يرى مراقبون أن المؤتمر لن تكون له نتائج فارقة في عمر الصراع بين الجيش السوداني والدعم السريع، نظرا لأن المؤتمر لم يعرف الأزمة قبل انعقاده لكي يضع لها الحلول، علاوة على أن القوى السياسية المشاركة لم يعد لها رصيد أو فاعلية على أرض الواقع وأنها ربما تبحث عن مصالحها قبل المصلحة العليا للسودان، بالإضافة إلى أن هناك قوى إقليمية وربما دولية تقف خلف الأزمة وتحرك أحد أطرافها، الأمر الذي يعني أن المؤتمر لن يخرج سوى بعبارات غير ذات صدى على الأرض، وأن الحل يجب أن يبدأ بتعريف الأزمة وتقريب وجهات النظر ثم التفاوض السوداني-السوداني.
بداية، يقول محمد صالح رزق الله، القيادي في قوى المقاومة السودانية، إن مؤتمر القاهرة أو غيره من المؤتمرات لن يحل الأزمة السودانية، لأن الفرقاء السودانيين لم يتوصلوا إلى الآن إلى تعريف واضح وحقيقي للمشكلة التي يعيشها السودان الآن.
حقيقة الأزمة
وأضاف رزق الله في حديثه لـ"سبوتنيك": "التعريف الدقيق للوضع الراهن وهو الحرب هو ما قد يسهل كثيرا توصيف سيناريوهات الحل، فإن لم تعرف القضية كيف يمكنك حلها، نحن اليوم نتحدث عن قضايا لا علاقة لها بالواقع السياسي الدائر حاليا، الشيء الواقعي اليوم أن السودان تغوص في حرب ضروس بين غزاة أجانب بدوافع استيطانية وبدعم من عدة دول ذات تأثير كبير جدا، وهذا الدعم يتفق مع مصالحها الخاصة، فإذا لم نقم بتعريف الحرب بالتعريف الصحيح فلن نصل إلى حلول لها".
وتابع القيادي في "قوى المقاومة": "هناك معسكرات تؤيد قوى الجنجويد المدعومة من بعض دول الإقليم وبعض دول العالم، وإذا لم يتم تعريف المسألة لا يمكن أن تجد حل، نحن كسودانيين نحتاج إلى تعريف واضح لما يدور في السودان، لذا أرى أن المجتمعين في القاهرة لن يصلوا لشيء ولن يصل ما بعد القاهرة أيضا إلى شيء، نظرا لفقدان الرؤية التي يمكن البناء عليها، وأكرر أن الحل في التعريف للواقع الحالي والذي يمكن من خلاله تحديد نقاط التقاء".
القوى السياسية
وأشار رزق الله إلى أن "غالبية الشعب السوداني يدعمون العسكر ليس حبا فيهم أوأن الجيش ليس له أخطاء، ولكن لأن الوضع الحاصل في السودان أو المسار السوداني يحتاج لمن يحميه، فالجيش تقدم وقدم شهداء وقدم ما يملك، علاوة على ذلك نجد أن الشعب السوداني يحتاج لمن يقف معه في معضلته الحالية، فليس معقولا أن يدور الحديث عن المجاعات والانتهاكات وغيرها من الأمور دون التطرق إلى جوهر الأزمة الحالية، فاليوم نجد أن الشعب السوداني في وادي والقوى السياسية في واد آخر".
وأكد رزق الله، أن "القوى السياسية الحالية قد ولى زمانها وعمرها الافتراضي انتهى والسودان لا يتحملها مستقبلا، فلابد من وجود قوى سياسية جديدة في المستقبل تستوعب الواقع السوداني على حقيقته ليس حبا في الوظائف والوصول إلى السلطة، بل حبا في حل الأزمة السودانية التي تتطور كل عام إلى الأسوأ".
عقبات كبيرة
من جانبه، يقول الدكتور محمد مصطفى، رئيس المركز العربي/الأفريقي لثقافة السلام والديمقراطية بالسودان: "كنا نعول كثيرا على مؤتمر القاهرة لما لمصر من علاقات أزلية مع الخرطوم وفهمها للأزمة وقدرتها على التأثير على فرقائها، لكن ثمة ملاحظات جوهرية قد أحدثت عقبات كبيرة أمام تحقيق أي توافق واختراق في جدار الأزمة".
وأضاف مصطفى في حديثه لـ"سبوتنيك": "نحن نعلم حجم التنافر بين كتلتي تقدم والكتلة الديمقراطية، وكذلك موقف بعض القوى السياسية والثورية من هاتين الكتلتين، ومن البديهي أن أي محاولة جريئة لوقف الحرب تبدأ بتحقيق تقارب بين هؤلاء جميعا قبل إقامة المؤتمر، وذلك قد يكون عبر ورش عمل ثم لقاءات مباشرة بوساطة مصرية-كينية/ أو مصرية- أوغندية/ أو حتى مصرية بمساعدة بعض الخبراء والأكاديميين السودانيين".
وتابع: "حضور كل القوى السياسية والثورية بمختلف مشاربها الفكرية والسياسية، يمثل الضامن الأعظم للخروج ببيان يمثل مدخلا مهما لوقف الحرب وتحقيق السلام".
إرادة حقيقية
وأشار مصطفى، إلى أن "وجود إرادة حقيقية وقناعة ثم دور مباشر من المحاور الإقليمية والدولية المؤثرة في طرفي القتال ضروري جدا لوقف الحرب، فإذا لم تتوفر الإرادة حتما لن ينجح أي مؤتمر أو حتى عملية تفاوض لوقف الحرب وتحقيق السلام".
ولفت مصطفى، إلى أن "العبرة ليست بكثرة اللقاءات والمؤتمرات، العبرة بوجود الإرادة الإقليمية والدولية لجعل الأزمة سودانية والحل سوداني دون تدخل أي طرف خارجي لفرض أجندته عبر أي طرف، من أجل تحقيق مصالحه واجندته المستقبلية بالهيمنة على مصير هذه الدولة وحكومتها وإرادة شعبها".
مؤتمر القاهرة
من جانبه، يقول المحلل السياسي السوداني وليد علي: "أثبتت المعارك المستمرة منذ 15 أبريل/ نيسان عام 2023، أن هذه الحرب لن تحسم عسكريا، مهما تقدم الدعم السريع ومهما توعد الجيش السوداني الدعم بالهزيمة فهي حرب ضروس لها آثار شديدة التعقيد على السودان والإقليم".
وأضاف في حديث سابق لـ"سبوتنيك": "مؤتمر القاهرة يستطيع عمل اختراق كبير في هذه الحرب إذا تمت إدارته بشكل يخاطب حقيقة الأزمة الراهنة ويجب مناقشة كل عوامل إنهاء الحرب بشجاعة وجرأة في هذا المؤتمر".
وتابع علي: "يجب على المؤتمر أن يناقش دور الحركة الإسلامية في تأجيج الصراع وكيفية إبعاد ظلال هذا الدور عن المشهد، علاوة على مناقشة دور الدعم الخارجي لطرفي الحرب بصورة جريئة والتوصل لصيغة اتفاق بين السودانيين لوقف هذا العامل بشكل حاسم، ومناقشة الآليات الممكنة لوقف هذا الدعم الخارجي للطرفين".
وشدد المحلل السياسي على ضرورة أن يتطرق المؤتمر بجرأة وجدية أيضا إلى مستقبل العملية السياسية وعدم محاولة إقصاء أي طرف، لاسيما لو كان قادرا على افتعال صراع مسلح.
مستقبل الجيش
وحول مستقبل المؤسسة العسكرية، يقول علي: "من المهم جدا مناقشة مستقبل الجيش السوداني والدعم السريع بكل شفافية، حيث أن القيادات الحالية للطرفين لا تصلح لقيادة هذه القوات بعد إيقاف الحرب، ولا يجب مشاركتها في المشهد السياسي".
وطالب علي، الدولة المصرية أن تلقي بثقلها في محاولة الوصول لحل سريع للأزمة الحالية في السودان، لأنها سوف تتحول لأزمة كبيرة لن تنجو مصر من آثارها إذا لم تستخدم نفوذها الداخلي بالسودان والخارجي مع المجتمع الدولي والإقليمي والعربي، وذلك لإعادة الاستقرار للسودان وهذا ما نرجو أن تقوم به عبر هذا المؤتمر، وإلا فإنه لن يكون هناك فرصة أخرى لعقد أي مؤتمر آخر مستقبلا".
وكانت مصر قد أعلنت أن القاهرة ستستضيف مؤتمراً يجمع القوى السياسية المدنية السودانية يومي 6 و7 يوليو/تموز الجاري، في إطار بذل الجهود الممكنة لمساعدة السودان على تجاوز أزمته، ومعالجة تداعياتها الخطيرة على الشعب السوداني، وأمن واستقرار المنطقة.
وتتواصل المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023، ما أسفر عن مقتل نحو 15 ألف شخص وتشريد نحو 8.5 ملايين نازح ولاجئ، وفقًا للأمم المتحدة.