وأصدر قادة دول "بريكس"، اليوم الأربعاء، تعليمات لوزراء المالية ورؤساء البنوك المركزية بمواصلة النظر في مسألة استخدام العملات الوطنية وأدوات الدفع والمنصات.
وجاء في إعلان قازان لدول "بريكس"، "تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين"، الذي نشر على موقع الكرملين الرسمي: "نوعز إلى وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في بلداننا بمواصلة النظر في مسألة استخدام العملات الوطنية وأدوات ومنصات الدفع وتقديم تقرير عن النتائج خلال الرئاسة المقبلة".
كما دعا قادة دول "بريكس" إلى تعزيز شبكات بنوك المراسلة بين دول المجموعة، ورحبوا باستخدام العملات الوطنية في المعاملات المالية بين دول المجموعة وشركائها التجاريين.
في الإطار، قال الدكتور عماد عكوش، الخبير الاقتصادي اللبناني، إن أهم ما تتضمنه "قمة بريكس" من مؤشرات اقتصادية، هي أن مجموع الدول المنضوية لها والتي تضم البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب إفريقيا، تمثل حوالي 28% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأكثر من 40%من إنتاج النفط، مع التوسع المحتمل بضم دول جديدة مثل السعودية، الإمارات، وإيران، تركيا، وأثيوبيا، يمكن أن يصل الناتج الوطني إلى حدود 34%، وما تملكه من احتياطات الطاقة سواء من الغاز أو النفط، يمكن أن يتجاوز 50 بالمئة.
مواجهة النفوذ الاقتصاي الغربي
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك" أن القمة تهدف لتعزيز التعاون بين هذه الدول في مواجهة النفوذ الاقتصادي الغربي، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي في التعاملات التجارية الدولية عبر إيجاد بدائل لهذا الموضوع.
وأوضح أن أحد أبرز التغييرات التي قد تحدثها المجموعة، هو إنشاء نظام دفع بديل يعتمد على العملات الوطنية للدول الأعضاء بدلاً من الدولار، وهو ما يعرف بـ "بريكس بريدج" والذي قد يحاكي نظام "سويفت الغربي" لكنه يعتمد على تكنولوجيا البلوكشين لتحويل العملات، وتسهيل المعاملات التجارية دون الحاجة إلى الدولار.
كما تتجه المجموعة نحو إصدار عملة احتياطية جديدة محتملة قد تكون مدعومة بالذهب، بنسبة يمكن أن تصل إلى 50%، إضافة إلى العملات المحلية، وهو ما من شأنه تعزيز استقلاليتها المالية في التعاملات التجارية الدولية.
ويرى أن المجموعة تمثل تحالفًا مهمًا للدول النامية التي تسعى إلى التخلص من الهيمنة الاقتصادية الغربية، والتي تنهك اقتصادها وتجعلها دول مستهلكة وغير منتجة، مع وضع يد الغرب على مواردها الاقتصادية بالكامل.
وفق عكوش، يمكن أن توفر مجموعة "بريكس" للدول النامية فرصة للحصول على ما تحتاجه من تمويل عبر "بنك التنمية الجديد" الذي يدعم البنية التحتية والاستثمارات دون الاعتماد على المؤسسات المالية الغربية التقليدية، مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي.
التبادل بالعملات الوطنية
وهناك جهود مكثفة من "بريكس" لتعزيز استخدام العملات الوطنية في التعاملات التجارية، مما يساعد على تخفيض الاعتماد على الدولار كعملة لتسديد التعاملات التجارية، فيما بينها.
وأشاد عكوش، بما حدث في قطاع النفط، حيث أجريت نحو 20%، من المعاملات خارج إطار الدولار في عام 2023، ومن المتوقع أن تزيد هذه النسبة في المستقبل.
ويرى أن الخطوة يمكن أن يبنى عليها في المستقبل لزيادة حجم التجارة بين هذه الدول وزيادة الاعتماد على العملات المحلية دون الدولار الأمريكي.
يقول الدكتور عبد الله يوسف آل ناصر، القانوني الإماراتي والمحلل السياسي، إن قمة "بريكس" لعام 2024 المنعقدة في مدينة قازان الروسية تعد حدثًا مهمًا في مسار التحولات الاقتصادية العالمية، تضم المجموعة البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، بالإضافة إلى انضمام دول جديدة مثل مصر، السعودية، والإمارات.
نموذج اقتصادي متعددة الأقطاب
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن مجموعة "بريكس"، التي تمثل حوالي 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، تسعى إلى بناء نموذج اقتصادي متعدد الأقطاب، بعيدًا عن الهيمنة الاقتصادية التقليدية لبعض القوى العالمية والاقتصادات المهيمنة.
وتابع: "تعد بريكس مؤشرًا هامًا للتحولات الاقتصادية الدولية، حيث تسعى الدول الأعضاء إلى تعزيز التعاون الاقتصادي، فيما بينها لتجاوز التحديات الناشئة عن تقلبات الأسواق العالمية".
واستطرد: " تركز قمة "بريكس" على تعزيز نظام اقتصادي جديد يقوم على التعددية والتعاون بين دول الجنوب العالمي، هذا النهج يهدف إلى تقديم بدائل عن الأنظمة الاقتصادية العالمية التي تعتمد على هيمنة قوى معينة، ومن المتوقع أن تؤدي هذه التحولات إلى تقليل الاعتماد على المؤسسات المالية التقليدية وتقديم بدائل مالية وتجارية أكثر عدالة وملاءمة لاحتياجات الدول النامية، عوضاً عن الاعتماد على عملة واحدة تسيطر على قطاعات الاقتصادات العالمية".
ويرى أن توسيع المجموعة ليشمل دولًا جديدة يعزز من قوتها وتأثيرها في الاقتصاد العالمي، حيث يساهم في بناء تكتل اقتصادي يتفاعل مع التحديات العالمية بشكل أكثر استقلالية، ويعزز من فرص النمو الاقتصادي للدول الأعضاء.
ولفت إلى أن توسيع المجموعة ينعكس إيجابا على الدول النامية لجهة تعزيز مصالحها الاقتصادية بعيدًا عن تأثيرات السياسات الاقتصادية التقليدية، من خلال التعاون المباشر مع اقتصادات ناشئة كبرى مثل الصين والهند، تتيح المجموعة للدول النامية فرصًا للاستفادة من استثمارات وتجارات جديدة تعزز من استقرارها الاقتصادي على المدى الطويل.
تعزيز الثقة
كما يسهم هذا التعاون في تعزيز الثقة بين الدول النامية وتقديم نماذج جديدة من التعاون التجاري والاقتصادي الذي يخدم مصالح هذه الدول بشكل مباشر.
ومضى بقوله: "يهدف تكتل "بريكس" إلى التعاون المالي لتعزيز التعامل بالعملات الوطنية بين دول "بريكس"، ويمثل خطوة هامة لتخفيف الضغوط المالية التي قد تواجهها هذه الدول عند التعامل التجاري".
وشدد على أن هذا التوجه يعزز قدرة الدول الأعضاء على تطوير نظمها المالية الخاصة والتفاعل مع الأسواق العالمية بمرونة أكبر، مما يسهم في تقليل التبعية الاقتصادية ويزيد من قوة هذه الدول في مواجهة التحديات المالية الدولية.
نظام اقتصادي جديد
وختم بقوله: "إن قمة قمة بريكس 2024 تشكل علامة فارقة في مسيرة المجموعة نحو بناء نظام اقتصادي جديد يعزز من التعددية والتعاون بين الدول النامية والاقتصادات الناشئة، من خلال تعزيز التعاون المالي والتجاري، فيما تسعى "بريكس" إلى تقديم نموذج اقتصادي أكثر عدالة واستدامة، مما يساعد الدول الأعضاء على تجاوز التحديات الاقتصادية العالمية وتعزيز نموها الاقتصادي المستدام، دون حكر ذلك على نظام اقتصادي أو عملة واحدة".
وانطلقت فعاليات اليوم الثاني لقمة "بريكس" 2024، صباحا في مدينة قازان الروسية، اليوم الأربعاء، ووصل عدد من الزعماء والقادة والضيوف إلى المدينة للمشاركة بالقمة التي ستعقد اليوم بشكل موسع.