"منحة الأيتام" في المغرب… تساؤلات مهمة حول آليات التطبيق والأطفال المشمولين

أثارت مصادقة الحكومة المغربية مؤخراً على مرسوم متعلق بالإعانة الخاصة الموجهة للأطفال الأيتام والمهملين نزلاء مؤسسات الرعاية الاجتماعية قدرها 500 درهم شهرياً لكل طفل.
Sputnik
تساؤلات عدة فرضتها الخطوة، بشأن الأطفال المشمولين بالإعانة الشهرية، خاصة في ظل غياب تعريف محدد بشأن "الأطفال الأيتام"، وفق خبراء.
وصادق مجلس الحكومة، خلال اجتماعه المنعقد بشكل استثنائي الأسبوع الماضي، على مشروع المرسوم رقم 2.25.1064 المتعلق بالاستفادة من الإعانة الخاصة الممنوحة في إطار نظام الدعم الاجتماعي المباشر، والذي قدمه الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية.
المغرب يفتح تحقيقا حول استمرار رسوم الإغراق على واردات خشب مصري
ويأتي هذا المشروع، وفق بلاغ لرئاسة الحكومة، في سياق استكمال تنزيل النصوص التنظيمية المرتبطة بنظام الدعم الاجتماعي المباشر، الذي انطلقت عملية تفعيله في 2 ديسمبر 2023، تنفيذاً للتعليمات الملكية.
تقول نجاة أنور الحقوقية المغربية، إن إقرار هذه المنحة يعد خطوة إيجابية ومهمة، حيث تعكس اعترافاً واضحاً بمسؤولية الدولة تجاه فئة من أكثر الفئات هشاشة في المجتمع.
وأضافت في حديثها مع "سبوتنيك"، أن المبلغ في حد ذاته محدود، لكنه يبقى دعماً ضرورياً، خاصة للأسر أو الجهات التي تتحمل رعاية هؤلاء الأطفال، كما أن له قيمة معنوية كبيرة من حيث الإحساس بالاهتمام والحماية.
ضوابط دقيقة
السلطات المغربية: تدفقات فيضانية استثنائية تودي بحياة 21 شخصا في إقليم آسفي
وأوضحت أن نجاح هذا الإجراء يظل مرتبطاً بوجود آليات واضحة وضوابط دقيقة تضمن استفادة جميع الأطفال المعنيين دون إقصاء.
وتابعت: "الخطوة يجب أن تمر عبر توحيد التعريف، وتبسيط المساطر، واعتماد تنسيق فعلي بين مختلف المتدخلين، والتي تضم القطاعات الحكومية، والجماعات الترابية، القضاء، والجمعيات الجادة، التي تشتغل ميدانياً وتعرف أوضاع الأطفال عن قرب."
وأشارت إلى أن سؤال تعريف “اليتيم” يبقى من أهم الإشكالات المطروحة، هل المقصود هو الطفل الذي فقد أباه فقط؟ أم من فقد أحد والديه أو كليهما؟ أم الأطفال المتخلى عنهم قانونياً؟ أم فقط المقيمين في المراكز الإيوائية؟
"القفطان المغربي" ضمن قائمة "اليونسكو" للتراث الثقافي غير المادي
وترى أنه من الضروري اعتماد تعريف واسع يأخذ بعين الاعتبار وضعية الطفل الواقعية وحاجته الفعلية للحماية، وليس الاكتفاء بالتصنيف القانوني الضيق، خاصة أن ذلك قد يحرم الكثير من الأطفال حقهم في الدعم.
الأثر الإيجابي
بشأن الأثر المستقبلي، ترى الحقوقية المغربية، أن أثرها الإيجابي يرتبط بإدماجها ضمن رؤية شمولية، مع إمكانية التفكير فيها كجزء من مسار مواكبة طويل الأمد، بما يساعد الطفل لاحقاً على الاندماج الاجتماعي، سواء من خلال دعم مشروع صغير بعد بلوغه السن القانوني، أو المساهمة في الاستقرار الأسري والزواج، أو حتى تسهيل ولوجه لسوق الشغل، لافتة إلى أنه إذا بقيت مجرد مساعدة شهرية معزولة، فسيظل أثرها محدوداً.
أبعاد اجتماعية
من الناحية الاجتماعية، لهذه الخطوة أبعاد مهمة، من بينها تعزيز شعور الطفل بالأمان والانتماء، والحد من مظاهر الهشاشة والانحراف، وتقوية الثقة في المؤسسات. الاستثمار في هؤلاء الأطفال هو في العمق استثمار في الاستقرار الاجتماعي للمجتمع ككل، وفق الحقوقية المغربية.
خطوة مفصلية
من ناحيتها أكدت الفاعلة النسائية والحقوقية زهرة الدغوغي أن قرار إقرار منحة لفائدة الأيتام والأطفال المتخلى عنهم، والمقدرة بـ500 درهم، يمثل خطوة مفصلية في مسار الحماية الاجتماعية بالمغرب.
وقالت الدغوغي إن هذه المنحة تحمل دلالات رمزية ومادية في آن واحد؛ فهي تعكس اعتراف الدولة بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه فئة هشة عانت تاريخياً من الإقصاء المركب والوصم الاجتماعي، مشددة على أن قيمتها الحقيقية تكمن في إدماج هؤلاء الأطفال ضمن منظومة الحماية باعتبارهم "أصحاب حق" أصليين وليسوا مجرد موضوع للإحسان.
تحركات مصرية اقتصادية في المغرب... ما التفاصيل والانعكاسات الثنائية والإقليمية
وأضافت في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن نجاح هذه الخطوة وضمان شموليتها يتطلب إرساء آليات وضوابط دقيقة، على رأسها وضع تعريف قانوني موحد للمستفيدين، وإحداث قاعدة بيانات وطنية محينة تُنسق بين مصالح الحالة المدنية، ووزارة التضامن، ووزارة العدل، والمراكز الإيوائية، وذلك لتبسيط المساطر الإدارية وتفادي إقصاء أي طفل بسبب التعقيدات البيروقراطية.
وأوضحت الناشطة الحقوقية أن تعريف "اليتيم" و"المتخلى عنه" يجب أن يتسع حقوقياً ليشمل كافة وضعيات انعدام السند الأسري، محذرة من حصر المنحة في الأطفال المقيمين داخل المراكز الإيوائية فقط، معتبرة أن "الهشاشة لا ترتبط بالمكان بل بالوضعية الاجتماعية والاقتصادية للطفل"، وهو ما يستوجب شمول الأطفال المكفولين والذين يعيشون في وضعية تفكك أسري حاد.
مساعي المغرب لتحلية مياه البحر... هل تسد حاجاته من مياه الشرب؟
وأشارت إلى أن مبلغ 500 درهم يمثل "لبنة أولى" للأمان الاجتماعي، لكنه يحتاج إلى رؤية مندمجة ليكون له أثر تحويلي.
وأضافت قائلة: "يجب ربط هذه المنحة ببرامج للادخار الاجتماعي والتكوين المهني والدعم المقاولاتي للشباب الخارجين من مراكز الرعاية، لضمان استقلاليتهم وكرامتهم بعد بلوغ سن الرشد".
ضوابط أخرى
من ناحيته قال طارق الصبان، الناشط الاجتماعي، أن إقرار هذه المنحة يتمثل في عدد من الجوانب منها:
تكريس مبدأ التكافل الاجتماعي وحماية الفئات الهشة، والمساهمة في تخفيف العبء المادي عن الأطفال الأيتام والمتخلى عنهم، سواء داخل الأسر الحاضنة أو المؤسسات الإيوائية.
يعزز العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، خاصة في مجالات التعليم والصحة والاندماج المجتمعي.
يُعد استثماراً طويل الأمد في الإنسان، إذ يحد من الهشاشة والتهميش مستقبلاً.
بشأن الآليات والضوابط لتطبيق المنحة وضمان شموليتها لضمان نجاعة التطبيق وعدالته، يرى الفاعل الاجتماعي أن الأمر بحاجة إلى تعريف قانوني واضح ودقيق لمفهوم اليتيم والطفل المتخلى عنه، وقاعدة بيانات وطنية موحدة بتنسيق بين وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي، التعاون الوطني، وزارة الداخلية، وزارة التربية الوطنية، وكذلك المؤسسات الإيوائية والجمعيات المعتمدة، ومساطر إدارية مبسطة لتفادي التعقيد والإقصاء غير المقصود.
الـ"فاو" تحذر المغرب من غزو الجراد الآتي من موريتانيا إلى جنوبي البلاد
كما يحتاج لآلية مراقبة وتقييم دورية لضمان وصول المنحة لمستحقيها ومنع أي تلاعب، وفق الصبان.
ولفت إلى أن عدد الأطفال الأيتام في المغرب يحتاج لتدقيق في المفاهيم أولاً، وذلك لمعرفة من سيشملهم الإحصاء أو من تنطبق عليهم المنحة.
وأشار إلى أن المنحة تشكل دعامة تراكمية، إذا استثمرت ضمن برامج ادخار أو مواكبة، حيث يمكن أن تساهم في دعم التكوين المهني، وتسهيل ولوج سوق الشغل، وكذلك المساعدة في إطلاق مشاريع صغيرة بعد بلوغ السن القانوني.
الأبعاد الاجتماعية
وأشار إلى أن المبادرة تحمل عدة أبعاد إيجابية، من بينها:
تقليص الفوارق الاجتماعية والحد من الإقصاء.
تعزيز الشعور بالانتماء والكرامة لدى الأطفال المعنيين.
الوقاية من الانحراف، التسرب المدرسي، والتشرد.
تقوية ثقة المواطنين في السياسات الاجتماعية للدولة.
بناء جيل أكثر توازناً وقدرة على الاندماج والمساهمة في التنمية.
ويرى أن إقرار منحة 500 درهم للأيتام والأطفال المتخلى عنهم خطوة محمودة، لكنها لن تحقق أهدافها كاملة، إلا إذا رافقها وضوح في التعاريف، عدالة في الاستهداف، حوكمة في التنفيذ، وربط بالدعم التربوي والتمكيني، بما يجعلها رافعة حقيقية للإدماج الاجتماعي وليس مجرد إجراء ظرفي.
مناقشة