لماذا تراجع العراق عن المطالبة برحيل القوات الأمريكية رغم الإعلان المتكرر عن عدم الحاجة إليها؟

يرى مراقبون أن بيان الخارجية لا يمكن أن يصدر بتلك الصورة الصريحة لو لم تكن هناك تفاهمات بين الحكومة والفصائل الموالية للولايات المتحدة وإيران على التهدئة وعدم التصعيد حتى يتم تفادي الحرب الشاملة في المنطقة، في نفس الوقت تسعى كل من واشنطن وطهران من أجل الحفاظ على مصالحهما وعدم الانجرار وراء الاستفزازات الإسرائيلية التي تريد توسيع دائرة الحرب وإشراك الجميع بها.

بداية، يقول غازي السكوتي، مدير "المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية" إن " موقف وزارة الخارجية العراقية وحكومة بغداد من تأجيل الإعلان عن جدولة إنهاء مهمة التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في البلاد، علاوة على إعادة النظر في عدد المستشارين العسكريين الأمريكيين، يرتبط هذا بكل تأكيد بطبيعة التهديدات الأمنية التي تعصف اليوم بمنطقة الشرق الأوسط التي من بينها العراق".

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "البحرية الأمريكية (المارينز) قامت خلال الأسابيع الماضية بنشر أكثر من ثلث قواتها في البحر المتوسط والخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط والبحر الأحمر، وهى المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية أن تقوم بنشر هذا العدد الضخم من قوات المارينز وما يصاحبها من مدمرات وحاملات الطائرات والصواريخ وكافة أنواع الأسلحة الحديثة و المتطورة، هذا بجانب القوات المتواجدة من قبل في أكثر من 31 قاعدة عسكرية في الخليج وأكثر من 80 ألف جندي".

وتابع السكوتي: "نحن الآن أمام وضع استثنائي أمني في الشرق الأوسط، وبعد كل هذا ليس منطقيا أن نقول إن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تترك العراق في الوقت الذي لا يزال التهديد الذي تقوم به بؤر تنظيم داعش يشكل خطرا".

وأشار مدير المركز العراقي، إلى أن، "موقف وزارة الخارجية العراقية في اعتقادي يعبر عن الواقع في المنطقة، ففي ظل الأوضاع الحالية والتصعيد لا تستطيع بغداد أن تطالب القوات الأمريكية والتحالف بالرحيل، إذا قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن مستمرة في العراق في إطار الحرب على الإرهاب، حيث لا زال داعش يشكل تهديد خطير اليوم في سوريا وأيضا في العراق".

واختتم السكوتي: "بالتأكيد اليوم تم تحويل العراق إلى مسرح للعمليات العسكرية بين النظام الإيراني والولايات المتحدة، ما يعني أن المنطقة مقبلة على أوضاع صعبة من التصعيد والتوسع في منطقة الشرق الأوسط".

من جانبه، يقول الخبير الأمني العراقي، مخلد حازم الدرب: "على ما يبدو أن الجميع اليوم يذهب باتجاه التهدئة الاستراتيجية المؤقتة في جميع الساحات، سواء الساحة الإيرانية أو العراقية واليمنية وحتى السورية وكذلك اللبنانية".

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "الوضع في المنطقة على صفيح ساخن، وفتح جبهة شاملة أو حرب شاملة ما بين إيران و إسرائيل لا يخدم الجميع، وإيران أذكى من أن تنجر إلى هكذا حرب، لأن لديها مصالح وهذه المصالح قد يتم الإضرار بها، وأهمها الملف النووي الإيراني".

ويكمل الدرب: "على ما يبدو أن هناك مفاوض أمريكي ضغط باتجاه إيران أولا و باتجاه إسرائيل ثانيا، لاعتبارات أنه لا يمكن أن ننجر إلى هذه الحرب لأن الجميع فيها سيكون خاسر، وهنا نرى أن أمريكا تريد أن تمضي بانتخابات رئاسية آمنة بعد أن بدأت حظوظ المرشحة (كامالا هاريس) في الصعود، ويبدوا أنهم أقنعوا إيران بأن التهدئة في الشرق الأوسط تصب في صالح المرشحة الديمقراطية هاريس".

وتوقع الخبير الأمني، أن "إيران ضغطت باتجاه التهدئة على محورها، ولذلك صدر هذا القرار من الخارجية العراقية بتأجيل التفاوض، وهذا التأجيل غير محدد ولا نعرف الفترة الزمنية له، ولا أحد يعلم هل سيكون التأجيل لفترة زمنية طويلة، أم أنه مرهون بما سوف تؤول إليه الأوضاع في المنطقة، ولم يصدر عن فصائل المقاومة حتى الآن أي رد على بيان الخارجية العراقية".

ويرى الدرب، أنه "وبناء على المعطيات السابقة والأحداث يمكن أن يكون هناك اتفاق ما بين الفصائل و الحكومة العراقية والجانب الأمريكي على إصدار هذا البيان، لأن هناك بيان أمريكي صدر من مساعد المتحدث باسم وزارة الخارجية يقول فيه: " ليس لدينا علاقة بما يجري من مفاوضات في العراق ولا يوجد انسحاب أمريكي"، وهذا الضغط الذي حدث هو نتيجة تهدئة بحثت عنها أمريكا مع الجميع من أجل أن لا تذهب المنطقة إلى حرب، هذه الحرب قد تؤثر على الانتخابات الأمريكية".

أعلن العراق، الخميس الماضي، تأجيل إعلان إنهاء مهمة التحالف الدولي في البلاد بسبب التطورات الأخيرة، مؤكدا في الوقت نفسه عدم وجود قوات أمريكية على أراضيه.

وقالت وزارة الخارجية العراقية، في بيان، إنه "لا توجد قوات أمريكية في العراق باستثناء المستشارين العسكريين الموجودين تحت مظلة التحالف الدولي".

وأضاف البيان أن "اللجنة العسكرية العليا ركزت خلال الأشهر الماضية على تقييم خطر تنظيم داعش (الإرهابي المحظور في روسيا ودوليا) بهدف الوصول إلى موعد نهائي لإنهاء المهمة العسكرية للتحالف الدولي".

وأوضح أنه "على هذا الأساس، سيتم إنهاء وجود مستشاري التحالف الدولي بكل جنسياتهم على أرض العراق".

وتابع: "كنا قريبين جداً من الإعلان عن هذا الاتفاق، ولكن بسبب التطورات الأخيرة تم تأجيل الإعلان عن إنهاء المهمة العسكرية للتحالف الدولي في العراق".

كما أكد البيان أن العلاقة الثنائية مع الولايات المتحدة في جميع المجالات، بما في ذلك العلاقة الأمنية، منفصلة تماماً عن مسار العلاقة مع قوات التحالف الدولي، لافتا إلى أن هذه العلاقة قائمة قبل التحالف وستستمر بعده.

وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قد صرح مرارا بأن "القوات الأجنبية لم يعد لها دور في البلاد بعدما أصبح العراق، يمتلك قدرات أمنية متطورة"، مطالبا بإنهاء وجود التحالف الدولي على أراضيه.

يشار إلى أنه منذ بداية تصعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تعرضت القواعد الأمريكية التي تقود التحالف الدولي في العراق، وكذلك القوات الأمريكية في سوريا، لهجمات منتظمة.