يذكر أن الوساطة التركية بين الصومال وإثيوبيا خلال جولتين من المحادثات استضافتها أنقرة، لم تحقق تقدما يذكر بشأن الاتفاق الموقع بين أرض الصومال وأديس أبابا والذي يمنح إثيوبيا منفذا عسكريا واقتصاديا على البحر الأحمر، وهو ما تعتبره مقديشو تعديا على سيادتها وأمنها القومي.
وتتمتع تركيا بعلاقات وثيقة مع إثيوبيا والصومال، وتتوسط أنقرة في القضية التي تثير خلافا بين الجارتين اللتين تجمع بينهما علاقات متوترة، وذلك بهدف السماح لإثيوبيا بالوصول إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادتها الإقليمية.
هل تنجح الوساطة التركية في الجولة الثالثة التي يحضرها رئيسي البلدين لأول مرة، الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، في انهاء الخلاف بين الجارتين ومنع تطوره إلى صراع جديد في المنطقة؟
مؤشرات إيجابية
بداية، يقول عمر محمد، المحلل السياسي الصومالي: "على الرغم من إعلان الصومال تشبثه بموقفه الداعم لحماية سيادة البلاد ووحدة وسلامة أراضيه، إلا أن هناك ملامح تشير إلى إمكانية نجاح الجولة الجديدة من المفاوضات مع إثيوبيا".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "من الأشياء التي قد تبعث بأن هناك بوادر قد تحقق تقدما في الجولة الثالثة من المفاوضات هذه المرة، أن مستوى الوفود الرسمية يتمثل في أعلى الجهات في الدولتين، حيث يتزعم كل من رئيس الصومال ورئيس الوزراء الإثيوبي، وفدا الطرفان".
وتابع محمد: "علاوة على التمثيل العالي في وفدي البلدين، يبدو أن هناك رغبة لدول المنطقة في إنهاء هذه الأزمة الدبلوماسية بين دولتين من دول القرن الأفريقي، حيث أعلن السيد روتو رئيس كينيا، أثناء القمة الأخيرة لمجموعة شرق أفريقيا المنعقدة الشهر الماضي في مدينة عروشا التنزانية، عن رغبته هو والرئيس الأوغندي في الجمع بين الرئيس الصومالي ورئيس وزراء إثيوبيا في لقاء لبحث سبل تخفيف حدة التوتر في المنطقة التي تحتاج إلى مزيد من الاستقرار السياسي والأمني".
عقبات في الطريق
وأشار المحلل السياسي، إلى أنه "رغم كل المؤشرات الإيجابية السابقة، إلا أن عدم إلغاء إثيوبيا لمذكرة التفاهم غير القانونية مع أرض الصومال والتي أشعلت فتيل هذه الأزمة، قد يمثل حجر عثرة يعيق تحقيق تقدم في هذه المفاوضات ووصولها إلى نتائج مثمرة للجانبين وللمنطقة بشكل عام".
ويقول محمد: "ما كان لتركيا استئناف هذه المفاوضات، ما لم تحصل على ضمانات أو تطلع على تغيرات في مواقف الطرفين، في نفس الوقت تتداول مصادر إخبارية غير رسمية أنباء عن تراجع إثيوبيا عن موقفها الرافض لإلغاء المذكرة، بل تضيف الأنباء بأن إثيوبيا مستعدة لإلغاء هذه المذكرة، مقابل التصالح والاتفاق المراعي لقواعد العلاقات الدولية، مع الحكومة الفيدرالية الصومالية التي قررت عدم بقاء القوات الإثيوبية في البعثة الجديدة لقوات حفظ السلام في الصومال، كرد فعل للتصرف الإثيوبي المنتهك لسيادة البلاد ووحدة أراضيها".
ولفت محمد، إلى أن "الأحداث والتغيرات المتسارعة في المنطقة وفي العالم بسبب العدوان على غزة أو العمليات الروسية في أوكرانيا، تحتم على دول المنطقة مراعاة مصالحها عن طريق مبدأ التعايش السلمي، واحترام الدول لسيادتها ووحدتها الوطنية وسلامة أراضيها".
خطوة في الاتجاه الصحيح
في المقابل، يقول ياسين أحمد رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية: "من المبكر الحكم على ما سينتج عن القمة التي تعد الأولى بين الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، ضمن الجولة الثالثة من المفاوضات التي ترعاها تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، وفي كل الأحوال يُعد اللقاء خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح".
وأضاف في في حديثه لـ"سبوتنيك": "على كل حال فإن لقاء رئيسي البلدين لأول مرة ضمن جولات التفاوض بين الصومال وإثيوبيا برعاية تركيا هو شىء إيجابي في حد ذاته، حيث كانت اللقاءات والجولات السابقة تتم على مستوى وزراء خارجية البلدين، أما اليوم فهو قمة بين البلدين على مستوى الرؤساء أو قمة هرم السلطة في البلدين".
وتابع أحمد: "استئناف الجولة الثالثة هو نوع من الوعي لدى كل الأطراف بأنه لا حل لأي من الأزمات سوى بالحوار وإيجاد تفاهمات مشتركة للوصول إلى الحلول السلمية والسياسية".
تفاؤل حذر
وعبر رئيس المعهد الإثيوبي، عن تفاؤله من تلك القمة التي تجمع بين الرجلين، لكن طبعا لا نستطيع أن نحكم على مخرجات القمة أو الوساطة التركية قبل أن نرى مخرجات هذا اللقاء الأول أو مخرجات الجولة الثالثة للحوار بين إثيوبيا والصومال، لأن هناك تحديات تواجه كلا البلدين، في الصومال الانتخابات الأخيرة التي جرت في جوبالاند دون موافقة الحكومة المركزية في في مقديشو، علاوة على التحديات الأمنية ويواجهها بشكل خاص الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود".
وأردف أحمد: "هناك أيضا تحديات تواجه إثيوبيا والتي تتعلق بمذكرة التفاهم التي وقعتها مع أرض الصومال، حيث لاقت تلك الاتفاقية اعتراض من الداخل الصومالي، علاوة على الاعتراض الكبير من جانب بعض الدول العربية الرافضة لها".
وعقدت محادثات بين إثيوبيا والصومال في الأول من يوليو/ تموز في العاصمة التركية، التي شهدت أيضا "جولة ثانية" من المحادثات في 13 أغسطس/ آب الجاري ولم تسفر عن نتائج ملموسة، ومن المقرر عقد جولة ثالثة من المحادثات في 17 سبتمبر/ أيلول المقبل في أنقرة.
كان الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، قد صرح بأن إثيوبيا ترفض الاعتراف ببلاده دولةً ذات سيادة، في وقت تشهد فيه العلاقات بين الجارتين توترا في أعقاب توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع منطقة أرض الصومال الانفصالية.
واتهم الرئيس الصومالي إثيوبيا بانتهاك القانون الدولي، حيث أنها "لا تزال ترفض اليوم الامتثال للقوانين الدولية كي يصبح ممكناً إجراء مفاوضات".
جاء ذلك بعدما أبرمت أديس أبابا، في يناير/ كانون الثاني، مذكرة تفاهم مع أرض الصومال للوصول إلى البحر، مع التزامها الاعتراف باستقلال هذه المنطقة التي انفصلت أحادياً عن الصومال. لكن مقديشو نددت بالاتفاق ووصفته بـ"غير القانوني".
وكانت مصر والصومال قد وقعتا اتفاقا عسكريا في إطار تطوير العلاقات والتعاون المشترك بين البلدين، قال عنه وزير الشؤون الخارجية الصومالي، أحمد فقي، إن من شأنه تمكين القوات المسلحة الصومالية من حماية سيادتها "بفاعلية أكبر".
ولفت الوزير الصومالي إلى أن الاتفاق جاء في توقيت مثالي ليعزز بشكل كبير الجهود المبذولة في مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى الارتقاء بقدرات القوات المسلحة الصومالية، مما يمكنها من الدفاع عن الوطن وحماية سيادتها بفاعلية أكبر.