التشكيلات المسلحة تفرض واقعها في الزاوية الليبية... والدولة خارج المشهد

تشهد مدينة الزاوية، غربي ليبيا، توترا أمنيا متجددا مع عودة التحشيدات المسلحة واندلاع اشتباكات بين مجموعات متنازعة، في مشهد يعيد إلى الأذهان فترات الانقسام والصراع التي عاشتها المدينة خلال السنوات الماضية.
Sputnik
ورغم المساعي الرسمية والاجتماعية لاحتواء الموقف، إلا أن استمرار تبادل إطلاق النار يثير مخاوف من اتساع رقعة المواجهات وتأثيرها على الوضع الإنساني والأمني في المنطقة الغربية عموما، ويأتي هذا التصعيد في وقت حساس تشهد فيه البلاد محاولات لإعادة توحيد المؤسسات وتحقيق الاستقرار السياسي.

صراعات متكررة

قال المحلل السياسي الليبي حسام الدين العبدلي: "الأحداث الراهنة في مدينة الزاوية غرب البلاد تنبع من طبيعة المدينة التي تضم عددا كبيرا من التشكيلات المسلحة"، مشيرا إلى أن هذه المجموعات عاثت فسادا وروعت المدنيين، وأسفرت المواجهات المتكررة عن سقوط العديد من الضحايا المدنيين.
الأمم المتحدة أمام اختبار جديد في ليبيا... بين تكرار الإحاطات وعجز الحلول
وشرح العبدلي في تصريح خاص لـ "سبوتنيك"، أن المشكلة الأساسية تكمن في أن المعركة دارت بين تشكيلين مسلحين يعزى تبعيتها لحكومة الوحدة الوطنية، بينما غابت السلطات الرسمية عن الاشتباكات ولم تصدر توضيحا أو تحركا واضحا لوقفها.
وأضاف أن هناك من يعتقد أن حكومة الوحدة الوطنية تترك فرصة لتصفية التشكيلات بعضها بعضًا حتى تضعف، كما حدث في طرابلس، لكن هذا السيناريو يجعل أرواح المدنيين عرضة للخطر لا سيما أن الزاوية مدينة مكتظة بالسكان.
ولفت العبدلي إلى أن مدن غرب ليبيا تعاني من تشكيلات مسلحة إجرامية تمارس السطو والقتل والسرقة، مما يترك أثرًا مأساويا على الوضع العام. كما شدد على أن حياة المدنيين باتت مهددة، بما في ذلك الطلبة، وأن عمل الأجهزة والدوائر المدنية أصبح مرهقا ومعقدا في ظل امتلاك هذه التشكيلات للأسلحة وانتشار الظواهر الإجرامية مثل شبكات المخدرات.
وصف العبدلي المشهد بأن قانون الغاب يسود في بعض الأحياء، وأصبح وجود الجثث أمرا يعتاد عليه المجتمع، مطالبا بصرخة واضحة من الدولة تجاه هذا الواقع المؤلم. وانتقد كذلك غياب تأثير الأعيان المحليين في وقف العنف، بل وحصول حالات يدافع فيها بعضهم عن تشكيلات مسلحة لأسباب توجّهات معينة.
عضو المجلس الرئاسي الليبي يعلن رفض أي مصالحة وطنية "قائمة على الإكراه"
كما أكد أن سلطة الدولة يجب أن تكون حاضرة وتقول كلمتها عبر تفعيل مؤسساتها الأمنية والقضائية، وزارة الداخلية والجيش، واتخاذ إجراءات واضحة لتحرير المدينة وإعادة فرض القانون وحماية المدنيين، مضيفًا أن الجهود الدولية غير كافية وأن البعثة الأممية والدول الفاعلة تركزان اهتمامها على العاصمة طرابلس أكثر من غيرها.

فوضى السلاح

يرى المحلل السياسي الليبي معتصم الشاعري أن تجدد الاشتباكات المسلحة في مدينة الزاوية غرب ليبيا بين التشكيلات المسلحة يأتي في إطار حالة الفوضى الأمنية وضعف السيطرة من قبل السلطات المحلية المسؤولة عن حفظ الأمن والنظام في المدينة.

وأوضح الشاعري في تصريح خاص لـ"سبوتنيك"، أن تكرار هذه الاشتباكات من حين لآخر يعود إلى أن معظم هذه التشكيلات المسلحة لا تخضع لسلطة الدولة، ولا تلتزم بالتعليمات أو الترتيبات العسكرية الصادرة عن الجهات الرسمية، مؤكدا أنها مجموعات غير نظامية وغير منضبطة، مما يجعل احتمالية تجدد القتال قائمة في أي وقت.

وأضاف أن الجهات الرسمية لم تتعامل بجدية كافية مع هذا التصعيد ولم تتدخل بشكل حاسم لوقفه، مشددًا على أن الدولة هي الجهة المسؤولة عن تأمين المدينة وحماية المواطنين وممتلكاتهم، وكان الأجدر بها اتخاذ إجراءات جذرية لإنهاء هذا الاقتتال بدل الاكتفاء بالحلول المؤقتة.
وأشار الشاعري إلى أن هذه الاشتباكات أثرت سلبًا على الحياة اليومية للسكان، إذ تسببت في إغلاق المدارس والمصالح الرسمية وبثّت الخوف في نفوس الأهالي، مما اضطر الكثير من المواطنين إلى المكوث في منازلهم حتى انتهاء المواجهات، بينما تضرر عدد منهم ماديًا ومعنويًا نتيجة ذلك.
وأكد الشاعري وجود جهود محلية من أعيان المدينة والعقلاء لوقف القتال وإعادة الاستقرار، مشيرًا إلى أن هذه المساعي الاجتماعية والوساطات من شخصيات مؤثرة داخل الزاوية تمثل خطوة مهمة، لكنها تحتاج إلى دعم رسمي أكبر لضمان نجاحها ووقف التصعيد بشكل نهائي.
مناقشة