أسفرت الجولة الثانية من انتخابات الجمعية البرلمانية الفرنسية، عن تصدر تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري، وجاء ائتلاف "معا" الوسطي برئاسة الرئيس إيمانويل ماكرون في المرتبة الثانية، فيما حل حزب التجمع الوطني اليميني بقيادة مارين لوبان في المرتبة الثالثة بعد أن كان متقدما في الجولة الأولى من التصويت.
ترتبط دول المغرب بشكل كبير بعدد من الملفات مع فرنسا، منها ملف الذاكرة والأرشيف الجزائري، الخاص بفترة الاستعمار، وكذلك قضية الصحراء، بالنسبة للمغرب، فيما يشمل ملف الهجرة دول المنطقة بشكل كامل، خاصة أن ليبيا وتونس والمغرب أصبحت محطات عبور للجانب الأوروبي السنوات الأخيرة.
يرى خبراء أن فوز اليسار قد ينعكس إيجابا على مستوى العديد من الملفات، لكنه غير من التوقعات السابقة التي كانت تشير لمستوى علاقات مختلف حال فوز اليمين الفرنسي.
وشهدت السنوات الأخيرات توترات بين فرنسا والجزائر تارة وبين باريس والرباط تارة أخرى، إثر مواقف الرئيس إيمانويل ماكرون من قضايا الأرشيف والذاكرة التي اعتبرتها الجزائر "مماطلة"، ومواقفه من قضية الصحراء التي اعتبرتها المغرب "رمادية".
تباين المواقف
تنظر الجزائر اليوم للأمر بصورة أكثر تفاؤلا، نظرا لموقف اليسار الإيجابي من قضايا الأرشيف والذاكرة.
وتمثل قضية الذاكرة عقبة أمام تناغم العلاقات وتطويرها بين البلدين، إذ تطالب الجزائر من فرنسا بالإفراج عن أرشيفها بما يتعلق بالجزائر والاعتذار عن جرائمها، بينما تماطل باريس بتنفيذ هذه الخطوة منذ وصول الرئيس، عبد المجيد تبون، للحكم.
فيما يترقب المغرب مواقف اليسار (رغم أنه ليس أغلبية مطلقة) بالنظر لمواقفه السلبية من "قضية الصحراء"، لكن زعيم تحالف اليسار الفرنسي جان لوك ميلانشو، كانت له مواقف إيجابية تجاه المغرب،خاصة أنه من مواليد مدينة طنجة، وكانت تصريحاته خلال زيارته لمناطق الزلزال الذي ضرب إقليم الحوز العام الماضي، تشير إلى ضرورة إصلاح العلاقات مع المغرب.
قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الجزائري محمد هاني، إن التركيبة السياسية في البرلمان الفرنسي اليوم، تبشر بمرحلة جديدة من التعاون والسلم.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن اليسار الفرنسي له مواقفه التي تحترم السيادة الخاصة بالدول، كما يمكنه أن يسوي الوضعية الخاصة بالمهاجرين غير الشرعيين.
قضية التأشيرات
ولفت إلى أن اليسار يتجه لمعالجة قضية التأشيرات، بفتح حركة التنقل بين دول المغرب العربي، نظرا للاعتبارات التاريخية، بين فرنسا ودول المنطقة.
وأشار إلى أن اليسار لديه مواقف إيجابية من ناحية قضية الذاكرة والأرشيف، ويمكنه أن يساعد بقدر كبير في تحسن مستوى العلاقات بين البلدين، خاصة أن بعض القيادات اليسارية عبرت في وقت سابق عن ضرورة معالجة قضية الاستعمار الفرنسي للجزائر والاعتذار عن الجرائم التي ارتكبت في حق الجزائريين.
فيما يقول محمد الطيار الخبير السياسي المغربي، إن فوز اليسار في فرنسا يؤثر إيجابا على العديد من الملفات بما فيها الهجرة والجاليات العربية هناك.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن اليسار في فرنسا كانت له مواقف من قضية الصحراء بالشكل الذي لا يرضي المغرب، لكن رئيس الائتلاف الحالي هو من مواليد مدينة طنجة، وأعلن موقفه في وقت سابق بتأييد الطرح المغربي بشأن قضية الصحراء.
ولفت إلى أن "قضية الصحراء" بالنسبة لفرنسا هي وسيلة لابتزاز المغرب، والحصول على امتيازات، خاصة أن الأمر مرتبط بالدولة العميقة هناك.
ورقة ابتزاز
وأشار إلى أن ورقة الابتزاز التي تستعملها فرنسا لم تعد مجدية، خلال السنوات الأخيرة بعد ما حققه المغرب في الإطار.
ويرى أن الدولة العميقة هي من تضع السياسات الخارجية بالنسبة للدولة الفرنسية، وتحدد المواقف من القضايا الإقليمية والعالمية، بما يعني أنها غير مرتبطة بشكل كبير بالتركيبة السياسية.
ويمثل ملف الذاكرة أحد أبرز الملفات التي تلحّ الجزائر على فتحها بشكل كامل مع فرنسا، حيث اتفق الطرفان خلال زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون، الأخيرة إلى الجزائر، في أغسطس/ آب 2022، على "إنشاء لجنة مشتركة من المؤرخين الفرنسيين والجزائريين، تكون مسؤولة عن العمل على كل الأرشيف منذ بداية الاحتلال الفرنسي إلى غاية الاستقلال".