سوريات وافدات من لبنان لـ"سبوتنيك": هربنا من "دلف" الإرهاب فتلقفنا "مزراب" إسرائيل
لم تندمل آلام اللاجئات السوريات في لبنان من أنياب الإرهاب الذي دمر منازلهن ونهش حيواتهن وألقى بهن إلى حياة النزوح في لبنان، حتى تلقفتهم آلة الحرب الإسرائيلية على هذا البلد الجار، لتجبرهن على إعادة كرة النزوح في حلقة مفرغة لا يعرفن لها قرار.
Sputnikفي خضم تجربتهن الاستثنائية، تراكم لدى اللاجئات السوريات فهم عفوي مواز لما يجري في هذه المنطقة الشرق أوسطية، ذلك أن عودتهن اليوم، جاءت كنزوح متجدد مستمر بدأ مع نزوح آخر حين أغارت المجموعات الإرهابية على مدنهن وقراهن!.. ليس ذلك فحسب، إذ إن نظرة مريبة باتت تكلل إدراكهن مع تهليل المجموعات الإرهابية المسلحة لآلة القتل الإسرائيلية كلما همت بحصد المدنيين في فلسطين ولبنان وسوريا، لا بل وذهاب تلك المجموعات إلى "توزيع الحلوى" مع كل عملية اغتيال تنفذها إسرائيل لأحد قياديي المقاومة.
مواطنو ريف حلب... بين نزوحين
الوافدون السوريون والفلسطينيون من لبنان إلى أرياف حلب وإدلب، يجسدون مثالا حيا لما حلّ بأهالي هذه المنطقة من نزوح وموت طويلين، جراء عمليات القصف والتدمير الإسرائيلية للبشر والحجر.
بعد وصولها بأمان إلى أحد مراكز الإيواء في منطقة "السفيرة" في ريف حلب الشرقي، تروي السيدة الأربعينية، سكرة عبد، قصتها الموجعة لـ "سبوتنيك": "حينما نزحت مع عائلتي من منطقة البقاع بعد اشتداد القصف الإسرائيلي العشوائي، عادت إلى ذاكرتي سنوات إلى الوراء عندما اضطرانا إلى ترك بيتنا بسبب دخول المجموعات الإرهابية المسلحة.. عشنا أيام سوداء يصعب محوها، بعد ما كانت حياتنا مستقرة في بلدنا".
وبعد تنهيدة طويلة، أضافت السيدة سكرة الأم لأربعة أولاد: "كنا نجهد لتأمين مستلزمات المعيشة، كل شيء كان صعب وقاس، وحينما بدأنا نتدبر أمرنا وشعرنا بالاستقرار في لبنان، جاء الاحتلال الإسرائيلي ليدمر حياتنا من جديد، كما دمر حياة آلاف العائلات السورية واللبنانية".
رحلة الموت وصولا إلى المعبر الدولي
تستطرد السيدة "سكرة" في حديثها بوصف اللحظات التي عاشتها عند الهروب من ملاحقة القصف الإسرائيلي: "بعد قطع مسافة طويلة سيراً على الأقدام واجهتنا ظروف صعبة لحين وصولنا إلى منطقة "المصنع" الحدودية".
بعد دخولها الأراضي السورية، توجهت سكرة وعائلتها على الفور إلى "السفيرة/ بريف حلب الشرقي" التي لطالما كانت أحد مقاطع "درب الآلام" الذي تمرّس السوريون على قطعه خلال سنواتهم الأخيرة.
وأضافت سكرة: "هنا (في السفيرة) شعرت بمشاعر مختلطة بين ذكريات الماضية القاسية والحنين إلى الوطن وخاصة عند الوصول إلى بيتي المدمر الذي يحتاج إلى ترميم، لكنه رغم ذلك يبقى أفضل من العيش كلاجئين، لكن المشكلة تكمن في الغلاء الكبير ولا سيما في عدم وجود عمل نستند إليه،
فاليوم نعيش على المساعدات والمعونات من هنا وهناك لتدبير أمورنا المعيشية".الصواريخ الإسرائيلية لاحقنا حتى الحدود
لم تسلم الوافدات السوريات من القصف الإسرائيلي خلال رحلة هروبهم المتمرحلة عبر مناطق عدة في لبنان، إذ أن الكثير منهم تعرض للقصف أكثر من مرة خلال رحلته نحو سوريا.
وقالت السيدة الحلبية عائشة شواخ لـ"سبوتنيك": "الكيان الصهيوني يستهدف البشر والحجر.. ظلت الضربات الإسرائيلية تلاحقنا منذ خروجنا من منزلنا في الضاحية الجنوبية ببيروت بعد اشتداد القصف، وحتى قبل وصولنا إلى الحدود السورية بدقائق قليلة، تعرضنا للقصف مجدداً، ولولا لطف الله لكنت أنا وزوجي وابني في عداد الأموات".
نزوح لمرة ثانية
وأضافت السيدة شواخ: "تجاوز عمري الستين عاماً، وهو لا يسمح لي بتحمل مشقة النزوح مرة ثانية، لكن حينما كنت أشاهد جموع الوافدين السوريين كنت أكبس (لهجة حلبية ومعناها "أضغط") على وجعي وأصبر وأتابع المسير، ممنية النفس برؤية أهلي من جديد بعد غياب قسري قارب الـعشرة سنوات".
وعبرت شواخ من خلال "سبوتنيك" عن تمنياتها "بإنتهاء الحرب بأقرب وقت واستعادة سوريا وفلسطين ولبنان أمنهم مع كسر شوكة إسرائيل وهزيمتها على يد المقاومين كرمى آلاف الأبرياء الذين قتلوا بدم بارد بطيرانها المعادي".
في خضم الحرب
تبدو السيدة الثلاثينية، عبير محمد، أكبر من عمرها بكثير بسبب الإرهاق المزمن الذي عانته خلال سنوات اللجوء التي اختتمتها بهروب مأساوي أمام القصف الإسرائيلي المتمدد.
وقالت عبير لـ"سبوتنيك": "كنت أهرب من مكان إلى آخر في لبنان أمام الغارت الإسرائيلية للنجاة مع جنيني الذي انتظرته لسنوات، انتقلت من
حي إلى آخر في منطقة "جونية" لتفادي الغارات الصهيونية".وأضافت عبير: "كان الخوف يخترق قلبي مع كل غارة جديدة خشية من فقدان جنيني، لقد انتظرت طويلا حتى رزقني الله بهذا الجنين.. وبعد فقدان الأمل من توقف العدوان، عدنا إلى مسقط رأسنا في حلب".
وطالبت محمد عبر "سبوتنيك" بتقديم المزيد من الدعم من المنظمات الإنسانية للتخفيف من معاناة الوافدين وظروفهم المعيشة الصعبة.
من "دلف" الإرهابيين إلى "المزراب" الإسرائيلي
تعيش فاطمة عمر، وهي أم لخمسة أولاد، ذات المشاعر المؤلمة لمواطنتها عبير، بعدما قاست ذات التجربة المزدوجة بمرارتها قبل الوصول إلى مكان آمن على الحدود السورية اللبنانية، تارة خروجا من سوريا، وأخرى عودة إليها.
وقالت فاطمة لـ"سبوتنيك": "هجرنا حلب تحت نيران المسلحين، وأتينا إلى لبنان بحثاً عن الأمان، لكن العيش فيه لم يكن سهلاً، فقد شقينا كثيراً لتأسيس حياة بسيطة وتأمين مستلزمات المعيشية، حيث عملنا في مهن عديدة لم نكن معتادين عليها في سوريا التي كنا نعيش فيها حياة كريمة قبل الحرب، لقد كنا نعمل ونأكل من خيرات أرضنا".
وأضافت عمر: "بعد أن بدأت إسرائيل العدوان على لبنان أصبحنا كمن هرب من (الدلف لتحت المزراب/ مثل شعبي سوري يفيد بوقوع مصائب أكبر)، فعدنا إلى نقطة الصفر بعد أن دمر كل ما أسسناه في لبنان، تركنا كل شيء ورائنا ولم نأخذ سوى الأوراق الثبوتية وكأن قدر السوريين عيش الحروب بشكل مستمر".
يحدو السيدة عمر الأمل بـ "هزيمة اسرائيل ومنع تحقيق أهدافها التوسيعة ووقف عدوانها الإرهابي على العرب، وأن يكتب الله النصر للمقاومة ليعود اللبنانين والفلسطينيين والسوريين كلٌ إلى بلده ويسهموا في إعمارها من جديد".
وحول استجابة المنظمات والمؤسسات السورية، نوهت عمر بتقديم الحكومة السورية التسهيلات المطلوبة للوافدين عند عودتهم إلى بلدهم، معبرة عن آمالها بتقديم "يد المساعدة بترميم بيتنا في السفيرة الذي يشبه الخرابة حالياً".
استجابة سريعة
رغم بعد المسافة بين مدينة حلب ولبنان، فقد قدم إلى العاصمة الاقتصادية لسوريا عدد كبير من العائلات الوافدة هربا من العدوان الإسرائيلي.
كثير من تلك العائلات سكنت في بيوت يملكونها أو تم استئجارها لهم من قبل "أهل الخير)" أو لدى أقاربهم، فيما تكفلت الحكومة السورية والمنظمات الدولية والمحلية بتقديم الدعم اللازم لهم، ممنظمة "الأمانة السورية للتنمية" التي استقبلت نحو 680 عائلة سورية ولبنانية في منارتها المجتمعية بمنطقة "السفيرة".
السيدة زينة قبلاوي، مديرة المنارة المجتمعية في الأمانة السورية، قالت لـ"سبوتنيك": "منذ بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان، قامت الأمانة السورية للتنمية بتأمين الخدمات المطلوبة للوافدين عبر فرق الاستجابة القانونية الموجودة على المعابر الحدودية، ومن ثم قامت باستقبالهم في المنارات المجتمعية وتقديم الخدمات الأساسية لهم بالإضافة إلى الدعم النفسي".
وبينت قبلاوي أن "منارة السفيرة المجتمعية" تستقبل حاليا نحو 5 آلاف شخصاً من السوريين واللبنانيين.
الأطفال أولوية
وأضافت قبلاوي: "يبلغ عدد الأطفال الوافدين قرابة ألفي طفلاً، نوليهم اهتمام ورعاية خاصة، حيث نعمل بشكل حثيث على استكمال تعليمهم عبر دروس تقوية بالتواصل مع "مديرية تربية حلب" لمتابعة تحصيلهم العلمي، إلى جانب تنظيم أنشطة ترفيهية لتقديم الدعم النفسي لهؤلاء الأطفال".
وتابعت قبلاوي، بالقول: "كما نهتم بذوي الاحتياجات الخاصة عبر خدمات الدعم النفسي وبرنامج التأهيل والاندماج مع الأطفال الأسوياء، إضافة إلى تقديم الخدمات الطبية للمحتاجين ممن يعانون من ضعف النظر عبر تأمين فحص للعيون وتقديم النظارات الطبية".
وأكدت قبلاوي أن منارة السفيرة المجتمعية تدعم سبل العيش للنساء الوافدات لتمكينهم من الحصول على فرص عمل عبر الاستفادة من دورات تدريبية على الخياطة وغيرها، ما يساعدهم على مواجهة الحياة وتأمين مستلزمات المعيشة.