وتوقع حسن في حواره مع "سبوتنيك"، زيادة عمليات استهداف القواعد الأمريكية في سوريا والمنطقة، باعتبار أنها الطريقة الوحيدة للضغط على واشنطن من أجل إنهاء الاحتلال، وكذلك في إطار المساندة لفصائل المقاومة الفلسطينية.
وأوضح حسن أن "أسباب تواجد القوات الأمريكية على الأراضي السورية التي تحتلها تتمثل في العربدة الأمريكية المنفلتة من أي عقال، وأية ضوابط، وواهمٌ من يظن أن العدوانية الأمريكية يمكن أن تتوقف إلا عندما تصبح التكلفة أعلى من المردودية، وحتى الآن التكلفة منخفضة ولا تكاد تذكر، والمردودية كبيرة، وبخاصة ما يتعلق بالبعد الإستراتيجي للصراع على التحكم بمفاصل صنع القرار الدولي".
إلى نص الحوار...
بشأن الاستهدافات للقواعد العسكرية في سوريا.. برأيك هل تستمر عمليات الاستهداف حتى رحيلها؟
التحليل المستند لقراءة التاريخ، يؤكد أنه ما من احتلال دام إلى الأبد، ومن الطبيعي أن تكون المقاومة الرد المشروع والممكن لدى الدول والشعوب على أي شكل من أشكال الاحتلال، فكيف إذا اتخذ الشكل الأكثر صفاقة عبر الوجود العسكري المباشر وإقامة قواعد عسكرية ،ودعم ميليشيات انفصالية وإرهابية مسلحة، وليس هذا فحسب بل، والعمل على إبقاء كل المنطقة متوترة بسبب نزعة العسكرة المهيمنة على مفاصل صنع القرار الأمريكي.
هل ترتبط عمليات الاستهداف في الوقت الراهن بأسباب معينة؟
ما يتعلق بالجواب المباشر على السؤال من المهم الانطلاق من أن استهداف القواعد الأمريكية الاحتلالية في سورية يرتبط بعدة أسباب، ولا يقتصر فقط على رفض الوجود العسكري الأمريكي المفروض بالقوة، وبما ينقض وكل أسس القانون الدولي وميثاق هيئة الأمم المتحدة، والعديد من الاستهدافات الموجهة للقواعد العسكرية الأمريكية، وبخاصة في الأشهر الأخيرة مرتبطة بالدعم الأمريكي اللامحدود للكيان الإسرائيلي، والمشاركة الفعلية في حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة وفرض التهجير القسري على الجميع، ومن هنا تشكلت جبهات الإسناد لوقف شلال الدم الفلسطيني المهدور ظلماً وعدواناً، وما كان لكل ذلك أن يستمر لولا الدور الأمريكي الفاعل في تمكين حكومة نتنياهو من الاستمرار بارتكاب المجازر والجرائم المروعة التي يندى لها جبين الإنسانية بعد أن وصل عدد أبناء غزة إلى الأربعين ألف شهيد وقرابة مئة ألف جريح ومصاب، وغالبية أولئك من الأطفال والنساء والشيوخ والطواقم الطبية والإغاثية والإعلامية وبقية أبناء الشعب الفلسطيني الذي تُقَطَّعُ أوصاله بقذائف وصواريخ أمريكية، وبمباركة ومشاركة مباشرة من قبل إدارة بايدن.
هل تتوقع زيادة وتيرة هذه العمليات في الفترات المقبلة؟
استناداً إلى ما سبق يمكن القول: أتوقع زيادة العمليات التي تستهدف القواعد العسكرية الاحتلالية الأمريكية في سورية، ونوعاً ومن الواجب ــــ قبل أن يكون من الحق ـــ استمرار هذه العمليات إلى أن يقتنع متخذ القرار الأمريكي بضرورة إنهاء الاحتلال الذي يفرضه، ومغادرة قواته المناطق التي تحتلها وتفرض سيطرتها عليها سواء أكانت السيطرة مباشرة، أم عبر وكلاء كما هو الحال مع "قسد" وتنظيم "داعش الإرهابي"، الذي زادت وتيرة هجماته وتحركاته الإرهابية في الآونة الأخيرة، وبخاصة في المناطق التي تنتشر فيها القواعد الأمريكية، ويتم الانطلاق منها لتنفيذ الهجوم على هذا المحور أو ذاك من مناطق سيطرة الدولة السورية.
هل هناك حاجة إلى متطلبات جديدة بشأن المرحلة اتصالا بهذه العمليات؟
يتطلب الأمر استمرار عمليات استهداف القواعد الأمريكية وزيادة حدتها وفعاليتها ارتباطاً بالحرب المفروضة على المنطقة برمتها، ويخطئ الأمريكيون إن ظنوا أن هذه الهجمات ستتوقف قبل رحيلهم عن الجغرافيا السورية التي يحتلونها، وقد يكون من المفيد العمل جدياً على زيادة الخسائر في القواعد الأمريكية، وبغير ذلك لن يضطر الأمريكي للتفكير بإنهاء احتلاله طالما أنه لا يدفع ضريبة تذكر، فضلاً عن الأهداف الاستراتيجية التي وضعها وحددها، وبناء على ذلك زادت القواعد عددا وانتشاراً جغرافياً في كامل الشرق والشمال الشرقي من الجغرافيا السورية، وقد سبق للبيت الأبيض أن اتخذ قراراً بإنهاء الوجود العسكري الأمريكي المباشر في سوريا أيام الرئيس السابق دونالد ترامب، لكن بقية مفاصل الحكومة العميقة زادت من الضغط على ترامب، وأقنعته بأهمية الجدوى الإستراتيجية من البقاء، وبخاصة في ظل اقتراب الخسائر الأمريكية البشرية من الحدود الصفرية، أي أنه احتلال بلا تكلفة، بل بمردودية كبيرة، وبخاصة على المستوى الإستراتيجي، وبالتالي لا ضير ــ من وجهة نظري الشخصية ـــ من مساعدة الأمريكيين في اتخاذ قرار الرحيل والمغادرة، وهذا مرهون بزيادة الخسائر في صفوف القوات الأمريكية سواء ضمن القواعد الاحتلالية، أو على امتداد محاور التحرك اليومية.
هل هناك ما يستدعي وجود هذه القوات حتى الآن في سوريا؟
بكل تأكيد لا داعي لوجودها، لا الآن ولا في السابق، بغض النظر عن الشعارات البراقة التي تم تغليفها بأهداف عدوانية شريرة، فكيف يمكن الاقتناع بأن الهدف من هذا الوجود محاربة "داعش" (محظور في روسيا وعدة دول)، كما تدعي واشنطن، في حين أن واشنطن نفسها هي من أوجدت "داعش" باعتراف المسؤولين الأمريكيين!
وتحت أي عنوان يمكن إقناع أي شخص كان بصوابية التدخل الأمريكي والحرص على الأمن والاستقرار، في حين أن من يعلم ألف باء السياسة يدرك أن الاحتلال أعلى درجات الجريمة الدولية، وأكثر البيئات المخلفة للتوتر والصراع وغياب الأمن والاستقرار، وبالتالي من المسلم به أنه لا داعي لوجود أية قواعد أو قوات أمريكية في سوريا، لأن وجودها متناقض مع القانون الدولي وغير مرحب به، بل يشكل اعتداء سافراً وموصوفا على دولة مستقلة ذات سيادة، ولا داعي لوجود تلك القواعد إذا كان الهدف استتباب الأمن والاستقرار في تلك المناطق التي تنتشر فيها، فحيثما توجد القوات الأمريكية تنتشر الأحقاد والضغائن والصراعات والاقتتال بين أبناء البيئة الواحدة، ويتم نسف القيم التي نشأت عليها الأجيال، فهناك أخطار حقيقية محدقة تهدد كل ما له علاقة بالأعراف القبلية والعشائرية، واحترام الشيوخ والزعامات والوجهاء والهوية الوطنية الخاصة بكل فرد من أفراد الشعب السوري.
هل يمكن اعتبار وجود هذه القوات ضمن أهداف النفوذ والسيطرة في المنطقة في إدارة الصراع؟
إذا كان الحديث خاص بالهيمنة الأمريكية، وضمان استمرار النفوذ والسيطرة في هذه المنطقة الجيوستراتيجية من العالم، يصبح وجود هذه القواعد والقوات الأمريكية مهماً وضرورياً لخدمة مصالح الحكومة العميقة القائمة على خلق بؤر التوتر، وزيادة الصراعات والاقتتال والحروب لتبقى واشنطن الخصم والحكم، وإليها يلجأ الجميع لحل مشكلة هي من خلقتها بالأساس، وهذا يؤكد بأن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تعمل وفق مبدأ "الإدارة بالأزمات" وليس "إدارة الأزمات"... نعم يصبح وجود القواعد الأمريكية ضرورياً وحيوياً لمفاصل صنع القرار الأمريكي طالما أنه يقطع الطريق على دور روسي وصيني فاعلين في منطقة جيو استراتيجية، وما التزامن في التصعيد الميداني لجماعة قسد وداعش بقيادة أمريكية في المناطق الشرقية والشمالية الشرقية من سوريا، مع الإصرار على تزويد أوكرانية بأسلحة نوعية من ضمنها صواريخ إستراتيجية ومقاتلات من طراز "F16" وغير ذلك إلا الدليل الدامغ على أن الإدارة الأمريكية تنظر إلى جبهات الاشتباك التي أشعلتها على أنها جزء من حرب شاملة، تخوضها واشنطن بالوكالة حيناً، وبالأصالة حيناً آخر، وبصيغة مشتركة أحياناً ثالثة.
وبالتالي وجود القواعد العسكرية الأمريكية والقوات والأساطيل سيبقى مستمراً لفرض الإرادة الأمريكية على العالم أجمع، وفي المقدمة روسيا والصين، وجميع من يرفض الإذعان للإرادة الأمريكية التي تتوجس شراً من انحسار متدحرج في هيمنتها، بما يعني توفير المقدمة والبيئة المطلوبة لوضع نهاية للأحادية القطبية التي ضاق العالم بها ذرعاً، وأية خسارة أمريكية في أية جبهة من أوكرانيا إلى بحر الصين إلى سوريا والشرق الأوسط ستنعكس سلباً على الدور الأمريكي في بقية الجبهات، والعكس صحيح.
كيف يمكن قراءة أسباب عدم مغادرتها حتى الآن للأراضي السورية؟
الأسباب الموجبة متعددة ومتنوعة، وبينها قاسم مشترك عنوانه: العربدة الأمريكية المنفلتة من أي عقال، وأية ضوابط، وواهمٌ من يظن أن العدوانية الأمريكية يمكن أن تتوقف إلا عندما تصبح التكلفة أعلى من المردودية، وحتى الآن التكلفة منخفضة ولا تكاد تذكر، والمردودية كبيرة، وبخاصة ما يتعلق بالبعد الإستراتيجي للصراع على التحكم بمفاصل صنع القرار الدولي، ومن المهم إدراك التركيز الأمريكي على حماية إسرائيل والدفاع عنها ضد كل من يريد التصدي للتوحش الإسرائيلي الذي لم تشهد له البشرية مثيلاً على امتداد تاريخها الطويل، والوجود الأمريكي العسكري المباشر في قواعد على الجغرافيا السورية يساعد الإدارة الأمريكية في حماية تل أبيب، ودفاعها عن عدوانية حكومة نتنياهو.
الأمر الآخر المهم والمتعلق بهذا الجانب مرتبط بزيادة الهيمنة الأمريكية والاستعلاء على بقية الأتباع الدائرين في فلكها، فأي انسحاب اليوم للقوات الأمريكية سيتم تفسيره في العديد من عواصم المنطقة على أنه انتصار لمحور المقاومة، ومنها من يراه انتصار إيراني صرف، وطرف ثالث يرى في ذلك انحساراً في الدور الأمريكي لصالح الدورين الروسي والصيني، الأمر الذي يقود إلى زيادة سرعة التوجه شرقاً، وهذا ما لا يمكن أن تسمح به واشنطن إلا بشكل مضبوط الإيقاع لضمان انبطاح الأتباع والأنظمة المرتبطة بها أكثر فأكثر، والأمر ذاته ينطبق على الجبهة الأوكرانية التي تعمل الحكومة العميقة على إطالة أمدها وعدم السماح بالتوصل إلى أي اتفاق لضمان استمرار تبعية القرار الأوربي للإرادة الأمريكية، وكلما زادت الخسائر الأوروبية كلما أصبحت عواصم الغرب الأطلسي أكثر طواعية في الانقياد الأعمى للإرادة الأمريكية، التي تعاني من مواضع خلل بنيوية يمكن العمل عليها والاستثمار في تداعياتها القريبة والمتوسطة والبعيدة.
أجرى الحوار/ محمد حميدة