في معجم اللغة العربي، تجد الحديث عن الدهس هكذا، والدول العربية تعيش أسوأ كوابيسها بسبب حوادث الدهس المرورية، وفي أوروبا، للدهس معنى آخر، فحوادث دهس الشاحنات للمارة ترعب القارة العجوز في الآونة الأخيرة، كثير منها يُعزى إلى دوافع إرهابية، فبعد ما شهدته ألمانيا وفرنسا من حوادث دهس، تتجرع السويد بدورها من كأس "الذئاب المنفردة" التي تقود "الشاحنات الداهسة".
الشرطة السويدية أعلنت عن توقيف متهم، بتهمة سرقة شاحنة كبيرة محملة بسلع لمتجر أولانس، وهو من أكبر المتاجر المتخصصة في بيع الملابس وأدوات الزينة والأحذية، ودهس جماعات من المشاة في مكان معروف بارتياده من طرف عشرات المتسوقين.
وحدث تبادل إطلاق نار وسط العاصمة ستوكهولم، أعقب حادثة دهس الشاحنة التي أفضت إلى مقتل 3 أشخاص من بين المارة وجرح 15 آخرين، وبعدها أغلقت سلطات الأمن السويدية عددا من المباني المهمة وسط العاصمة ستوكهولم على خلفية عملية الدهس، وتم إغلاق مجمع "روزنباد"، مقر الحكومة السويدية، ومبنى البرلمان والقصر الملكي، كما تم وقف حركة القطارات وسط المدينة.
الحادث وقع في منطقة دروتنينغاتان، وهو الشارع الرئيسي للتسوق في ستوكهولم، وأعلنت شركة "Spendrups" للشحن أن الشاحنة التي استخدمت لتنفيذ الهجوم تابعة لها، لكنها سُرقت في وقت سابق من اليوم في إحدى مناطق ستوكهولم، عندما كان السائق مشغولا بتفريغ الشحنة.
حدث ذلك وسط إجراءات أمنية غير مسبوقة تشهدها القارة الأوروبية بعد سلسلة من الهجمات الدامية في عدد من دولها يبدو أن فكرة إحداث الضرر أضحت أكثر مرونة لدى الجماعات الإرهابية بحيث لا تعتمد فقط على الأسلحة الرشاشة أو المتفجرات.
أمن الحدود لدول القارة الأوروبية رغم تحوله ليصبح في أشد صوره، مع تدفق مئات الآلاف من اللاجئين، والخوف المستمر من اندساس عناصر متطرفة لتنفيذ عمل تخريبي يضاف إلى الرصيد الإرهابي لتنظيم "داعش"، لذا فإن استخدام الدهس في عمليات الإرهاب، أصبح الحل الأسهل من الأسلحة التقليدية، كون الرسالة التي يحملها تنطوي على رعب أكبر عندما يصبح المارة في الشوارع عرضة في أي وقت لأي سيارة شاردة، دون أي إنذار أو تحسب.
اعتدنا في تلك الحوادث أن المتهم تونسي، من البلد الذي أرسل أكبر عدد من الإرهابيين لبؤر التوتر في سوريا والعراق وليبيا، وقت حكم "الترويكا"، والرئيس الحقوقي المنصف المرزوقي، لكن الشرطة السويدية أعلنت أن سائق الشاحنة المقبوض عليه، مواطن أوزبكي مقيم في السويد، ويبلغ من العمر 39 عاماً، ولديه 4 أطفال، وكان يتفاعل مع صفحات على موقع "فيسبوك" تناصر تنظيم "داعش" الإرهابي.
حوادث الدهس بدأت بالتونسي محمد سلمان لحويّج بوهلال، السائق في نيس الفرنسية، ولديه سجل جنائي في قضايا عنف، ونفذ هجوما بشاحنة في 14 يوليو/تموز 2016 وقتل 84 شخصا وجرح أكثر من 100، من المحتشدين لمشاهدة الألعاب النارية بمناسبة احتفالات العيد الوطني الفرنسي، وعثرت أجهزة الأمن على أسلحة وذخائر داخل الشاحنة التي نفذت العملية.
ولد منفذ هجوم نيس الفرنسية محمد سلمان لحويّج بوهلال في 31 يناير/كانون الثاني 1985، وهو ينحدر من مدينة مساكن بمحافظة سوسة (شرقي تونس)، ويقيم في فرنسا، التي تعيش بسببه وغيره من ذئاب منفردة في حالة طوارئ من وقتها.
وأعلنت ألمانيا من قبل عن تخصيص مكافأة مالية قدرها 100 ألف يورو، لمن يدلي بمعلومات حول المتهم الرئيسي، في تنفيذ هجوم الدهس في حشد شعبي في سوق مزدحمة لأعياد الميلاد وسط برلين ، مساء الاثنين 19 ديسمبر/كانون الأول، وقتل 12 شخصا وجرح قرابة 50، وهو المواطن التونسي، أنيس العامري، الذي تم العثور على بطاقة هوية مؤقتة لطالب لجوء تعود إليه تحت كرسي الشاحنة التي استخدمت لتنفيذ الهجوم، واستجوبت الشرطة التونسية أفراد عائلة العامري البالغ من العمر 23 عاما، المشتبه به، في تنفيذ العملية الإرهابية والتي تبناها تنظيم "داعش".
"العامري" تواجد على أراضي الاتحاد الأوروبي منذ العام 2012، وعاش في البداية في إيطاليا، ثم وصل في العام 2015 إلى ألمانيا، حيث حصل، في أبريل/نيسان 2016، على رخصة الإقامة بصفة لاجئ.
وسكن في مقاطعة شمال الراين-وستفاليا، حيث أقام اتصالات بشبكة إسلامية متشددة بقيادة "أحمد عبد العزيز عبد الله أ."، كانت تجند مواطنين ألمان للالتحاق بصفوف تنظيم "داعش" الإرهابي.
وتجدد الدهس في ألمانيا في 25 فبراير 2017، بعد عملية استهدفت مواطنين في هايدلبرغ بألمانيا، واتضح أن منفذها مواطن ألماني الجنسية، يبلغ من العمر 35 سنة. وأسفرت عن مقتل شخص وإصابة اثنين آخرين، ولم يتم حتى الآن تحديد "لماذا كان الدهس؟".
(المقال يعبر عن رأي صاحبه).