فعلى الرغم من أن تونس عادة ما يشاد بها على صعيد المكاسب التي تمنحها للمرأة خاصة في علاقة بتعدد التشريعات التي تحمي حقوق النساء في مجالات متعددة، إلا أن العديد من الحقوقيين والسياسيين يجمعون على وجود هنات تقف عائقا أمام تحرر المرأة وتقدمها، خاصة في علاقة بحماية حقوق النساء الريفيات اللاتي تعملن في مجال الفلاحة، وأيضا ضعف حضور المرأة في مراكز صناعة القرار.
قوانين دون آليات للتنفيذ
وفي هذا الصدد، ترى المكلفة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية صلب الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نجوى بكار في حديثها لـ "سبوتنيك"، أن تونس حققت تقدما مهما على مستوى ضمان حقوق المرأة مقارنة بالتسعينيات أو حتى بالسنوات القريبة من الثورة.
وذكرت، أن "تونس حبلى بالتشريعات الضامنة لحقوق المرأة ولمكاسبها على غرار إلغاء تعدد الزوجات في تونس، وتموقع النساء في مجالات مهمة كالقضاء ومختلف المجالات العامة سواء السياسية أو النقابية أو الجمعياتية".
وبينت أن هذه المكاسب عززت بعد الثورة بدستور 2014، وبتشريعات أهمها القانون المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر والقانون الخاص بمناهضة العنف ضد المرأة.
ونبهت بكار إلى أن "هذه القوانين تبقى مبتورة، نظرا لافتقار بعضها إلى آليات تضمن تنفيذها على أرض الواقع، داعية إلى سن تشريعات جديدة تحمي العاملات في القطاع الفلاحي والمنزلي اللاتي يفتقرن إلى التغطية الاجتماعية والنقل الآمن.
وانتقدت بكار، "تخلف تونس عن الإمضاء على بعض الاتفاقيات الدولية، على غرار اتفاقية 189 و109 التي تهم القضاء على العنف والتحرش في مجال العمل".
وعن حضور المرأة في الحياة السياسية، قالت بكار
"رغم إقرار التناصف العمودي بعد الثورة الذي أنتج صعود تمثيلية المرأة إلى معدل الثلث في المجلس الوطني التأسيسي، ثم إقرار التناصف الأفقي في مجلة الانتخابات المحلية الذي أنتج ما يزيد عن النسبة الأولى، إلا أن الإشكال الحقيقي المطروح يبقى في أن النساء اللاتي يصلن إلى مراكز القرار لا يدافعن عن مصالح المرأة، إذ عادة ما يخدمن مصالح الأحزاب السياسية التي ينتمين إليها".
فجوة بين التشريعات والواقع
من جانبها، قالت النائب في البرلمان والباحثة حياة عمري لـ "سبوتنيك"، إن تونس تعتبر متقدمة جدا على مستوى التشريعات الضامنة لحقوق المرأة ولمكانتها مقارنة بمحيطها العربي والأفريقي.
وأضافت، أن المرأة التونسية كسرت الصورة النمطية التي كانت تروج لها الدولة قبل الثورة والتي استندت في المجمل على قاعدة المتاجرة والمغالطة، مشيدة بالتشريعات التي أنتجتها ثورة 14 يناير، على غرار إدراج المساواة التامة بين الجنسين في الدستور، والسماح للمرأة بالترشح لانتخابات الرئاسة، والاعتراف بالعنف السياسي في سابقة عربية وعالمية، فضلا عن سنها قوانين أساسية تضمن التناصف العمودي والأفقي بين الجنسين في المجالس المنتخبة.
واستدركت العمري، "رغم كل هذه القوانين المهمة إلا أن الفجوة بين التشريعات وبين الواقع آخذة في الاتساع تدريجيا، فعلى مستوى النسب لم يتجاوز حضور المرأة كرئيسة للبلديات نسبة العشرين بالمائة في حين أن القانون نص على التناصف".
وأشارت العمري، إلى تكرر الحوادث المؤلمة التي ذهبت ضحيتها عاملات القطاع الفلاحي بسبب تنقلهم في وسائل غير مؤمنة، منتقدة عدم تفعيل القانون الذي يضمن لهن نقلا آمنا وتغطية اجتماعية لائقة رغم مرور أكثر من سنتين على سنة، وعدم تفعيل الأمر الحكومي المتعلق بتحقيق تكافؤ الفرص بين الجنسين داخل مؤسسات الدولة والوزارات سواء على المستوى المحلي أو المركزي.
هيمنة العقلية الذكورية
وقالت عمري إن "هيمنة العقلية الذكورية أسهمت بشكل كبير في تعميق الهوة بين التشريعات والواقع، مستدلة على ذلك بسلوك بعض الأحزاب السياسية التي تدعي التقدمية وترفع شعار الدفاع عن حقوق المرأة في حملاتها الانتخابية، ثم تلجأ إلى القوائم المستقلة في مخالفة للقانون الأساسي الذي يضمن التناصف بين الجنسين أثناء الترشح للانتخابات".
وأضافت عمري،
"عندما تترشح المرأة التونسية لمركز مهم، فهي تحصل على أضعف النسب" مشيرة إلى المرأة لا تجد مناصرة أو تشجيعا من بنات جنسها".
واستحضرت السياسية والباحثة حصول المترشح الباجي قائد السبسي على دعم مليون امرأة في الانتخابات الرئاسية لسنة 2014، بينما لم تصل المترشحة القاضية كلثوم كنو إلى عتبة الـ 1 بالمائة في نفس السباق الانتخابي.
وتابعت "رغم أن الإناث يمثلن ثلثي رواد الجامعات التونسية، ويتفوقن في العديد من الاختصاصات العلمية بنسب تصل إلى معدل 80 بالمائة مقارنة بالذكور، إلا أن ضعفي العاطلين من العمل هم من صنف الإناث".
وبيّنت أن المرأة التونسية تتبوأ المرتبة الأولى عربيا وأفريقيا والخامسة عالميا في مجال البحث العلمي، ورغم ذلك لا يتم تثمين كفاءتها وطنيا ولا يعطى نجاحها القيمة الكافية.