ما دلالات تحذير المبعوث الأمريكي توم بيرييلو من تدفق السلاح للسودان وحث دول الجوار على دعم السلام وليس تأجيج الحرب..وهل تلعب واشنطن دورا قادما في الصراع الدائر بعد الانتخابات التي تجرى في الوقت الراهن؟
بداية يؤكد أبي عز الدين، المدير الأسبق لإدارة الإعلام في الرئاسة السودانية " أن الولايات المتحدة الأمريكية ارتكبت العديد من الأخطاء في السودان، الأمر الذي أدخل البيت الأبيض في حرج كبير مع بعض المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان.
حرج كبير
وقال في حديثه لـ"سبوتنيك": "وقعت الولايات المتحدة الأمريكية في عدة أخطاء من جراء تساهلها مع تصنيف الدعم السريع كمليشيا إرهابية، و ضمها ضمن الجهات المستهدفة في الحرب على الإرهاب في الشرق الأوسط، وهذا الانحياز ومساواة الجيش النظامي للدولة بمليشيا، أدخل الإدارة الأمريكية في حرج كبير مع بعض المنظمات الدولية وضغوط حقوق الإنسان،خاصة في الداخل الأمريكي".
وأضاف عز الدين، "في ظل الانتخابات الأمريكية اليوم، يريد المبعوث الأمريكي المُقرب من الحزب الديمقراطي تبييض وجه إدارة بايدن وكمالا هاريس، عبر تصريح حول تدفق السلاح عبر تشاد إلى مليشيات الدعم السريع، خصوصا مع تصعيد السودان ضد تشاد في الاتحاد الافريقي منذ يومين".
وأشار عز الدين، إلى أن "هذه الخطوة من المبعوث الأمريكي هي خطوة متأخرة في ملف السودان، ومتعلقة فقط بتوقيت التصويت في الانتخابات الأمريكية".
الإجراءات الأمريكية
من جانبه يقول وليد أبو زيد، المحلل السياسي السوداني"يعتقد كثير من المراقبين و بعض ساسة دول العالم الثالث، أن الولايات المتحدة الأمريكية لديها قدرات خارقة أو غير اعتيادية على التحليل والاستنتاج، فيما يخص دول الشرق الأوسط او حتى بقية دول العالم".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "الحقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية كثيرا ما تقع فريسة التضليل وانعدام الرؤى السليمة حينما تقوم أو تتخذ إجراءات محددة تجاه دول المنطقة، و للأسف فإن إجراءاتها تعرض أمن و إستقرار كثير من دول العالم أحيانا للخطر كما حدث في العراق و أفغانستان، وقبلهم فيتنام و ربما حاليا نموذج أوكرانيا غير بعيد من المأساوية التي تسببها عقلية من يكتبون و يقدمون مشورتهم للإدارة الأمريكية".
تأجيج الحرب
وتابع: "الولايات المتحدة الأمريكية حين تحاول إصلاح ما افسدته تقارير أجهزتها الأمنية، تقوم بإجراءات تعقد المشهد أكثر، لذلك تعودنا على أن لا نثق في توجهات الولايات المتحدة الأمريكية، لأنها قد تتراجع عنها حسب مقتضيات مصالحها العليا في الفترات التي تتخذ فيها أو تصرح بها عن أزمة معينة، مثلما أقدم المبعوث الأمريكي على حث الدول على وقف تأجيج الحرب بالأمس، فقد يقوم بعد فترة ما بحث الدول نفسها على تجريم طرف معين و قطع التعامل معه بل عدم استقباله في أراضي هذه الدول".
وأشار أبوزيد، إلى أن "الولايات المتحدة الأمريكية لها حليفين من دول المنطقة تتعارض توجهاتهم في هذه الحرب،إحدى هذه الدول هي جارة السودان صاحبة الامتداد التاريخي السياسي و الاجتماعي و العلاقات التي تعود إلى ما قبل الميلاد بالسودان و هي دولة لن تقبل ابدا بإنهيار السودان، بالرغم من حلفها الكبير مع الولايات المتحدة الأمريكية إلا أنها لن تجاري العقلية الأمريكية حول كل اعتقاداتها و ما تنويه تجاه السودان".
وأوضح المحلل السياسي، "أن الإدارة الأمريكية تعلم أنها حين تقدم على ما قد يمس السودان في وحدته وسلامة أراضيه وسيادته، فإنها سوف تعرض حلفها الكبير مع أهم دولة صديقة لها بالشرق الأوسط للخطر، و بذلك سوف تكون قد عرضت أمن وسلامة إسرائيل للمجهول".
وفيما يتعلق بالحليف الثاني للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط يقول أبو زيد: "إن هناك دولة خليجية معروفة تدعم قوات الدعم السريع بكل شيء في هذه الحرب، بل حتى أنها تستخدم أموالها في التأثير على سياسة بريطانيا لتقديم مقترحات أو سحب تأييدها لقرارات قد تورط و تدين قوات الدعم السريع".
الجهود الدبلوماسية
وأردف: "الولايات المتحدة الأمريكية قد تضحي في الأيام المقبلة بإزعاج هذه الدولة و الضغط عليها لإيقافها عن تقديم الدعم اللوجستي والسياسي لقوات الدعم السريع، واعتقد أن الجارة التاريخية للسودان سوف تنجح في فرض رؤيتها في المنطقة حسب الجهود الدبلوماسية التي تقوم بها في الفترة الأخيرة".
ولفت أبو زيد، إلى أن "التصريح الأمريكي الأخير قد يكون تمهيد لإتخاذ قرارات قوية من شأنها وقف ما تقوم به الدولة الخليجية قريبا، وهنا نعود للقول، الولايات المتحدة الأمريكية وفي أكثر من حدث تقوم بتغيير إتجاه سياساتها بصورة مفاجئة، تجعل من غير الحكمة الاعتماد على دعمها لأنه محدود دائما".
حذر المبعوث الأمريكي إلى السودان توم بيرييلو من تدفق الأسلحة والمقاتلين الأجانب للسودان، وقال إن الانتهاكات المروعة التي تجري في مناطق مختلفة من السودان قيّد التوثيق والتحقق لتحميل الفاعلين المسؤولية.
وشدد بيرليو على أن تدفق السلاح سيكون كارثيا ومكلفا على الوضع في البلاد ومنطقة القرن الأفريقي بأكملها، وحث المبعوث الأمريكي، في مقابلة مع "سودان تربيون"، بالعاصمة الأوغندية كمبالا، الأثنين الماضي، دول جوار السودان على أن تكون قوة من أجل السلام بدلا من تأجيج نيران المعاناة في البلاد.
وأكد على أن الولايات المتحدة تقدر الدور الكبير الذي تلعبه دول جوار السودان في استقبال اللاجئين في وقت الهشاشة الشديدة، مؤكدا أنهم يعرفون أن هذا لم يكن سهلا.
وعبر المبعوث الأمريكي عن فزعه من الفظائع التي ارتكبتها قوات الدعم السريع مؤخرا في ولاية الجزيرة، مشيرا إلى أن هذه الانتهاكات تم توثيقها بالإضافة إلى ما زعمته مصادر موثوقة مؤخرا.
وجزم بأن الولايات المتحدة رائدة في فرض العقوبات على الأفراد الذين ارتكبوا هذه الفظائع، وكذلك الشركات والكيانات التي دعمت قدرتهم على ارتكاب تلك الفظائع، بما في ذلك فرض عقوبات على أفراد عائلة حميدتي لدورهم في حصار الفاشر والمشتريات المتعلقة بالفظائع التي ترتكب.
وكشف الأمريكي، عن إبلاغهم قيادة الجيش وقوات الدعم السريع بأن هناك عواقب لانتهاكات القانون الدولي الإنساني والتزاماتها بموجب إعلان جدة، وأكد أن الإجراءات ستستمر بناء على الأدلة فور وصولها بما في ذلك الأدلة التي سنطلع عليها من ولاية الجزيرة.
ووصف بيريلو بعض المزاعم حول دعم بعض دول جوار السودان لطرفي الحرب بأنها غير دقيقة في بعض الأحيان، مؤكدا تشجيع كافة الدول المجاورة ودول المنطقة على جعل هذه اللحظة مناسبة لدعم عملية السلام ودعم الحوار السياسي المدني ودعم الجهود الإنسانية بدلا من دعم الحرب نفسها.
وكان رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، قد أكد في شهر أغسطس/ آب الماضي، أن الحرب لن تتوقف ما لم تتم تلبية مطالب الجيش، أبرزها انسحاب "الدعم السريع" من المدن لا سيما الخرطوم، وتسليم السلاح.
وتتواصل المعارك بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف نيسان/ أبريل 2023، ما أسفر عن نحو 13 ألفا و100 قتيل، فيما بلغ إجمالي النازحين في السودان نحو 7.9 مليون شخص، ونحو 2.1 مليون شخص إلى دول الجوار، بحسب بيانات الأمم المتحدة.