ما الذي تحمله تصريحات ياسر العطا حول تشكيل تكتل كبير ينضم إليه السودان يضم قوى عظمى وإقليمية والأسلحة النوعية التي سوف تغير مصير الحرب؟
بداية، يقول الفريق جلال تاور، الخبير العسكري والاستراتيجي السوداني، إن "التصريحات التي أدلى بها ياسر العطا، عضو مجلس السيادة ومساعد القائد العام للجيش السوداني، لها أهمية كبيرة نظرا لموقع الرجل العسكري والسياسي، علاوة على دوره البارز في إدارة المعركة وتمكنه من استعادة نسبة كبيرة جدا من المناطق من تحت سيطرة الدعم السريع الذي كان يشل فيها حركة المواطنين، وبدأ المواطنون في العودة إليها".
الأسلحة النوعية
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "قد يرى البعض أن تصريحات العطا، حول الأسلحة النوعية القادمة للجيش والتحالفات التي تحدث عنها ليست مطلوبة للعامة، لأنها تدخل في إطار الأسرار الخاصة بالقيادة العامة للقوات المسلحة والتي يجب الاحتفاظ بها وعدم الإعلان عنها، لأنه ليس هناك موقع للاستعراض، لكن بكل الأحوال خرجت التصريحات من العطا وتكتسب أهميتها من موقعه داخل القوات المسلحة، لكنها ليست كافية خاصة وأن العطا كثير التصريحات وأحيانا يكشف حتى عن الدول التي يتم الاتفاق معها على توريد الأسلحة".
وتابع تاور: "ما تحدث به العطا عن الأسلحة النوعية والتحالفات الجديدة، أعتقد أن الأسلحة ربما تكون وصلت بالفعل إلى السودان من مصادرها أو هي في طريق الوصول".
التوجه السوداني
وحول ما إذا كانت تلك التصريحات يمكن أن تحول التوجه السوداني من التحالف الغربي إلى التحالف الشرقي، يقول الخبير العسكري: "إذا كانت هناك جهة في العالم تساوي ما بين الجيش الوطني السوداني وبين الدعم السريع، الذي هو في الأصل فرع نشأ بقرار من القوات المسلحة تمرد على مؤسسته"، مشيرًا إلى أن "العديد من الدول تستخدم لفظ "طرفي الصراع" في تزييف واضح للحقائق".
وأشار تاور إلى أن "هناك دولة إقليمية أمدت الدعم السريع بالأسلحة والمعدات المتطورة بصورة واضحة، وساهم ذلك في إطالة عمر المعركة، في حين أن جهات أخرى تمنع السودان من شراء السلاح، لذا بحث السودان عن شركاء آخرين طالما يحترموا سيادة السودان ومؤسساته. السودان دولة مستقلة ومن حقها شراء السلاح من أي مكان في العالم".
السيطرة على الأرض
ونفى الخبير العسكري ما يتردد لدى بعض المراقبين بأن "الدعم السريع يسيطر على غالبية أراضي السودان وأن الجيش لا يسيطر إلا على ثلاث ولايات"، مشيرًا إلى أن "تلك الأحاديث والروايات يصرح بها مستشاري الدعم السريع في القنوات الفضائية، لأن هناك فرق كبير جدا بين السيطرة والانتشار، حيث يبني الدعم السريع خططه على الانتشار في القرى والهجوم على الأماكن الآمنة والبعيدة، أما الجيش فيسيطر على المواقع الحيوية الاستراتيجية، ولو عدنا إلى الوراء قليلا لوجدنا أن الدعم السريع في بدايته شن الهجوم على المواقع الاستراتيجية، التي كان يشارك في حراستها عندما كان جزءا من القوات المسلحة، وتمكن الجيش من إخراجه منها تماما".
ولفت تاور إلى أن "الجيش هو الذي يسيطر فعليا على الأرض والمناطق الاستراتيجية وما تبقى منها سوف يتم استعادته قريبا، ويمكن أن نؤكد ذلك من خلال الأحداث التي جرت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة وخاصة في مدينة الفاشر في إقليم دارفور، التي أعلن الدعم السريع في النصف الأول من مايو/ أيار الماضي، أنه سوف يستولي عليها في غضون ساعات، ولم يتحقق له ذلك بفضل صمود الجيش السوداني والدعم الشعبي له".
مفاوضات جنيف
من جانبه، يقول وليد علي، المحلل السياسي السوداني: "تأتي تصريحات مساعد قائد الجيش السوداني و عضو مجلس السيادة ياسر العطا، في إطار معالجة ما يجري من إشارات لقبول الجيش السوداني مبدأ الذهاب إلى جنيف، للمشاركة في المفاوضات التي دعت لها الولايات المتحدة بإشراف سعودي سويسري، و مشاركة مصرية إماراتية".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "تسبب الحديث عن قبول الجيش السوداني الذهاب إلى جنيف للتفاوض مع الدعم السريع في بلبلة شديدة داخل منظومة الضباط والجنود المتحمسين لإستئناف القتال، وبالتأكيد قد أثارت أيضا حفيظة التيار الإسلامي المتشدد صاحب اليد الطويلة داخل المؤسسة العسكرية، و لذلك و لتفادي هذا الإرتباك في المشهد، خرج مساعد قائد الجيش السوداني بهذه التصريحات و غيرها في محاولة لإرسال عدة رسائل".
رسائل موجهة
وتابع علي: "من بين الرسائل التي تحملها تصريحات العطا، تثبيت مبدأ المؤامرة الإقليمية المدعومة عسكريا من الدولة الخليجية، التي دأب العطا على اتهامها في أكثر من موضع، علاوة على التأكيد على أنه لا يوجد أي خلاف بين القائد العام للجيش ونائبه ومساعده، بالإضافة إلى استمرار اتهام تنسيقية القوى المدنية (تقدم) التي يرأسها رئيس الوزراء السابق حمدوك ،بأنها الجناح السياسي لقوات الدعم السريع".
وأوضح علي أن "الرسالة الأخرى، وقد لا تكون حقيقية بالكامل، هي أن الجيش السوداني قد توصل لاتفاق مع قوة عظمى وأخرى إقليمية، (ويشير هنا إلى روسيا وإيران) على أن تقوم بإمداده بالسلاح، وهنا يخاطب العطا الدول التي يتهمها بتخطيط و تنفيذ المؤامرة التي يزعمها، وهي الإمارات و تشاد و ليبيا حفتر".
وقال المحلل السياسي: "لا أعتقد أن روسيا سوف تذهب في هذا الاتجاه قبل أن تثق في قدرة السودان على الاستمرار في التعاون، و قد لا يستطيع العطا الإفصاح عن الدور الإسرائيلي، الذي يبحث عنه الجيش السوداني، خاصة أن قائد الجيش قد بدأ قبل أكثر من ثلاث سنوات خطوات التطبيع مع إسرائيل وأقدم على خطوة جريئة وكبيرة، حيث التقى البرهان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، والدلائل تشير إلى أن علاقة الجيش السوداني بالقيادة الإسرائيلية أكثر وضوحا".
وأردف: "رغم أن الجيش يتهم الدعم السريع بأنه كان يسعى لتجاوز مؤسسة الجيش والتعامل مباشرة مع إسرائيل و كان وزير الخارجية الإسرائيلي قد تحدث عن رغبتهم في التوسط بين الطرفين قبل عام، وإن طلبهم لم يجد رد".
تعقيدات إقليمية
وأشار علي إلى أنه "في ظل التعقيدات الإقليمية هذه، لا اعتقد أن الجيش قد نجح في الحصول على اتفاق كامل و قابل للتنفيذ، بتلقي أسلحة نوعية كما ذكر العطا، و لكن من المؤكد أنه يبحث عن صيغة اتفاق مرضي لروسيا و لا يغضب أمريكا، وهذه أزمة تلازم حكومات السودان المتعاقبة، بعدم قدرتها على كسب ثقة أي قوة عظمى بسبب الإصرار على الإمساك بالعصا من المنتصف، وعلى هذا فإن تصريحات العطا لا تعطي حقيقة بأن الجيش السوداني قد استطاع تجاوز محطة التردد نحو اختيار جهة دولية للتعامل معها".
ولفت علي إلى أن "إيران ليست على استعداد لتقديم دعم عسكري كبير، إلا إذا أبرمت مع حكومة السودان اتفاق أمني واضح يعطيها القدرة على استخدام السواحل السودانية على البحر الأحمر، و ذلك في إطار التنافس على السيطرة على ممرات التجارة الدولية".
وأعلن ياسر العطا، عضو مجلس السيادة ومساعد القائد العام للجيش السوداني، خلال حديث بثه التلفزيون السوداني الرسمي السبت الماضي، أن الفترة المقبلة ستشهد انتصارات حاسمة للجيش في كل محاور القتال بعدما حصل أخيرا على إمدادات عسكرية كبيرة، مع توقعات باستلام أسلحة نوعية أخرى "ستكون بداية لنهاية قوات الدعم السريع" بحسب صحيفة "التغيير" السودانية.
وتتواصل المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد أكثر من 10 ملايين شخص، بما في ذلك مليوني شخص فروا عبر الحدود، وفقا للأمم المتحدة.