ولآلاف السنين، استخدم البشر عوامل طبيعية متنوعة لتخمير الحليب وتحويله إلى منتجات غذائية صالحة للاستهلاك، مثل اللبن الرائب والكفير والجبن، ومن أكثر الطرق التقليدية إثارة للاهتمام وأقلها شهرة، تلك التي استُخدمت في البلقان وتركيا، حيث استُخدم النمل الحي أو يرقاته كمبدئات لتحويل الحليب الدافئ إلى لبن رائب.
وأظهرت الدراسة الآليات الكيميائية الحيوية والميكروبية، التي تمكّن النمل من تحفيز عملية التخمير، مسلطة الضوء على التنوع البيولوجي الغني الكامن في ممارسات الطهي التقليدية، حسب ماورد في صحيفة "
ذا ساينتيست".
واستنادًا إلى المعرفة المتوارثة، وضعوا 4 نملات حية من الخشب الأحمر (فورميكا روفا) في مستوعب من الحليب الدافئ، وخمروه طوال الليل داخل مستعمرة نمل، وبحلول الصباح، تخثر الحليب وأصبح حامضيًا، واكتسب نكهة لاذعة مميزة، وهي جميعها سمات مميزة لتكوين الزبادي، على الرغم من الطبيعة غير التقليدية لهذه الطريقة.
وكشف البحث أن تخمير الحليب حدث بسبب "بهولوبيونت" النمل، بالإضافة إلى الميكروبات المرتبطة بها، وتشمل البكتيريا الرئيسية التي تعيش في النمل بكتيريا حمض اللاكتيك (العصيات اللبنية)، وبكتيريا حمض الـ"أسيتيك" (الأسيتوباكتيراسيا)، والبكتيريا داخل الخلايا (الأنابلازماتاسي).
إلى جانب الميكروبات، يساهم النمل نفسه "بحمض الفورميك"، وهو مركب كيميائي دفاعي ذو خصائص مضادة للميكروبات في خليط الحليب، ما يضفي نكهة مميزة على اللبن الرائب، علاوة على ذلك، أشارت التحاليل البروتينية إلى أن النمل وميكروباته تنتج "بروتيازات" و"ببتيدازات" تحلل بروتينات الحليب، مثل الـ"كازين"، للحصول على قوام كريمي للزبادي دون الحاجة إلى مستويات الحموضة المنخفضة المعتادة، ويساعد هذا النشاط الإنزيمي في تفسير كيفية تماسك اللبن الرائب الناتج عن تدخل النمل على الرغم من عدم وصوله إلى عتبات حموضة اللبن الرائب النموذجية.
وتعاون الفريق مع طهاة ماهرين لاستكشاف الإمكانات الفريدة للبن الرائب الناتج عن تدخل النمل في الطهي، حيث ابتكروا أطباقا مبتكرة مثل شطائر الـ"آيس كريم" المنكهة بالنمل، وأجبانًا تشبه جبنة الـ"ماسكاربوني" ذات نكهات لاذعة، وكوكتيلات متنوعة.
بدلًا من ذلك، تركز الدراسة على الحفاظ على التراث الثقافي البيولوجي والتعلم منه.
ويلقي إعادة اكتشاف اللبن الرائب الناتج بمساعدة النمل، الضوء على مثال رائع لكيفية مساهمة الحشرات وميكروبيومها في الثقافات الغذائية التقليدية.