وقُوبل المقترح برفض شديد من جانب الخرطوم، لكن المبعوث الأمريكي، توم بيريللو، أعلن أن هناك ترتيبات لتفعيل المقترح، إلا أنه عاد وتراجع عنها.
فما السر وراء تراجع المبعوث الأمريكي للسودان، توم بيريللو، عن تصريحاته بالترتيبات التي تجرى بالتنسيق مع الاتحاد الأفريقي لتشكيل قوة أفريقية لحماية المدنيين، وهل لعبت التطورات على أرض المعركة وتقدم الجيش في الخرطوم، وهزيمة "قوات الدعم السريع" في عدد من المناطق، دورا في هذا التراجع؟
بداية، يقول المدير الأسبق لإدارة الإعلام في الرئاسة السودانية، أبي عز الدين: "وجد مقترح المبعوث الأمريكي بإرسال قوات أممية أو أفريقية للسودان رفضا شعبيا واسعا من أطياف الشعب السوداني، مما أجبره على التنصّل منه، والاعتراف بأن المقترح كان من طرف تنسيقية تقدم الموالية لـ"قوات الدعم السريع"، لأن أي مقترحات بإدخال قوات خارجية، سيتعامل معها الشعب على أساس أنها قوات استعمارية غازية لممارسة الوصاية".
معايير مزدوجة
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك": "واشنطن لن تستطيع تقديم أي شئ للقضية السودانية طالما أنها تتعامل بمعايير مزدوجة، فمن المعلوم أنها عادة تصنف مثل هذه المليشيات كجماعات إرهابية، خصوصا مع التقاريرالموثقة للجان الأمم المتحدة بأنها قد مارست تطهيرا عرقيا وجرائم ضد الإنسانية، ولكن لتلاقي مصالح أمريكا مع الواجهة السياسية لـ"الدعم السريع"، فإنها تغض الطرف وتحاول تبرير جرائم الجنجويد".
وأشار عز الدين إلى أنه "بعد خسارة تنسيقية تقدم و"الدعم السريع" للتعاطف الدولي، تحاول "قوات الدعم السريع" اللعب على وتر مختلف لاجتذاب التمويل إليها، وهو "فوبيا" الإسلاميين، في حين أن القوات المشتركة التي تقاتل إلى جانب الجيش السوداني، مكونة من حركات مسلحة علمانية، ومعروفة بأنها كانت تحارب الإسلاميين، ولكن اليوم تقف جميع القوى الوطنية باختلاف أيديولوجيتها الفكرية والمرجعية في خندق واحد من منظور إنساني ووطني، ضد "الدعم السريع"، وتنسيقية "تقدم"، وبقية الواجهات السياسية للمتمردين".
الوضع الحقيقي
من جانبه، يقول رئيس المركز العربي/ الأفريقي لثقافة السلام والديموقراطية بالسودان، الدكتور محمد مصطفى، إن "الحديث السابق للمبعوث الأمريكي للسودان، توم بيريللو، عن الترتيبات لإرسال قوة أفريقية لحماية المدنيين، كانت تشير إلى أنه غير ملم بالوضع الحقيقي في السودان".
وأردف: "إن الشعب السوداني عاش حقب احتلال وغزوات وثورات وطنية عظيمة، وهو عنيد وعنيف ولا يقبل بأي شيء لا تتم استشارته فيه، ويحاول الآخرين فرضه عليه وهو ما تيقن له المبعوث الأمريكي مؤخرا، ودفعه للقول إن تصريحاته حول موضوع القوة العسكرية قد تم تحريفها ووضعها في غير السياق".
المسار الخطأ
وتابع رئيس المركز العربي/ الأفريقي: "كان المبعوث الأمريكي يسعى لقطع الطريق على روسيا حتى لا تتمكن في واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية في الإقليم، لكن أعتقد أن تصرفاته ستعجّل بالتمكين الروسي في المنطقة، وبكل تأكيد لو استغل كل هذا الجهد والوقت والمال في العمل على جمع البرهان وحميدتي، لكنا نعيش الآن فترة وقف إطلاق النار، لكنه ظل يبذل كل الوقت والجهد والمال في المسار الخطأ".
وأكد مصطفى على أن "المبعوث الأمريكي فشل في تحقيق أي تقدم على الأرض، لأنه لا يعلم الكثير عن ثقافة السودانيين، لذا يجب تغييره بدلا من التصريحات التي تؤجج المشهد أكثر مما تؤمن حياة المدنيين، ولو أنه اجتهد باللقاءات الفردية المباشرة لقائدي الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع"، دون التحليق حولها لاستطاع أن يحقق تقدما ملحوظا في حل الأزمة، لأن الحل يكمن في اللقاءات المباشرة والاستماع الجيد للأطراف، ثم إجراء لقاءات مباشرة بين الأطراف دون تهديد أو وعيد".
وكان المبعوث الأممي، توم بيريللو، أعلن الأربعاء قبل الماضي، في مؤتمر صحفي في نيروبي، عن خطوات وترتيبات تقودها أمريكا لوقف الحرب قبل أن يتراجع عنها منذ أيام، تتمثل في إعداد قوات تدخل أفريقية لحماية المدنيين في السودان، بعد تعثر محادثات جنيف في التوصل إلى وقف إطلاق النار والعدائيات بسبب رفض الجيش السوداني المشاركة فيها، وفقا لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية.
وقال بيريلليو إنه "تم فتح قنوات اتصال مع الاتحاد الأفريقي من أجل إعداد وتجهيز تلك القوات للتدخل لحماية المدنيين، لكنه لم يحدد موعد لتلك القوات".
وأعلن الجيش السوداني، مساء الجمعة الماضي، سيطرته بشكل كامل على حي في مدينة بحري المتاخمة للعاصمة السودانية الخرطوم شمالا، وهي المدينة التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع منذ بدء الحرب منتصف أبريل/نيسان 2023.
وتتواصل المعارك بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف نيسان/ أبريل 2023، ما أسفر عن نحو 13 ألفا و100 قتيل، فيما بلغ إجمالي النازحين في السودان نحو 7.9 مليون شخص، ونحو 2.1 مليون شخص إلى دول الجوار، بحسب بيانات الأمم المتحدة.