التطورات الأخيرة أربكت المشهد السياسي والعسكري، فالصراع طوال السنوات الماضية كان موجها ضد "أنصار الله" في الشمال وفق تفويض من الرئاسة اليمنية والمجتمع الدولي بغرض محدد وهو استعادة الشرعية، أما ما يجري حاليا يراه مراقبون لا يستند إلى تفويض أو طلب عملياتي واضح من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا لتنفيذ هذه الضربات، وفق المراقبون هذا الوضع يثير تساؤلات حول الأساس القانوني لاستخدام القوة، خاصة في سياق نزاع يفترض أنه دخل مرحلة التهدئة السياسية منذ 2022.
ويرى مراقبون قانونيون أيضا، أن القوات المستهدفة من قبل التحالف في الجنوب اليمني تصنف كقوات أمنية محلية جنوبية تعمل داخل نطاق جغرافي تعتبره جزءا من أراضيها التاريخية، وليست جماعات متمردة أو كيانات مصنفة على قوائم الإرهاب، الأمر الذي قد يضع تلك العمليات في إطار استهداف فاعلين محليين يعبرون عن إرادة سياسية وأمنية قائمة على الأرض، لافتين إلى أن، استهداف قوات جنوبية حليفة سابقا، في لحظة تشهد فيها المناطق الجنوبية حراكا سياسيا وشعبيا، قد يفهم على أنه استخدام للقوة لعرقلة مسار سياسي، وليس لمعالجة تهديد أمني وشيك، هذه التطورات قد تعرض التحالف لانتقادات متزايدة من منظمات حقوقية ودولية، ليس فقط بسبب غموض الشرعية القانونية للضربات، بل أيضا بسبب ما قد ينظر إليه كمساس بالحق الجنوبي اليمني في التعبير عن خياراته السياسية ومستقبله السيادي دون تدخل عسكري خارجي.
حماية الاستقرار
بداية، يقول منصور صالح: "القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني"، إن التطورات الأخيرة في محافظتي حضرموت والمهرة تأتي في سياق مسؤولية وطنية وأمنية لا يمكن فصلها عن متطلبات حماية الاستقرار، ومكافحة الإرهاب، وتجفيف منابع التهريب"، مؤكدا أن تحركات المجلس لم تكن مفاجئة أو موجهة ضد أي طرف، بل استجابة مباشرة لمناشدات الأهالي واحتياجات الواقع الأمني على الأرض، ناهيك عن كونها تأتي في مناطق جنوبية تقع ضمن نطاق مسؤولية المجلس.
وأوضح، في تصريح لـ"سبوتنيك"، أن ما جرى في وادي وصحراء حضرموت ومحافظة المهرة يمثل ضرورة أمنية ملحة، فرضتها تحديات حقيقية تتعلق بانتشار الإرهاب والتهريب بمختلف أشكاله، وعلى رأسها تهريب السلاح والمشتقات النفطية إلى المليشيات الحوثية(أنصار الله)، بما يشكل تهديدا مباشرا للأمن المحلي والإقليمي على حد سواء.
وأضاف القيادي الجنوبي، أن المجلس الانتقالي الجنوبي لا يرى أي إشكالية مع الشركاء في الشرعية أو مع مؤسسات الدولة في هذا الإطار، بل على العكس، كان من المتوقع أن تحظى هذه الخطوات بالدعم والإشادة، لا بالتصعيد أو التشكيك، خاصة وأنها تصب في مصلحة المعركة المشتركة ضد الإرهاب والحوثيين، وتسد منافذ ظلت لسنوات طويلة خارج السيطرة الفعلية.
وأشار صالح، إلى أن المجلس تعامل ويتعامل مع هذه الملفات بمنطق المسؤولية السياسية، آخذا في الاعتبار حساسية المحافظات الشرقية وخصوصيتها الاجتماعية والجغرافية، مؤكدا أن أي إجراءات أمنية تتم بروح الشراكة مع القوى المحلية، وبما يحترم إرادة أبناء حضرموت والمهرة وحقهم في الأمن والاستقرار، وتمكينهم من إدارة شؤونهم إداريا وأمنيا وعسكريا.
سيناريوهات متوقعة
وحول الجدل الدائر بشأن عدالة مطالب وتحركات المجلس الانتقالي، شدد صالح على أن المجلس يمثل قضية شعب لا يمكن القفز عليها أو تجاهلها، وأن مطالبه السياسية معروفة وواضحة، وتتحرك ضمن مسار واقعي يوازن بين متطلبات المرحلة، والشراكة القائمة، واستحقاقات المستقبل.
أما عن السيناريوهات المقبلة، فأكد القيادي الجنوبي على حرص المجلس الانتقالي على التهدئة والانطلاق نحو البناء والتنمية، وتهيئة مسرح العمليات لمعركة استعادة الدولة وإنهاء انقلاب مليشيا الحوثي، مع تجنب الانزلاق إلى معارك جانبية لا تخدم سوى الخصوم، ولفت إلى وجود التفاف شعبي واسع في محافظتي حضرموت والمهرة حول هذه الإجراءات، ودعم واضح للانتصارات المحققة التي أسهمت في إزالة كابوس أمني ثقيل جثم على صدور أبناء المحافظتين لأكثر من واحد وثلاثين عاما.
وأشاد صالح، بالدور المحوري والجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في دعم أمن واستقرار الجنوب، مؤكدا تقدير المجلس الانتقالي الجنوبي لمواقفهما الثابتة في مكافحة الإرهاب، ودعم مسارات الاستقرار، وتعزيز قدرات الأجهزة الأمنية والعسكرية على الأرض.
وأكد القيادي الجنوبي، استعداد المجلس الانتقالي للتعاطي الإيجابي والمسؤول مع هذه الجهود، وبما يضمن الحفاظ على أمن واستقرار محافظتي حضرموت والمهرة، ومنع أي اختراقات أمنية أو محاولات لعودة التنظيمات الإرهابية، وبما يكفل في الوقت ذاته بقاء الجسد الجنوبي موحدا ومتماسكا، وحماية النسيج الاجتماعي.
وختم صالح، بالتأكيد على أن الجنوب اليوم يواجه تحديات معقدة، وأن أي قراءة منزوعة من سياقها الأمني والسياسي لن تخدم إلا القوى المعادية، داعيا إلى التعاطي مع المستجدات بعقلانية، ودعم كل ما من شأنه تعزيز الأمن، وتجفيف منابع الإرهاب والتهريب، باعتبار ذلك المدخل الحقيقي لأي استقرار أو تسوية قادمة.
قضية عادلة
ويرى رئيس مركز جهود للدراسات باليمن، الدكتور عبد الستار الشميري، أن المشهد ملتهب داخل مكونات الشرعية بسبب ما يجري في حضرموت، لما تحمله من ثقل وكونها المحافظة الوازنة والأهم في اليمن، مشيرا إلى أن التحركات العسكرية للانتقالي أثارت غضب بقية مكونات الشرعية في المملكة العربية السعودية، وهناك حيثيات كثيرة لهذا الأمر العسكري.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "في المجمل هناك محاولة احتواء للخلاف من قبل السعودية والإمارات بأن يغير الانتقالي بعض تموضعاته العسكرية في حضرموت وإيجاد صيغة جديدة للحالة الأمنية والحالة العسكرية في حضر موت، صحيح أن القضية الجنوبية قضية عادلة خاصة في الجانب المطلبي والمظلومية، لكن قد لا تستطيع أن تذهب بعيدا إلى انفصال، ولكن يمكن أن تكون هناك صيغة ما (فدرالية أو كونفدرالية) أو أشبه بحكم ذاتي واسع الصلاحيات لكثير من أقاليم اليمن، والجنوب ربما يتم احتوائها في هذا الإطار، خاصة وأن مخرجات الحوار الوطني تحدثت عن دولة أقاليم أو دولة اتحادية أو دولة فدرالية في اليمن".
وأشار الشميري، رغم أن هناك رؤية واضحة وشبه متفق عليها في اليمن وفق مخرجات الحوار الوطني في العام 2014، لكن في الجنوب ليس هناك رؤية واحدة من الجنوبيين، هناك رؤية تقرير المصير وهناك رؤية فدرالية، وهناك رؤية أخرى قد تكون أكثر تطرفا، لكن بالمقابل هناك معادلة وازنة تعطي مشروعية للقضية الجنوبية اليمنية وتعطي أفق للحل، بعد أن يتم للشرعية انهاء الموضوع الحوثي حربا أو سلما بحسب ما هو مطروح.
اتفاق الرياض
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي من الجنوب اليمني، خالد الكثيري، الجنوبيون موجودون في المعترك السياسي كقضية سياسية منذ قبل إنشاء هذا الإطار لإدارة الأزمة المحتدمة في اليمن، من تبعات ما تسمى "ثورة التغيير" التي طالبت بتغيير النظام الدكتاتوري الذي كان يتربع على رأسه الرئيس علي عبدالله صالح، وبالمناسبة، كان الجنوبيون في الميادين قبل انطلاق تلك الثورة للتغيير، وكان الجنوبيون يطالبون بفك الارتباط عن الوحدة مع الشمال، بعد أن أنهض النظام في الشمال تلك الوحدة بغزوه واجتياحه للجنوب في حرب صيف العام 1994.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "حينما تغول المشروع الحوثي (أنصار الله) بدعم من إيران وبات يهيمن على الشمال مستغلا حالة الاضطراب في الشمال بفعل تداعيات ما كانت تسمى بثورة التغيير في الشمال، كان الجنوبيون موجودين على الساحة يطالبون بإعادة قيام دولتهم وفك ارتباطهم عن دولة الوحدة مع الشمال".
وأشار الكثيري، إلى أنه "حينما بدأ الحوثيون بالتغول أكثر واتجهوا لاجتياح الجنوب، وجدت الظروف التي حتمت على الجنوبيين المشاركة مع التحالف العربي للتصدي للمليشيات الحوثية، ومن تبعات ذلك، وجدت الحالة التي حتمت الدخول في تحالفات واتفاقات سياسية مع السلطة الشرعية، وتوجت بالشراكة الفعلية بموجب اتفاق الرياض الذي أوجد صيغة للشراكة بين الأطراف السياسية في الشمال والمجلس الانتقالي عن الجنوب، وسميت حكومة الشرعية، على رأسها مجلس القيادة الرئاسي رئيس وسبعة نواب".
واستطرد: "لكن هذه الصيغة التوافقية لإدارة الدولة والأزمة في اليمن جنوبا وشمالا فشلت فشلا ذريعا، لاسيما في إدارة الملفات الحيوية في البلاد، وباتت المحافظات المحررة ومعظمها المحافظات الجنوبية تشكل عبئا ثقيلا على كاهل المجلس الانتقالي، لكون قيادته تركت تواجه الأزمات كونها في الواجهة، بينما حجبت عنها الموارد ومصادر الدخل بيد أوامر رئاسة مجلس القيادة الرئاسي، الذي حاول اختزال مجلس القيادة الرئاسي في شخصه ومن يدورون في فلكه أو حول كوكبه (من الشمال) إن جاز لي التعبير، واحتكر السلطات السيادية بيده خلافا لما نصت عليه اتفاقية الرياض".
ويكمل الكثيري: "الأمر الذي حذا بقيادة المجلس الانتقالي للمواجهة وفرض القرارات التي كانت مطروحة "ومعلقة" على الإطار السياسي "مجلس القيادة الرئاسي"، وهي تعيين نواب في عدد من الوزارات، أصدر بها اللواء عيدروس بن قاسم الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، قرارات بصفته نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي للجمهورية اليمنية، وفرضها على الواقع من العاصمة عدن".
أوكار الإرهاب
وأردف الكثيري، أن "اللواء عيدروس الزبيدي، وجه بصفته نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، قرارات بتوجيه القوات المسلحة الجنوبية لمساندة قوات النخبة الحضرمية لتحرير وادي حضرموت ومحافظة المهرة من مكامن الإرهاب، المتمثلة فيما كانت تسمى المنطقة العسكرية الأولى التي كانت توفر الملاذات الآمنة والطرق السالكة للتهريب والمدد إلى المليشيات الحوثية من البوابة الشرقية والبحر العربي عبر محافظة المهرة ووادي وصحراء حضرموت".
وبالعودة إلى الأسس التي دعت الجنوبيين للخوض في هذه الشراكة في إدارة السلطة في اليمن بجنوبه وشماله، يقول الكثيري: "لا يغفل الجميع أن تلك الشراكة كانت في سبيل "إدارة أزمة" أكثر منها إدارة دولة، وطالما أن هذه الشراكة أخفقت في إدارة هذه الأزمة، وبخاصة مع انعدام جدية الأطراف في الشمال لإخراج البلاد من أزماتها، وبعد أن تبين للجنوبيين بأن أطراف الشراكة في الشمال تتعامل مع هذه الصيغة كشراكة كيدية للجنوب، وبعد طول صبر وتأني، بات لزاما على الجنوبيين في مجلس القيادة الرئاسي التحرك بما تقتضيه المصلحة الوطنية للمكان الجغرافي الذي يمثلونه في تلك الشراكة".
وتابع: "بناء على ما سبق جاء تحركهم بصفتهم قيادة للجنوب بمكونه الذي يمثله، المتمثل في المجلس الانتقالي الجنوبي، في ضبط الحالة الأمنية وتطهير كافة الأراضي والمحافظات الجنوبية من بواعث الإرهاب الإخواني والتهريب للمليشيات الحوثية وخلاياها النائمة في محافظتي حضرموت والمهرة".
وقال الكثيري: "من السيناريوهات المحتملة وسط حالة الالتفاف الشعبي مع قوات النخبة الحضرمية والقوات المسلحة الجنوبية باليمن، أن تعيد المملكة العربية السعودية النظر في توجهاتها تجاه الطرف الوفي الموجود على الأرض في الجنوب، مستفيدة من تجربتها لوفائه وتضحياته في سبيل ما توافقت عليه معها في مواجهة المليشيات الحوثية بالساحل الغربي وفي جنوب المملكة، ومن المحال أن تتجه المملكة السعودية لدعم وتوجيه حرب ضروس مع جار لا يضمر العداء لها، بل والعكس من ذلك، هو أقرب إلى المملكة اجتماعيا وعقائديا، على عكس البعد والتنافر مع الأطراف السياسية والاجتماعية في الشمال اليمني، وبأي حال من الأحوال، فإن دواعي التقارب بين المملكة العربية السعودية والجنوب تغلب على دواعي الحرب".
ويشهد مجلس القيادة اليمني، منذ مطلع ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أزمة بين رئيسه رشاد العليمي، وعضو المجلس عيدروس الزبيدي، الذي يقود "المجلس الانتقالي الجنوبي"، على خلفية سيطرة الأخير على مناطق شرقي اليمن، ضمن تحركاته لاستعادة الدولة، التي كانت قائمة في الشطر الجنوبي من البلاد، قبل تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو/ أيار 1990.
وفي الثالث من ديسمبر الجاري، سيطرت قوات "المجلس الانتقالي الجنوبي" على محافظة حضرموت، عقب هجوم على الجيش اليمني، الذي أعلن مقتل وإصابة 77 من ضباطه وجنوده إثر ذلك، قبل أن تتقدم قوات المجلس إلى محافظة المهرة الحدودية مع عمان، وتستولي عليها دون قتال.
وبإحكام قوات "المجلس الانتقالي الجنوبي" قبضتها على محافظتي حضرموت والمُهرة، يكون المجلس قد فرض سيطرته فعليًا على 6 محافظات، بالإضافة إلى العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (جنوبي البلاد).
ويطالب "المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني" باستعادة دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، التي كانت قائمة في الشطر الجنوبي من اليمن، وتوحدت مع شماله في 22 مايو 1990، مكوّنة الجمهورية اليمنية، مبررًا ذلك "بتعرض أبناء المحافظات الجنوبية إلى ظلم واضطهاد من الشمال عقب حرب صيف 1994"، على حد قوله.
ويشهد اليمن منذ أعوام عديدة صراعًا مستمرًا على السلطة بين الحكومة المعترف بها دوليًا وجماعة "أنصار الله"، انعكست تداعياته على مختلف النواحي، إذ تسبب في أزمة إنسانية تصفها الأمم المتحدة بأنها واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية على مستوى العالم.