تأتي المبادرة الفرنسية، بالتزامن مع التحركات الأمريكية والعربية لاحتواء الحرب في الجنوب، بيد أنها لم تستضف دولا مؤثرة في لبنان، على رأسها إيران والولايات المتحدة الأمريكية.
ويطرح بعض المراقبين تساؤلات بشأن أهمية المبادرة، ودلالة توقيتها، ومدى إمكانية أن تسهم في حلحلة الوضع، لا سيما في ظل الدور الأمريكي المتماهي مع إسرائيل.
وتواصل إسرائيل غاراتها الجوية على أجزاء متفرقة من لبنان، في ذات الوقت الذي يشن فيه "حزب الله" هجمات صاروخية وهجمات بالطائرات المسيرة ضد إسرائيل.
وبداية أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أعلن الجيش الإسرائيلي بدء تنفيذ عملية برية "محددة الهدف والدقة" في جنوب لبنان، ضد أهداف وبنى تحتية لـ"حزب الله"، في عدد من القرى القريبة من الحدود، بينما أعلنت وزارة الصحة اللبنانية مقتل أكثر من 2400 شخص وإصابة نحو 11 ألفا آخرين منذ بدء القصف الإسرائيلي على لبنان.
رسائل سياسية
اعتبر الدكتور حسان الأشمر، الأكاديمي اللبناني، أمين عام "الجمعية العربية للعلوم السياسية"، أن "المؤتمر الذي سيعقد في فرنسا، والذي جاء بمبادرة من الرئيس ماكرون، يضم مجموعة كبيرة من الدول الصديقة للبنان، حيث تحاول فرنسا أن تؤمن الدعم السياسي والدبلوماسي والمادي للبنان، في ظل هذه الحرب الضاغطة عليه".
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، تأتي المبادرة الفرنسية في ظل الضغط الأمريكي الذي تمارسه واشنطن، على المستوى السياسي عن طريق مبعوثها للبنان، الذي حاول فرض شروط إسرائيل، وهذا ما لا يمكن أن يتم في ظل الصمود الواضح للمقاومة وعجز إسرائيل عن التقدم واحتلال أجزاء واسعة من الأراضي اللبنانية، وفي ظل تصاعد صواريخ "المقاومة"، على تل أبيب وحيفا والشمال الإسرائيلي بشكل عام.
وقال إن "فرنسا تحاول من خلال علاقاتها التاريخية مع لبنان والشعب اللبناني، وهي على ذات صلة بمؤسسات حكومية وتربوية، أن تكرّس هذه العلاقة عبر تقديم الدعم للبنان على الأقل على المستوى السياسي والدبلوماسي والمادي".
ويرى أن "هذه الخطوة تبعث برسائل إلى بعض الدول وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل، بأن لبنان ليس متروكا لوحده ولا يمكن الذهاب للحد الذي يسمح معه بتدمير لبنان سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، خاصة في ظل تركيبة لبنان السياسية والاجتماعية، التي تؤثر عليها الحرب بشكل كبير".
وأوضح الأشمر أن "ماكرون يسعى لإرسال رسالة للبنانيين بأن فرنسا ستبقى داعمة للشعب اللبناني والحكومة اللبنانية، وستساند لبنان وتؤمن الدعم الدولي له".
عرقلة أمريكية
بدوره، اعتبر المحلل السياسي اللبناني سركيس أبو زيد، أن "الدعوات وترتيب الحضور والغياب، يؤكد أن المؤتمر له طابع فرنسي، مما يدفع الولايات المتحدة الأمريكية للتحرك من أجل وضع كل العراقيل أمامه لعدم نجاحه، حيث تريد أن تتفرد وحدها بهذه المسائل".
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، يشكل المؤتمر دعامة يحتاجها لبنان على مستوى المساعدات الاقتصادية والمالية والدعم الدولي، حيث يمكن للمؤتمر أن يحقق فائدتين، الأولى وضع خطة مالية من أجل تعويض لبنان وإطلاق العجلة الاقتصادية التي يحتاجها، والثانية توفير الدعم الدولي لفرض وقف إطلاق النار والدخول في تسوية سياسية.
وتابع: "يمكن للمؤتمر أن يشكل دعامة مالية للبنان إذا توفر له النجاح والدعم، لكن سيكون هناك موقف معرقل من قبل واشنطن، التي تريد أن تتفرد بهذا الوضع، وأن يكون لها الكلمة الفصل في هذه المسائل".
ويرى أن "الولايات المتحدة الأمريكية منشغلة بأمور الانتخابات، ومطلوب من فرنسا أن تسرع في خطواتها، وتسعى لإنجاح مؤتمرها لأنه يعطي دورا لأوروبا وفرنسا تحديدا، لإخراج المنطقة من حالة التفرد الأمريكي بمسائل الصراع والهدنة"، معتبرًا أن "إنجاح المؤتمر خدمة للبنان، الذي يقع على عاتقه القيام بدور فاعل للاستفادة القصوى من الدعم الدولي والمالي المقدم في المؤتمر".
وكان وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قد أعلن في وقت سابق، اعتزام بلاده اتخاذ إجراء قانوني ضد قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعدم السماح للشركات الإسرائيلية بعرض منتجاتها في معرض "يورونافال" للدفاع البحري بباريس، المزمع إقامته الشهر المقبل.
ويأتي القرار الفرنسي بشأن معرض الدفاع البحري في ظل التوتر بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في الأيام الماضية، مع مواصلة إسرائيل حربها بقطاع غزة وتكثيف غاراتها على لبنان.
وكررت باريس الدعوة إلى وقف لإطلاق النار في لبنان وقطاع غزة، كما انتقدت الغارات الإسرائيلية "المتعمدة"، التي طالت قوة الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل) في جنوب لبنان، في خضم المعارك البرية بين إسرائيل و"حزب الله".
وفي 5 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، دعا ماكرون، إلى وقف تزويد إسرائيل بالأسلحة، التي تستخدمها في حربها بقطاع غزة، معتبرًا أن "الأولوية هي الحل السياسي للوضع".
واستنكر نتنياهو، تصريحات الرئيس الفرنسي، المطالبة بحظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، في ظل مواصلة حرب بلاده على غزة ولبنان.