الواقع أن إجابة هذا السؤال، اليوم في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، ستدهش الجميع.
ولن نذهب بعيداً، فها هو "حزب الله" اللبناني، الذي يعتبره العالم العربي — إلا السعودية وأتباعها- من أبرز الحركات المقاومة للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، الآن تصنفه السعودية كمنظمة إرهابية، وتضعه هدفاً في مرمى نيرانها في كافة التجمعات والمحافل الدولية، بداية من مجلس التعاون الخليجي، وحتى منظمة الأمم المتحدة، فكلما ذهب وزير خارجيتهم لمكان، ترك طلباً باعتبار "حزب الله" منظمة إرهابية.
وبالمثل، تعادي المملكة العربية السعودية، النظام السوري، والدولة السورية، وهي في هذا الإطار تعلن أسباباً واهية، منها أن النظام هناك قائم على أساس طائفي، وهي صورة لم ترها دولة في العالم سوى السعودية، ولكن الحقيقة أنه أينما دق الأمريكان أوتادهم للتخييم والسرقة، تجد أداة الدق هي السعودية، وربما الحبال أيضا.
السؤال نفسه طرحته على الصديق، والباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية محمد علي حسن، وكان رده أن السعودية حققت بالفعل لإسرائيل الكثير مما كانت تتمناه، ووفرت عليها مئات الملايين، وربما مليارات، كان من الممكن أن تنفقها إسرائيل على حماية نفسها من الخطر القادم من جبهات المقاومة في سوريا ولبنان، حيث أن وضع "حزب الله" في أزمة، وانشغال الجيش العربي السوري في حروب داخلية جعلا إسرائيل في أمان جزئي.
الإصرار السعودي على دعم إسرائيل — والحديث لمحمد علي حسن — خرج من حيز العلاقات الخفية المستمرة منذ عدة سنوات، والتي كانت المملكة ترسل خلالها مندوبين إلى تل أبيب بشكل سري تماما، ليعقدوا اتفاقات أو يتوصلوا إلى تفاهمات بشأن عدة أمور، إلى العلن، فأصبحت زيارات المسؤولين السعوديين واضحة للعيان، فتارة نجد الوليد بن طلال يعلن عن تفاصيل زيارة، وتارة أخرى تطالعنا صور وزيرهم السابق إياد مدني، في القدس.
وسبق أن قلنا أنه بقليل من التدقيق، سيدرك أصحاب القرار في السعودية، أن القرارات التي يتخذونها في الوقت الحالي، ضد "حزب الله" اللبناني، ليست سوى تزييفاً للتاريخ والحاضر، وتلويثاً وتشويهاً للعقائد السياسية والأخلاقية، ونقضاً للالتزامات العربية، بضرورة دعم كافة أشكال المقاومة ضد أي كيان محتل، وبقليل من التركيز، سيدرك كل ما يسمع أو يقرأ القرارات السعودية المتتالية بإدراج عدد من الأشخاص ومنظمة، في قائمتي عقوباتهما للارتباط بأنشطة "حزب الله"، أن المملكة تسير في إصرار عجيب نحو هاوية، معدة لها سلفاً من جانب حلفائها الحاليين.
منذ أسابيع قليلة، تحدثت مع الناشط اللبناني أحمد طاهر، عن موقف المملكة، فكان رده إنها تجاهلت في السابق أن هناك احتلالاً للأراضي العربية، وغضت الطرف عن كل الجرائم التي ارتكبت في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، وعلى كافة الجبهات التي دخلتها إسرائيل قبل عام 2003، وكل الدول التي دخلتها أمريكا بعد عام 2003، ولكن الأمور تتطور بشكل خطير، السعودية تخرج بالفعل من الدائرة العربية تماماً، تعتبر نفسها الولاية رقم 51 في الولايات المتحدة الأمريكية، تعادي كل ما يطالب بالحق العربي، وتسحق أي مقاومة ضد المحتلين.
الآن، تعجز السعودية عن اتخاذ قرار يخالف عقيدة الولايات المتحدة السياسية، وتقدم تنازلات أحياناً، تخدم إسرائيل، وتضطرها التنازلات إلى تنازلات أكبر، حتى أصبحت إسرائيل قادرة على مطالبة المملكة بشكل مباشر بأي تصرف أو موقف يدعم موقفها، في مواجهة أي دولة عربية، كما حدث في سوريا، في نفس الوقت الذي يسن الأمريكان أنيابهم، ويجهزون قانونا جديدا، يطيح بحلم السعودية في تحقيق استقرار اقتصادي من جديد، ويأخذ من أموالها تعويضات — غير مستحقة- لضحايا أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، تزيد من "الحفرة" التي توسعها واشنطن منذ سنوات، لتسقط فيها المملكة.
(المقالة تعبر عن رأي صاحبها)