السنوات العشر التي عصفت بالمنطقة العربية تسببت بكارثة إنسانية لم تنته بانتهاء الأزمات السياسية، حيث ولَّدت تلك الأحداث خللا كبيرا على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية أثرت على جميع الدول العربية، بما فيها تلك الدول التي لم تشهد صراعات.
تصارع سوريا وحيدة، منذ عام 2011، أزمات داخلية وخارجية، لكن فترة الـ10 سنوات كانت كافية لإظهار حقائق جديدة، طرحتها دمشق في بداية أزمتها وحذرت منها، وها نحن نعيشها في منطقتنا العربية من تقسيم ومجاعة وإرهاب دولي وغيرها، حتى أن دمشق طلبت التروي بالتعاطي مع الأزمة الليبية، وكانت أيضا محقة، حيث عاشت ليبيا وما تزال 10 سنوات من الحرب القاسية وكان مواطنوها أول الخاسرين. لكن لماذا تمثل العودة السورية إلى الحاضنة العربية أهمية كبرى في الوقت الحالي؟
مصر وسوريا تاريخ واحد
التصريح الذي أكد فيه وزير الخارجية المصري، سامح شكري، الأربعاء الماضي، أن سوريا يجب أن تعود إلى الحاضنة العربية حاز على اهتمام واسع في الشارع العربي، خصوصا السوري، حيث إن لمصر أهمية خاصة وحساسية شديدة لدى المواطن السوري الذي عاش أجداده تاريخ الوحدة بين البلدين وخاضوا معا حرب أكتوبر/ تشرين، تاريخا لا يمكن نسيانه بهذه البساطة، فذاكرة الشعوب قوية أيضا تجاه قضاياها المشتركة.
دمشق لها دين قديم لدى السعودية والكويت
دمشق كانت وفية للقضايا العربية، وتستحق رد بعض الدين لها، ولا يمكن أن ينكر التاريخ مشاركة الجيش السوري في الحرب العراقية الكويتية، حيث قال الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، موجها حديثه لوزير الدفاع السوري السابق، علي أيوب، تعليقا على انتشار وحدات من الجيش السوري على الحدود السعودية العراقية "يا علي إن مشاركتنا ووقوفنا إلى جانب إخواننا الآن سيذكرهما التاريخ".
وقال وزير الدفاع السابق "تم بعد ذلك التنسيق مع الأشقاء في السعودية وكذلك الكويتيين الموجودين في السعودية للتحضير لاستقبال القوات السورية والانتقال بعد ذلك الى حفر الباطن حيث تم تحريك القوات السورية في 24 اغسطس واستقبال بعد ذلك الفرقة المدرعة والقوات الخاصة والمستشفيات الميدانية".
دمشق "جبهة أولى" بالنسبة لمصر والسعودية أمام تركيا
اعتبر وزير الخارجية المصري أن عودة دمشق ضرورية لـ"الأمن القومي العربي"، لكن خلف التصريح الكثير من المعطيات خصوصا بعد تأكيد شكري رفض بلاده "جميع التدخلات التركية في المنطقة واستمرار تواجد قوات تركية على أرض عربية".
هذا التصريح أتى بعد أيام على تعليق رئيس مجلس الغرف السعودية، عجلان العجلان، الأربعاء الماضي، على ما قال إنها "خريطة افتراضية لنفوذ تركيا" نشرتها إحدى القنوات التركية، والتي تظهر ضم السعودية ومصر والخليج لتركيا بعد 3 عقود.
تلفزيون تركي (تابع للحزب الحاكم) ينشر خريطة الحلم التركي بالسيطرة على المنطقة
واجب على أمانه مجلس التعاون و جامعة الدول العربية إصدار بيانات شديدة اللهجة لأن هذا تعدي على سيادة دولنا و واجب الاعتذار
ملاحظة: تم استثناء اسرائيل و إيران و ضم دول الخليج pic.twitter.com/XAOEi1bmrb— محمد أحمد الملا (@Mohdalmulla67) February 14, 2021
واعتبر العجلان أن الصورة تؤكد "جنون الحكومة التركية وأطماعها وعدوانيتها، التي سنكون لها بالمرصاد بكل ما نملك، ولهذا نحن مستمرون بمقاطعة تركيا، وإلى صفر تعامل مع تركيا".
ونسبت القناة، الخريطة الافتراضية إلى مركز أبحاث "ستراتفور" الأمريكي، وعنونت تقريرها حول النفوذ التركي بـ"خريطة ظل الاستخبارات المركزية الأمريكية عن تركيا في 2050".
ويمكن القول بأن هذه المؤشرات تقلق بشكل كبير الجانبين المصري والسعودي بشكل خاص والخليجي بشكل عام.
يمكن القول بأن دمشق لديها ميزة فريدة يمكن أن تستفيد منها جميع الدول العربية في الوقت الحالي، خصوصا أن هذه الدولة ذات الموقع المفصلي بين ثلاث قارات لم تقيد نفسها إلى اليوم باي معاهدات مع واشنطن أو إسرائيل، فهي ما زالت تستطيع أن تمثل الصوت العربي الصامت في الكثير من المحافل الدولية، وتستطيع أن تذكر وبقوة ببعض القضايا التي بات طرحها يسبب حرجا سياسيا لدى بعض الدول، كالقضية الفلسطينية، على سبيل المثال. يمكن أن تكون دمشق بعودتها الجديدة "العصا القوية" في المنابر الدولية، التي لا تربطها الحسابات والتي تستطيع أن توصل الصوت الغائب عن المنابر العربية والعالمية، وخصوصا أنه بعد التغييرات الأخيرة في السياسات الأمريكية بدأت تأخذ منحا آخر غير واضح بالنسبة للكثيرين.
المقال يعبر عن رأي كاتبه فقط