ومع ذلك، تواجه المحكمة انتقادات متزايدة بسبب ممارساتها، التي تُعتبر متحيزة وانتقائية، خاصة ضد الدول الأفريقية، وفقا لتقرير نشرته منصة "تي آر تي أفريقيا" الرقمية.
ووفقا للتقرير، ركّزت المحكمة بشكل كبير منذ إنشائها على قضايا من أفريقيا، حيث شكلت أكثر من 90% من القضايا حتى وقت قريب. قضايا مثل ملاحقة الرئيس السوداني السابق عمر البشير، ونائب الرئيس الكيني وليام روتو، أثارت غضب الاتحاد الأفريقي، الذي اتهم المحكمة بالتحيز.
قضية ساحل العاج، حيث نُقل الرئيس المنتخب لوران غباغبو، إلى لاهاي بتدخل فرنسي، وتمت تبرئته لاحقًا عام 2019، إذ عُززت الشكوك حول نزاهة المحكمة.
وذكر التقرير أن المحكمة فشلت في التحقيق بجرائم ارتكبتها دول أعضاء مثل المملكة المتحدة في أفغانستان والعراق، أو جرائم نُسبت إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
على سبيل المثال، لم تتحرك المحكمة ضد إسرائيل، المتهمة بالفصل العنصري وانتهاكات حقوق الإنسان، إلا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بإصدار أوامر توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.
هذا التأخير، إلى جانب الضغوط التي واجهتها المدعية العامة السابقة فاتو بنسودة، والمدعي الحالي كريم خان، من الولايات المتحدة وإسرائيل، كشف عن معايير مزدوجة.
وأكد التقرير أن الاتحاد الأوروبي، الذي يموّل 70% من ميزانية المحكمة، مارس ضغوطًا على الدول الأفريقية للانضمام، مهددًا بقطع المساعدات.
ومع ذلك، يُنظر إلى المحكمة على أنها "مؤسسة استعمارية جديدة"، كما وصفها دبلوماسيون أفارقة بارزون.
وأشار التقرير إلى تصريح أوروبي سري لكريم خان، في 2024، بأن المحكمة "لملاحقة أشخاص مثل الطغاة الأفارقة"، عزز هذه الرواية.
جرائم الحرب الإسرائيلية المستمرة في غزة، منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، التي أودت بحياة أكثر من 70,000 فلسطيني، معظمهم نساء وأطفال، كشفت عن تقاعس المحكمة.
بينما أصدرت أوامر توقيف ضد نتنياهو وغالانت، يواصل المسؤولون الإسرائيليون السفر بحرية إلى دول أعضاء دون خوف من الاعتقال، مما يعرض مصداقية المحكمة للخطر.
وأضاف التقرير أن تعقيدات إجراءات المحكمة، التي تقتصر على قضايا تُحال من دول أعضاء أو مجلس الأمن، تحد من الوصول إلى العدالة.
وتابع: هذا النظام، إلى جانب شلل مجلس الأمن بسبب الفيتو، منع التحقيق في جرائم في اليمن. كما أن تركيز المحكمة على قادة الجرائم فقط، دون ملاحقة المنفذين المباشرين، يعيق تحقيق العدالة".
ونتيجة لهذه الانتقادات، انسحبت بوروندي من المحكمة، تلتها مالي وبوركينا فاسو والنيجر، التي اتهمت المحكمة بعدم القدرة على معالجة جرائم الحرب المثبتة.
ووفقا للتقرير، يدرس الاتحاد الأفريقي الآن تعليق التعاون مع المحكمة، مع دعوات لإنشاء محكمة جنائية أفريقية لتحقيق عدالة محلية أكثر نزاهة.
وواجهت المحكمة تحديًا طويل الأمد يتمثل في معارضة الولايات المتحدة، فقد رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فترته السابقة شرعية المحكمة، وفي بداية ولايته الرئاسية الثانية، فرض عقوبات على المدعي العام للمحكمة، في خطوة تعكس توترات سابقة ولكنها تثير مخاوف جديدة بشأن قدرة المحكمة على العمل تحت الضغوط الخارجية.