فهل تعرقل أمريكا مساعي الحل والسلام في اليمن وتشعل الجبهات مجددا بين "أنصار الله" والشرعية، من أجل استكمال مخططها في المنطقة، أم أنها ابتعدت عن المشهد و تراقب الأوضاع من بعيد؟
بداية يقول أكرم الحاج، الكاتب والمحلل السياسي من العاصمة اليمنية صنعاء، "شأن الولايات المتحدة الأمريكية كما هو الحال في معظم الدول العربية وغير العربية، هى دولة استعمارية حديثة، أي من الاستعمار العسكري إلى الاستعمار الاقتصادي واستخدام القوة الناعمة كما هو حاصل اليوم، حيث تدير واشنطن علاقاتها الخارجية وفق ما يحقق مصالحها دون النظر إلى مصالح الآخرين".
وسيط غير حيادي
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "يفترض أن أمريكا كدولة عظمى في العالم أن تكون مثلا وقدوة لدول العالم في احترامها للقيم الإنسانية ومواثيق الأمم المتحدة التي تظهر احترامها في العلن وتمارس الضغوط في الخفاء، ما يعني أنها لا تسعى لحل المشاكل والنزاعات، بل تعمل على تعقيدها ولا تستخدم الوساطة بشكل حيادي، إنما تنحاز للطرف الذي يحقق مصلحتها على حساب الآخرين".
وفي ما يتعلق بالملف اليمني يقول الحاج:"الجميع يعرف أن الطائرات الأمريكية شاركت في قصف اليمن وأن علاقتها تجنح كما تريد هى والمملكة العربية السعودية، ووفقا لكل المعطيات التي رأيناها طوال السنوات الماضية، لا يمكن أن تلعب واشنطن دورا إيجابيا في حلحلة الملف اليمني سواء على المستوى الاقتصادي أو الإنساني، حيث أن تلك الملفات كانت قد وصلت إلى درجات كبيرة من الحل طوال السنوات العشر الماضية، لكن مع الأسف لم يلعب مبعوث واشنطن لليمن أي دور ملموس من أجل الحل، بل إنهم يديرون الملف حسب مزاجية الأحداث في المنطقة العربية والعالم، وأعتقد أن الحرب في غزة سوف تؤثر كثيرا على العلاقات بين اليمن والسعودية".
المصالح الأمريكية
وأكد المحلل السياسي، "أن الأجندة الأمريكية في المنطقة العربية بدأت تتعثر بعد الحرب في غزة واعتلاء أنصار الله المشهد اليمني السياسي والعسكري، فصفقة القرن التي كانوا يريدونها بدأت تتعثر ولا يستطيعون تمريرها، علاوة على العقلية القادمة مجددا لرئاسة الولايات المتحدة والتي تمثل غطرسة جديدة من غطرسات البيت الأبيض، في الوقت الذي نشاهد فيه وقوف كل اليمنيين شمالا وجنوبا مع القضية الفلسطينية، واستطاعت أنصار الله أن تترجم موقفها إلى أفعال على عكس الحكومة الشرعية".
طبيعة الحرب
في المقابل يقول عبد العزيز قاسم، القيادي في الحراك الجنوبي اليمني: "لا بد من الإشارة إلى طبيعة الحرب في اليمن ومدى تأثير العامل الخارجي بدرجة أساسية في هذه الحرب، وكيف اندلعت وأسبابها والعوامل الخارجية المؤثرة في أحداثها، وهنا ندرك بشكل عميق وملحوظ، بأن عملية السلام والحديث عنها منذ سنوات وإن كانت تحديدا منذ عامين".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "كل السياقات المتصلة بعملية السلام في اليمن تجعلنا ندرك حقيقة التأثير الأمريكي المباشر في عرقلة السلام ليس في اليمن بل في المنطقة، وفق سياسات ومقايضات تبعا للمصالح الأمريكية، وإن كان السلام والحرب يُدار تحت إشراف الرعاة الرسميين (دول التحالف العربي)، لكنها (دول التحالف) بعد أن توصلت إلى اتفاقات جانبية أو على انفراد مع بعض قوى الصراع".
أوراق ضغط
وأشار قاسم إلى أن "الواقع يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن أمريكا تمتلك ملف السلام وتحركه وفق هواها، وكما رأيناه أخيرا في الدفع الأمريكي لإيجاد تكتل من بعض القوى القديمة أعني قوى الصراع، والتي لا تمتلك قرارها بما يعني أن أمريكا تعرقل عملية السلام وتستخدمه كأوراق ضغط تديرها وفقا ومصالحها".
ولفت قاسم إلى أن "أمريكا قادرة على الدفع بعملية السلام، لكنها لا ترى مصلحة فيها في هذه المرحلة، ويبدو أن السلام باليمن مرتبط بما يدور في المنطقة كـ لبنان وفلسطين، ويدار وفق خيوط عنكبوتية من البيت الأبيض".
الإرهاب والطاقة
بدوره يقول الدكتور عبد الستار الشميري، رئيس مركز جهود للدراسات باليمن، "إن السياسة والرؤية الأمريكية تجاه اليمن هى براغماتية نفعية وتنحصر في ملفين لا ثالث لهما (الإرهاب والطاقة)، هذان الملفان هما اللذان تنظر إليهما أمريكا في اليمن، لا يعنيها بعد ذلك أن تكون هناك حرب داخلية أو حل سياسي".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "طالما أن المصالح الأمريكية في اليمن والمنطقة مؤمنة من الجماعات الإرهابية والأمور مستقرة في البحر الأحمر، فإن واشنطن لا تعبأ بأي شيء آخر، لذلك فإن هذين الملفين هما عين الأمريكان في اليمن، ومن خلالهما نستطيع أن نكتشف ماذا تريد واشنطن من اليمن".
واندلعت، الأحد الماضي، مواجهات بين الجيش اليمني وجماعة "أنصار الله" في محافظة مأرب شمال شرقي البلاد مسرح القتال الأعنف بين الجانبين منذ أعوام.
وأفاد مصدر عسكري يمني لـ"سبوتنيك"، في وقت سابق بأن "مواجهات دارت بمختلف الأسلحة بين الجيش اليمني ومجاميع من "أنصار الله" على خطوط التماس في مديرية رغوان شمال غربي مأرب".
وأضاف أن "أنصار الله" شنت خلال المواجهات، هجوماً جوياً بطائرة مُسيرة مفخخة استهدفت موقعاً متقدماً للواء التاسع حرس حدود في جبهة رغوان.
وذكر أن المواجهات أسفرت عن مقتل جندي وإصابة 5 آخرين، في حين سقط قتيلان وعدد من الجرحى في صفوف "أنصار الله".
وأشار إلى أن القتال يأتي بعد أيام من اندلاع مواجهات مماثلة، بين اللواء 72 مشاة في الجيش اليمني، و"أنصار الله"، في جبهة المَّشْجح غرب مأرب.
ويأتي التصعيد الميداني بعد هدوء نسبي بين الجيش اليمني و"أنصار الله" في جبهات القتال في محافظة مأرب، منذ أشهر، إذ قتل جنديان وأصيب آخر، في 27 آب/ أغسطس الماضي، إثر هجوم طائرة مُسيرة للجماعة على موقع لـ "ألوية العمالقة الجنوبية" العاملة ضمن القوات اليمنية المشتركة في جبهة حَّريب جنوب مأرب.
وكان المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، قد أكد منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حدوث تصعيدات عسكرية عرضية في جبهات القتال بين قوات الحكومة اليمنية و"أنصار الله"، معتبراً ذلك تذكيراً بهشاشة الوضع.