فهل تنجح التحركات المصرية في إحداث فجوة في جدار الأزمة السودانية رغم تعقيدات المشهد وتشابك المصالح المحلية والإقليمية والدولية، خاصة في ظل التطورات الكبيرة التي تشهدها المنطقة والمخاوف من تحول حرب غزة ولبنان إلى حرب إقليمية.
وما هى العقبات والعراقيل التي يمكن أن تعيق الدور الأفريقي في حل تلك الأزمة؟
بداية يقول السفير صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، "رئاسة مصر لمجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد الأفريقي هذا الشهر، لكن عضوية مصر في المجلس ممتدة لمدة عامين اعتبارا من فبراير/شباط 2024، وجود مصر في عضوية المجلس ورئاستها له هذا الشهر فرصة جيدة تتيح لها التحرك الإيجابي والبناء وبشكل فاعل ومؤثر".
إنجاز غير مسبوق
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "أن البرنامج الموضوع في المجلس لفترة رئاسة مصر يتلخص في زيارة للجامعة العربية بالقاهرة ولقاء وزير الخارجية المصري ولقاء بعض التجمعات السياسية المصرية والسودانية أيضا، علاوة على الجولة في الأمم المتحدة والتي تتعلق بالسودان، علاوة على الزيارة التي قامت بها لجنة من المجلس خلال الأسبوع الفائت إلى العاصمة السودانية المؤقتة في بورتسودان".
وتابع حليمة: "فيما يتعلق بحل الأزمة السودانية ووقف الحرب نجد أن العديد من المبادرات والوساطات طرحت منذ الساعات الأولى للحرب في 15 أبريل/نيسان من العام الماضي 2023، هناك جهد كبير بُذل على المستوى الأفريقي والعربي ثم على المستوى الأممي، وأعتقد أنه كانت هناك رؤية تتعلق بما تم طرحه من مبادرات، بما فيها مبادرة القاهرة والتي تمت في يوليو/تموز الماضي، وخلال يوليو تم تحقيق إنجاز غير مسبوق لم يتحقق في أي من المبادرات السابقة".
وأضاف "أنها لم تقتصر على مسار واحد، بل تناولت المسار الإنساني والأمني العسكري ثم المسار السياسي، وكانت هناك مشاركة كبيرة من كافة الفرقاء السودانيين بما فيهم حركات لم تشارك في أي لقاءات من قبل مثل حركة عبد الواحد نور والحلو، وكان هناك توافق بين الجميع على ضرورة وقف الحرب وإحلال السلام".
مؤتمر القاهرة
وأشار مساعد وزير الخارجية، إلى أن التحركات التي يقوم بها مجلس الأمن والسلم الأفريقي، ربما سوف تدفع أو تعمل على تفعيل مبادرة القاهرة واستكمالها، هذا ما يجري الآن وخاصة فيما يتعلق بالمسار السياسي الذي يهدف إلى تشكيل حكومة انتقالية مؤقتة ذات كفاءات مستقلة وطنية ولا تنتمي لأي حزب من الأحزاب".
وحول أهمية رئاسة مصر لمجلس الأمن والسلم الأفريقي في هذا التوقيت يقول حليمة: "لا شك أن الموقف العسكري على الأرض في الأسابيع الأخيرة يعزز من التحركات التي يقوم بها مجلس الأمن والسلم الأفريقي الذي تترأسه مصر هذا الشهر، خاصة وأن العديد من المواقف الدولية تجاه الوضع في السودان، وقد شاهدنا قبل أيام مشاركة البرهان في اجتماعات الأمم المتحدة، علاوة على أن مبادرة مؤتمر القاهرة وفيما يتعلق بوضع الجيش كان هناك توافق على أن يكون جيش مهني ووطني وغير مسيس".
فشل متوقع
في المقابل يعتقد مدير "مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان"، والمسؤول السابق والخبير في مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، الدكتور أحمد المفتي، "أن تحركات مجلس الأمن والسلم الأفريقي الذي ترأسه مصر هذا الشهر لن تنجح في إحداث اختراق للجمود الذي تعيشه الأزمة السودانية منذ منتصف أبريل/نيسان من العام الماضي، نظرا لتجميد الاتحاد الإفريقي لعضوية السودان فيه، والمجلس جزء من الاتحاد، في الوقت الذي لم تجمد فيه الأمم المتحدة عضويته وشاهدنا البرهان يخاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام قليلة".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "لم يفطن الاتحاد الأفريقي إلى أن تجميد عضوية السودان هو موقف (قحت/ تقدم)، وإن كان هذا سليما، فإن الأخذ به ليس من الكياسة السياسية في شئ، كما أن المجلس لم يأخذ تحفظات السودان في الاعتبار، بدليل أنه في الجولة قبل الأخيرة جعل رئاستها للرئيس الكيني، وإن كانت هى الإجراءات، فإنه لم يأخذ في الاعتبار أن السودان يتهم الرئيس الكيني بعلاقات تجارية مع حميدتي، مما جعل السودان يرفض الحضور".
وأشار المفتي إلى أنه "في جلسة مجلس الأمن والسلم الأفريقي الأخيرة سمح المجلس بحضور وفد الدعم السريع دون إخطار السودان، فانسحب وفد السودان بقيادة عقار نائب رئيس مجلس السيادة".
خلف الستار
وأوضح مدير مركز الخرطوم، أنه "رغم الأحاديث المتكرر عن الرغبة الإقليمية والدولية لوقف الحرب في السودان، إلا أن الحقائق على الأرض تؤكد أن المسؤولون الدوليون لا يسمحون من خلف الستار بحل افريقي ، قد لا يأخذ شواغلهم المشروعة وغير المشروعة في الاعتبار، ويريدون أن يكون الاتحاد الإفريقي وآلياته غطاء فقط استجابة لميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص على الحلول الإقليمية وليس حلول المسؤولين قبل التدخل الأممي".
ولفت المفتي إلى أنه " منذ خطاب البرهان بتاريخ 25 أكتوبر/تشرين أول 2021 وحتي قيام الحرب، كان الدور الإفريقي باهتا، نظرا لعلو صوت الرباعية الدولية على الدول الإفريقية لأسباب معلومة".
تعقيدات المشهد
بدورها تقول أسماء الحسيني، مديرة تحرير صحيفة "الأهرام" المصرية - المتخصصة في الشؤون الأفريقية: "إن مصر تولي الأزمة السودانية كل الاهتمام منذ اندلاع المعارك بين الجيش والدعم السريع منتصف أبريل/نيسان من العام الماضي وحاولت جاهدة وقف الحرب، لكن تعقيدات وتطورات المشهد واتساع رقعة الحرب كانت حجر عثرة أمام التحركات المصرية، وتسعى اليوم من خلال مجلس الأمن والسلم الأفريقي الذي تترأسه هذا الشهر أن تحدث انفراجة في الوضع المتأزم".
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك": "لقد قامت مصر خلال الأيام الماضية بالعديد من التحركات الإقليمية من أجل وقف الحرب والتسريع بإيصال المساعدات الإنسانية للنازحين في مناطقهم بعد التحذيرات الدولية بحدوث كارثة إنسانية غير مسبوقة ولم يشهدها العالم في العصر الحديث، وضمن التحركات الهامة التي قام بها مجلس الأمن والسلم الأفريقي بعد تقلد مصر رئاسته تمثلت في زيارة للعاصمة السودانية المؤقتة (بورتسودان) وهى الزيارة الأولى التي يقوم بها المجلس منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من 15 شهرا".
وأشارت الحسيني إلى أن "دور مصر وتحركاتها الحالية تأتي في ظل تطورات في موازين القوى على الأرض وأوضاع إقليمية ودولية شديدة التعقيد تتطلب تحركات دولية وإقليمية مكثفة من أجل حلحلة تلك التعقيدات ووضع الأزمة على أولى خطوات الحل، حيث أن الأزمة بدأت منذ إجراءات 25 أكتوبر من العام 2021 والتي نُظر إليها على أنها انقلاب من جانب الاتحاد الأفريقي والذي قام بتجميد عضوية السودان".
الاتحاد الأفريقي
وتابعت الحسيني، "خلال زيارة مجلس الأمن والسلم الأفريقي الأولى إلى بورتسوان، حملهم البرهان رسالة إلى المجلس مفادها أن توصيف ما حدث في 25 أكتوبر/تشرين 2021 غير دقيق وينافي الحقائق، في ذات الوقت أبلغ وفد مجلس الأمن الأفريقي البرهان بضرورة إيجاد البيئة الملائمة لاستعادة السودان لعضويته الدائمة في الاتحاد الأفريقي".
وأوضحت مديرة تحرير صحيفة "الأهرام" المصرية، "أن هناك تعقيدات كبيرة في المشهد رغم النوايا الطيبة من جانب مصر لتجنيب السودان كل المخاطر، لكن هناك إجراءات تحكم هذا الأمر داخل الاتحاد الأفريقي، كما أن هناك تعقيدات تتعلق بالمجتمع الدولي والذي بدا واضحا في تصريحات المبعوث الأمريكي التي يطالب فيها بدخول قوات أفريقية لحماية المدنيين، وبالتالي أرى أيضا أن نجاح المساعي المصرية بشأن الأزمة يتعلق بالأطراف الداخلية في السودان".
أعلن الجيش السوداني، اليوم الأربعاء، نجاح قواته في استعادة السيطرة على منطقة جريوة بولاية النيل الأزرق، التي كانت خاضعة لقوات الدعم السريع، ليحكم الجيش بذلك سيطرته على الولاية بالكامل.
وأشار الجيش السوداني، في بيان له، إلى أنه "في كل يوم تتكشف خيوط المؤامرة وأبعادها من جديد"، مضيفًا أن "ديباجة صناديق الذخائر والأسلحة والأدوية أدلة دامغة توضح بجلاء تورط دولة الإمارات العربية في دعم مليشيا آل دقلو الإرهابية"، على حد قوله.
واتهمت الحكومة السودانية، الشهر الماضي، الإمارات العربية المتحدة بـ"الدعوة لانتهاك سيادة البلاد" بعد مطالبة مجلس الأمن الدولي بمنح الوكالات الأممية تفويضًا لإيصال المساعدات الإنسانية للمتأثرين عبر خطوط النزاع.
ونقل موقع "سودان تربيون" عن وزارة الخارجية السودانية، بيانا قالت فيه إن "الخارجية الإماراتية، دعت لانتهاك سيادة السودان باسم إدخال المساعدات الإنسانية"، منوهة إلى أن "مطالبة أبو ظبي لمجلس الأمن تمثل محاولة بائسة للتنصل من مسؤولية الإمارات عن الحرب، التي تشنها المليشيا بتخطيط وتسليح وتمويل كامل منها"، وفق البيان.
وتتواصل المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد أكثر من 10 ملايين شخص، بما في ذلك مليوني شخص فروا عبر الحدود، وفقا للأمم المتحدة.