بعد التصعيد الأخير بين الجيش والدعم السريع…إلى أين يتجه السودان؟

أثار التصعيد الأخير من جانب الدعم السريع ضد قوات الجيش السوداني في المنطقة الوسطى الاستراتيجية وسيطرته على بعض المناطق المهمة الكثير من التساؤلات عن المستقبل المجهول الذي ينتظر السودان في ظل تواري أي بوادر أمل للوصول إلى وقف للحرب في المدى القريب.
Sputnik
يرى مراقبون أن التصعيد قد يكون بهدف جمع أكبر قدر من أوراق الضغط قبل الجلوس مع الجيش للتفاوض من أجل وقف الحرب، خاصة وأن الدعم السريع فقد الدعم السياسي الذي كان يستند عليه بعد الانتهاكات التي نسبت إليه بحق المواطنين ومستقبل البلاد، في حين يرى فريق آخر أن هناك خيانات وخلايا نائمة مكنت الدعم السريع من السيطرة على بعض المناطق في جبل الموية وسنار وأن المستقبل السياسي للسودان أصبح في علم الغيب…إلى أين يتجه السودان؟
بداية يقول الخبير العسكري والاستراتيجي السوداني، الفريق جلال تاور: "الحرب بين الجيش والدعم السريع أخذت طابع التصعيد خلال الأيام القليلة الماضية، حيث بدأ الدعم السريع بالهجوم في وسط السودان في منطقة جبل موية الهامة".
خداع استراتيجي
وقال في حديثه لـ"سبوتنيك": "إن الجيش السوداني هو الذي فتح الطريق للدعم السريع لكي يدخل إلى تلك المنطقة وفق خطة تم إعدادها، حتى تدخل قوات الدعم لتلك المنطقة ثم يقوم بعملية إغلاق على تلك القوات حتى لا تصل إلى الولايات المربوطة بتلك المنطقة مثل، النيل الأبيض والجزيرة وسنار والقضارف".
السودان... ما أهمية جبل موية بعد سقوطه في قبضة قوات الدعم السريع؟
وأوضح تاور "أن ما حدث على أرض الواقع كان بخلاف خطة الجيش، حيث قامت قوات الدعم السريع بالالتفاف ودخلت إلى منطقة جبل موية من منطقة خلفية ترابية، ورغم توفر المعلومات لدى الجيش لا نعرف حتى الآن كيف تمكنت قوات الدعم من الدخول للمنطقة واحتلال قيادة الفرقة التابعة للجيش لبعض الوقت قبل أن يتم إخراجه منها، لكنه بلا شك ترك أثرا سيئا بعد الكشف عن وجود خلايا نائمة تابعة للدعم، تحركت فور ظهور الدعم في المنطقة فارتدت زي الدعم وهاجمت منازل المواطنين وقتلت ونهبت كل شيء، لكن القوات المسلحة استعادت زمام المبادرة".
وأشار الخبير العسكري إلى أن "الدعم السريع يحاول فتح طريق إلى دول الجوار سواء ناحية جنوب السودان أو إثيوبيا، لذا عمل الدعم على إيجاد منفذ له في المنطقة الوسطى رغم الخسائر التي منيت بها قواته في سنار وغيرها، رغم أن تلك المناطق ليست مشاركة في الحرب".
التفاوض القادم
من جانبه يعتقد الكاتب والمحلل السياسي السوداني، عثمان ميرغني، أن التصعيد في المواجهات بين الدعم السريع والجيش له اتصال وثيق بعملية أو عمليات تفاوض قادمة واستشراف لمرحلة جديدة تنهي الحرب عن طريق تسوية سياسية، ليس بين القوى العسكرية وحدها، والتي ازدادت الآن ضلع جديد ممثلا في الحركات المسلحة في دارفور، كما انضمت إلى تلك المرحلة القوى السياسية التي تدعم كل طرف من أطراف الصراع.
وقال ميرغني لـ" سبوتنيك"، هذا التصعيد ربما يهدف في المقام الأول إلى جمع مزيد من أوراق الضغط والقوى التفاوضية، ومحاولة استخدام الميدان لتعزيز الموقف التفاوضي لكل طرف.
السودان... نزوح أكثر من 55 ألف شخص من مدينة سنجة والقرى المجاورة بسبب المعارك
و أضاف المحلل السياسي أن العملية السلمية في الفترة الماضية لم يكن بها الجدية الكافية للتعامل المباشر مع القضية، بل كان هناك التركيز على الأزمة الإنسانية والموضوع العسكري ومحاولة إيجاد نوع من الهدن المتوالية بين الطرفين دون النظر إلى إيقاف الحرب والأسباب التي أدت إليها، وهي أسباب سياسية تم استبعادها من المشهد منذ بداية الحرب بشكل متعمد للإبقاء فقط على المسار العسكري والإنساني والذي لا يكفي بكل تأكيد لتحقيق السلام.
مشكلة حقيقية
وحول ما يتردد بأن الدعم السريع لا يملك الآن زمام التفاوض وحتى لو جلس مع الجيش لا يمكنه السيطرة على قواته يقول ميرغني: "بالعكس الدعم السريع الآن يعاني من مشكلة حقيقية بأن فقد الأجندة والأوراق السياسية، هذه الحرب نشأت على خلافات سياسية بين القوى السياسية، ثم بعد ذلك استنصرت كل قوة سياسية ببندقية بعضها ذهب إلى الجيش والأخرى ذهبت إلى صفوف الدعم السريع، فانفجرت الحرب بين القوى العسكرية".
السودان.. قصف يستهدف مبنى منظمة أطباء بلا حدود في أم درمان
وأشار المحلل السياسي إلى أن "السبب السياسي الذي اعتمدت عليه الدعم السريع انهار تماما، وفقد الدعم السريع مردود كل الشعارات والغايات التي تم رفعها مع بداية الحرب مثل دولة 56 والديمقراطية ومحاربة ما يسمونة (الكيزان) وقضية الهامش والمركز، كل تلك الأوراق سقطت أمام المخالفات والانتهاكات التي ارتكبت بحق المواطنين والتي كانت كبيرة جدا لدرجة أنها أثرت على المستقبل السياسي للسودان، بل وأحرقت المستقبل السياسي للدعم السريع".
ولفت ميرغني إلى أن "ما يجري الآن من تصعيد يقرب المسافات للوصول إلى اتفاق بين الجيش والدعم السريع، لأنه لن يفاوض على الوضع السياسي وإنما على بعض القضايا الخاصة بالوضع الاقتصادي وبعض الملفات البعيدة عن العمل السياسي".
أفادت منظمة الهجرة الدولية، أمس الأحد، بأن أكثر من 55 ألف شخص نزحوا من مدينة سنجة والقرى المجاورة في ولاية سنار جنوب السودان بسبب الاشتباكات الدائرة منذ أيام بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ونقل موقع "أخبار السودان" عن المنظمة بيانا قالت فيه إن "الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع استمرت في الانتشار عبر ولاية سنار، وتم الإبلاغ عن اشتباكات في مدينة سنجة".
"الدعم السريع" تدعو سكان النيل الأزرق التزام منازلهم والابتعاد عن مناطق العمليات العسكرية
وكشفت الفرق الميدانية بأن نحو 55,440 شخصا، نزحوا من مدينة سنجة والقرى المجاورة، ومن أماكن متعددة في مناطق أبو حجار والدالي بولاية سنار، وذلك نتيجة للقلق الأمني المتزايد، فيما نزح نحو 50 ألفاً نزحوا إلى مناطق في ولاية القضارف.
في السياق ذاته، انتقل 5 آلاف آخرون إلى مدينة الدمازين بالنيل الأزرق، كما نزح نحو 440 شخصاً إلى مدينة الجبلين في ولاية النيل الأبيض، وأكدت المنظمة أن "الوضع لا يزال متوتراً وغير قابل للتنبؤ".
يأتي ذلك بعدما أعلن الجيش السوداني أن قواته تخوض معارك في مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار الواقعة جنوبي البلاد، والتي تشهد موجة نزوح كبيرة للسكان.
الجيش السوداني يزيل حواجز "الدعم السريع" من مناطق جنوب الخرطوم
يشار إلى أن مدينة سنجة تبعد نحو 60 كيلومترا عن مدينة سنار، التي تعتبر أكبر مدن ولاية سنار، والتي شهدت مؤخرا هجوما شنته قوات "الدعم السريع"، والتي أعلنت بدورها يوم السبت الماضي، سيطرتها على مقر قيادة الفرقة "17 مشاة" التابعة للجيش السوداني في مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار جنوبي البلاد.
وتتواصل المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023، ما أسفر عن مقتل نحو 15 ألف شخص وتشريد نحو 8.5 ملايين نازح ولاجئ، وفقًا للأمم المتحدة.
مناقشة