلح للمرحلة المتبقية من حكمه، بل سيزيد الطين بله بسبب سوء إدارته للأمور وبطانته ومستشاريه الممثلين الفاسدين الفاشلين ستطيح به قبل أوانه، بعد أن تنصل من كل خطواته ووعوده السابقة، وتم تغطيتها بأحداث جديدة ستقود إلى الفوضى الكبرى.
تفريط في السيادة
وفي نفس السياق، أدان الحزب الطليعي الاشتراكي الناصري بالعراق تلك الاتفاقية ووصفها بـ"المذلة" وأنها فرطت في سيادة العراق وسلطت المليشيات من جديد لارتكاب كل أنواع الجرائم الدولية.
وقال الحزب العراقي في بيان تلقت "سبوتنيك" نسخة منه، اليوم السبت، إن "الحكومة العراقية ارتكبت خطأ إستراتيجي بقبول إتفاقية سنجار المذلة، التي فرطت من خلالها بسيادة العراق واستقلاله وهيبة دولته، والحق الوطني الحصري للجيش العراقي بالانتشار وبسط السلطة والسيطرة على كامل الأرض العراقية من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، وقبلت أن تكون شريكة مع الميليشيات في تسليط الهيمنة والقمع على المواطنين في هذه المناطق، التي عانت الويلات منذ 2003 وحتى قرار السيد العبادي بتحرير هذه المناطق ونشر الجيش العراقي في كركوك وسنجار وباقي المناطق التي تمّ التجاوز عليها خلال مرحلتي الاحتلال الأمريكي وداعش الإرهابي".
جرائم الميليشيات
وأضاف البيان "أن ميليشيات سنجار اتهمت بإرتكاب كل أنواع الجرائم الدولية ضد العرب في سنجار ومحيطها التي لا تختلف عن جرائم داعش الإرهابية، من التطهير العرقي والإبادة والإرهاب والإغتصاب والخطف والقتل على الهوية، حيث بقيت هذه الجرائم مسكوت عنها داخليا وخارجيا، لحساب تسليط الضوء على الجرائم المدانة وطنيا ودوليا وإنسانيا، التي إرتكبها داعش الإرهابي ضد المواطنين العراقيين اليزيديين العاديين، والتي لم تصل هذه الجرائم إلى أكثر من 1% مما ارتكبه هذا التشكيل العصابي الإرهابي المتوحش ضد العرب والعراقيين عموما في محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك والأنبار وديالى وعموم العراق".
وطالب الحزب "الحكومة العراقية بالتراجع عن هذا الموقف الذي سيذكره التاريخ بأنها من أكثر الحكومات المتعاقبة تفريطا بسيادة العراق واستقلاله ووحدة أراضيه، وقبولها الاشتراك المباشر في إرتكاب الجرائم الدولية ضد العرب والعراقيين عموما، ما سيحملها المسؤولية الجنائية الدولية عن إرتكاب هذه الجرائم، وبالتالي معاقبة من له صلة مباشرة بهذه الإتفاقية والجرائم الدولية التي ستتمخض عنها بأقرب مما تتصوره هذه الحكومة، التي لم تحسن اختيار أعضائها ومستشاريها والناطقين باسمها، مع ضرورة تغيير ممثلية الأمم المتحدة، التي لم تفشل في أداء مهامها بموجب القانون الدولي وحسب، ولكنها كانت شريكة مباشرة في كل مشاريع التفتيت والفوضى التي شهدها ويشهدها العراق".
ودعا البيان "القوى الوطنية، خصوصا شباب ثورة تشرين، إلى إتخاذ موقف وطني سلمي وحاسم من هذه الإتفاقية ووضع حد لها وفضح كل من كان له دورا مفرطا في فرض اتفاقية الإذعان هذه، والدعوة والعمل من أجل تقديمه إلى المحاكمة العادلة، حفاظا على وحدة وهيبة العراق الوطنية أرضا وشعبا وسيادة ومصيرا، وقطع الطريق على أي منحى مماثل للعبث بكيان العراق ووحدته وسيادته ومستقبله".
الاتفاق التاريخي
وأعلن المتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي، أحمد ملا طلال، أمس الجمعة، أن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي أبرم اتفاقا "تاريخيا" مع إقليم كردستان حول سنجار.
وقال طلال في تغريدة عبر "تويتر": "رئيس مجلس الوزراء رعى اليوم اتفاقا تاريخيا يعزز الحكومة الاتحادية في سنجار وفق الدستور على المستويين الإداري والأمني، وينهي سطوة الجماعات الدخيلة، ويمهد لإعادة إعمار المدينة وعودة أهاليها المنكوبين بالكامل، وبالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان".
وفي وقت سابق من اليوم وصل وفد إقليم كردستان برئاسة وزير الداخلية ريبر أحمد، إلى بغداد لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق سنجار. واستهل الوفد أول اجتماعاته مع مستشار الأمن الوطني العراقي قاسم الأعرجي، بحضور محافظ نينوى نجم الجبوري وعدد من المسؤولين الأمنيين.
ويتضمن الاتفاق التطبيع في سنجار وإعادة النازحين إليها وضبط إدارتها، والعمل على إخراج القوات غير الشرعية منها.