وفي الوقت الذي تساهم فيه المساعدات في تعزيز قدرة الاقتصاد المصري، فإن مدى تأثير تلك المساعدات على المواقف السياسية تجاه ما تشهده المنطقة من أحداث والمشهد الراهن على الساحة الدولية يظل مثيرا للاهتمام خاصة في ضوء المعادلة الجديدة التي يمكن أن تغير توازات القوى في المنطقة.
"إن حجم الأموال التي أسقطت عن مصر بين نادي باريس والقروض الأخرى، ثم الدعم الذي قدم 43 مليار دولار وهو ما أعطى للاقتصاد المصري فرصة، نحن نحاول نقلل الفجوة ما بين الموارد والمصروفات حتى لا يكون العجز بالضخامة الموجودة حاليا فالعجز معناه اقتراض…"
تقدير الدور المحوري لمصر
منذ اندلاع ما يعرف بـ "ثورات الربيع العربي" يواجه الاقتصاد المصري تحديات كبيرة، في ظل تراجع الإيرادات واحتياطي النقد الأجنبي، فسارعت دول الخليج إلى تقديم المساعدات المالية خاصة خلال المرحلة التي أعقبت ثورتي 25 يناير/ كانون الثاني، و30 يونيو/ حزيران 2013 للخروج من الأزمة المالية المصاحبة للاضطرابات السياسية والاجتماعية التي صاحبت الأحداث في البلاد.
ولا تزال المساعدات المالية الخليجية تمثل الداعم الرئيسي لكثير من قطاعات الاقتصاد المصري، وطبقا للتقديرات فإن حجم المساعدات وصل إلى ما يزيد عن 20 مليار دولار ما بين منح، ومساعدات بترولية، وودائع بالبنك المركزي وأغلبها من السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى جانب الكويت.
ومؤخراً، شدد رئيس الوزراء المصري، شريف إسماعيل، في حوار مع وكالة "بلومبرج" المعنية بالشؤون الاقتصادية الدولية، على أن مصر تتوقع الحصول على قروض من السعودية ودولة الإمارات المتحدة لتمويل برنامج اقتصادي يستهدف تحصيل 21 مليار دولار، منها 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
كما أكد وزير المالية المصري، عمرو الجارحي، على أن بلاده سوف تحصل على وديعة سعودية تتراوح بين 2 و3 مليارات دولار خلال الأيام القليلة المقبلة، مضيفا أن المفاوضات مع المملكة العربية السعودية تسير بشكل طيب للحصول على وديعة تتراوح بين 2 و3 مليارات دولار كجزء من التدبير التمويلي لـ 6 مليارات دولار الذي يتطلبه الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ولفت إلى أنه من المقرر الحصول على الشريحة الأولى من قرض الصندوق البالغة 2.5 مليار دولار قبل نهاية العام 2016 وإلى جانب الوديعة السعودية.
ووفقا لوزارة المالية المصرية، حصلت مصر خلال العام المالي 2014 ـ2015 على مساعدات خليجية بنحو 96 مليار جنيه "11 مليار دولار" تتمثل في منح نقدية بنحو 21 مليار جنيه "3 مليارات دولار" من دولتي الإمارات والسعودية، ونحو 53 مليار جنيه "6 مليار دولار" منح عينية على شكل مواد بترولية.
وبحسب التقارير فإن استثمارات السعودية في مصر بلغت 5.7 مليار دولار، كما تعتبر المملكة أكبر دولة عربية مستثمرة في مصر، بما يمثل نحو 27% من إجمالي استثمارات الدول العربية.
كذلك وافقت الإمارات العربية المتحدة على تقديم وديعة بمقدار مليار دولار لمدة ست سنوات للبنك المركزي المصري، وذلك في إطار تعاون وتنسيق بين البلدين لدعم مصر في البناء والتنمية تقديرا لدورها المحوري في المنطقة.
وماذا عن تباين المواقف السياسية؟
الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي أكد في أكثر من مناسبة على دعم دول الخليج في مواجهة كافة المخاطر، وأكد الرئيس المصري على أن الأمن القومي العربي، بما في ذلك أمن منطقة الخليج العربي، يعد جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، مؤكداً أن مصر لن تتوانى عن تقديم كل سبل الدعم والمساندة للدول العربية الشقيقة في حال تعرضها لأي اعتداء.
ومع ذلك ما يبدو من تباين للمواقف حول عدد من ملفات المنطقة خاصة الأزمة السورية واليمن وليبيا، والتي وإن كانت غير ذات تأثر حتى الآن، فهي تطل برأسها من وقت لآخر، ويمكن استغلالها من أطراف أخرى، سواء خارجية أو داخلية، ولا سيما الجدل الذي ثار مؤخرا في المملكة بسبب مشاركة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في مؤتمر الشيشان "من هم أهل السنة والجماعة؟" وهجوم عدد من النخب السياسية والثقافية والاجتماعية في المملكة على مصر ورئيسها والأزهر وشيخه، حيث اشتدت سهام الانتقادات على واقع المساعدات المالية المقدمة لمصر.
كذلك الموقف من القوة العربية المشتركة التي جاءت بمبادرة مصرية وتم إعداد كافة البرتوكولات للتوقيع، فإذا بعدد من دول الخليج تطالب بتأجيل التوقيع لمزيد من التشاور، ما يعني التأجيل إلى ما لا نهاية وتقويض الجهود المصرية في إنجاز عمل عربي موحد وتحرك عربي مشترك في مواجهة قوى الظلام.
سياسة خارجية مستقلة
يرى بعض الخبراء أن الدعم الاقتصادي المقدم من دول الخليج خاصة من المملكة العربية السعودية، إلى مصر إنما يأتي بالتوازي مع الدعم السياسي، ويقول مساعد وزير خارجية مصر السابق، السفير رضا شحاته، في حديث لـ "سبوتنيك" هناك تحديات ومخاطر مشتركة تواجهها الدول العربية من مشرقها ومغربها والكتلة العربية بوجه عام، ومن ثم كان هناك استجابات مشتركة بتنسيق السياسات الخارجية بين مصر والدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.
وبالنسبة للدعم المالي الذي تقدمه المملكة العربية السعودية إلى مصر، أشار إلى أن السياسة الخارجية المصرية واضحة وتنبع من الإرادة المصرية الحرة المستقلة وتستجيب للأمن القومي المصري والأمن القومي العربي بشكل عام. تنسيق المواقف لا يعني التطابق الكامل في الرؤى، إنما يعني توحيد الأهداف الاستراتيجية التي تتمثل في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.
وحول الأزمة السورية، أشار إلى أن هناك اتفاق حول الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وعلى مستقبل الشعب السوري وعلى الحفاظ على الهوية السورية من التدخلات الخارجية. مصر تمثل مع السعودية ومع القيادات العربية في إطار التوافق حول الأهداف الاستراتيجية، وربما اختلفت السبل أو التكتيكات هنا وهناك، إنما الاتفاق على المصلحة المشتركة في الحفاظ على الهوية العربية لسوريا.
الخلاصة
الرئيس المصري قطع الشك باليقين عندما وصف العلاقات مع الخليج بـ "القوية والمتينة والثابتة التي لا تتأثر بالشائعات ورفض مصر لمن يحاولون ربط هذه العلاقات بحجم الدعم، وبالنسبة للأوضاع في سوريا وليبيا واليمن والعراق فإن سياستنا تقوم على احترام إرادة الشعوب والعمل على إيجاد حل سلمي سياسي والحفاظ على وحدة أراضي هذه الدول العربية."
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)