وذكر التقرير أنه على مسافةٍ ليست بعيدة من شمال شرقي ميناء زايد في إمارة أبوظبي، يعكف ضباط أجانب على تدريب نظرائهم من الإماراتيين، على أدوات التجسس الاحترافي الحديثة، إذ يبدأ الأسبوع بمحاضرة في العاشرة صباح الأحد عن "ما هي الاستخبارات؟"، ويوم الخميس يتدربون على كيفية العمل في مجموعات مراقبة تتكون من 4 إلى 6 أعضاء.
ويشير التقرير إلى أنه في الأسابيع اللاحقة يزداد التدريب تقدمًا، ويتعلم الطلاب كيف يمكنهم التخفي عند حضور الاحتفالات مع الدبلوماسيين، وكيف يطورون مهاراتهم الاستخباراتية، مع مشاهدة عروض عن تجنيد عناصر ليبية. وفي موقع آخر يبعد 30 دقيقة من وسط مدينة أبوظبي يدعى "الأكاديمية"، يتدرب الجنود الإماراتيون في مكان يشبه "مزرعة" وكالة المخابرات المركزية في كامب بيري، وهي منشأة تدريب تقع في جنوب شرق ولاية فيرجينيا، حيث الأسلحة وأماكن تعلم القيادة مع الثكنات العسكرية.
وذكرت المجلة أن مسؤولين سابقين في "CIA" أطلعوها على جدول التدريب، إذ لم يرفض هؤلاء المسؤولون العرض المغري الذي قدمته لهم الإمارات، "فالمقابل المادي كان رائعًا"، وفق ما قاله أحدهم لـ"فورين بوليسي"، موضحًا: "كنا نتقاضى ألف دولار في اليوم. يمكنك أن تعيش في فيلا أو فندق 5 نجوم بأبوظبي".
وبحسب ستة مصادر، فإن الشخصية الرئيسية في هذه التدريبات هو لاري سانشيز، ضابط الاستخبارات السابق، الذي أسهم في إنشاء شراكة مثيرة للجدل بين وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وقسم شرطة نيويورك، وهي شراكة سعت لاستباق تحول الإرهابيين المحتملين نحو التطرف عن طريق تعقبهم —غالبيتهم كانوا مسلمين- بالمساجد، والمكتبات، وأماكن أخرى في أنحاء نيويورك.
وكان سانشيز، وهو من قدامى المحاربين في الخدمات السرية لوكالة الاستخبارات المركزية، قد عمل لصالح ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، على مدى السنوات الست الماضية لبناء أجزاء كبيرة من أجهزة الاستخبارات من الألف إلى الياء، بحسب تقرير المجلة. وهو واحد من بين كثيرين شقوا طريقهم نحو الدولة الخليجية للغرض ذاته فقد انتقل إريك برنس مؤسس "بلاك ووتر" لإنشاء كتيبة من القوات الأجنبية التي تخدم ولي العهد، وهو ما أثارته صحيفة نيويورك تايمز لأول مرة في عام 2011. وريتشارد كلارك، وهو أيضا مستشار كبير لولي عهد أبوظبي بصفته الرئيس التنفيذي لشركة "غود هاربور" لإدارة المخاطر الأمنية.
بدأت علاقة سانشيز بالإمارات حين كان في قسم شرطة نيويورك، فقد بنى علاقات طيبة ومستمرة مع مسؤولين إماراتيين رفيعي المستوى، من بينهم الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان حاكم إمارة أبوظبي، بحسب ما قاله موظف سابق بأحد أجهزة الأمن للمجلة.
وأوضح المصدر أن سانشيز استطاع ان يستميل الإماراتيين بالتزامه، فلم يكن عالم الاستخبارات مألوفا لديهم، وحينها استغل الأمر وقال لهم: "لن أفعل مثلما تفعل بعض المؤسسات الأمريكية الأخرى التي تبدأ الأمور ثم تتركها، سأكون موجودًا من أجلكم طول الوقت، اتصلوا بي في الثالثة فجرًا وستجدونني".
يركز الهدف الرئيسي لسانشيز على تدريب الإماراتيين على العمل كجواسيس وجنود قوات خاصة. وتطور البرنامج التدريبي الذي بدأ كبرنامج توجيه بسيط بقيادة الإمارات، بشكلٍ أسرع مما كان يتوقع أيٌ من المشاركين به؛ إذ بدأوا الاعتماد بشكل كبير على سانشيز، لدرجة أنَّهم أرادوا منه بناء جميع وكالات الاستخبارات الرئيسية.
وتنقسم الدورات التدريبية التي صممت على صورة تدريبات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إلى أقسام مختلفة؛ من بينها "أسس الاستخبارات" الذي يتضمن معسكر تدريب مباشر على كتابة التقارير والاستجواب وتسجيل الملاحظات، ودورة برنامج الاستخبارات "الخارجية"، ودورة مكتب التحقيقات الفيدرالي/الشرطة، ودورة شبه عسكرية، بالإضافة لدوراتٍ أخرى.
ويتضمن جدول التدريب الذي حصلت عليه مجلة "فورين بوليسي"، تدريباتٍ تعرف باسم "تعقب الأرنب"، يأخذ فيها المحاضر الطلاب في مهمة مراقبة، ويدربهم على ألا يجذبوا انتباه مدرب آخر يحاول بدوره تجنبهم. ويتعلمون كذلك "فن الترصد"، وكيف يكشفون الأهداف المحتملة، فيما يشبه تدريب وكالة الاستخبارات الأمريكية.
وفي إحدى الدورات على سبيل المثال، يُدرِّس ضباط سابقون بقوة دلتا فورس الخاصة الأمريكية المهارات شبه العسكرية، مثل القيادة وإطلاق النار. ويقول أحد المدربين السابقين: "عادة يذهبون إلى تلك الدورة قبل أو بعد نشرهم في مكان مثل اليمن".
وفي الأشهر الستة الأخيرة أو نحو ذلك، نظر سانشيز وفريقه إلى الخارج؛ سعيًا لتشكيل جهاز استخبارات خارجية جديد بتقديم دورة تدريبية في الاستخبارات الخارجية، تركز على التهديدات خارج حدود الدولة الخليجية في دولٍ مثل اليمن، وإيران، وسوريا، وقطر، وإريتريا، وليبيا.
ووفقا للتقرير، حاولت الإمارات إحاطة مشروعها الاستخباراتي بالسرية والتكتم، لكن سفارة الإمارات في واشنطن لم ترد على الطلبات المتكررة بالتعليق على هذه التقرير، كما لم يرد مكتب إعلامي تابع لحكومة الإمارات على رسالة توضيحية من المجلة.
ونقلت "فورين بوليسي" عن أحد المصادر، أن "الإماراتيين يعيشون في منطقة سيئة، فهم يرون أن دولة فاشلة، ويواجهون بانتظام قادة القاعدة، ويخشون الوضع غير المستقر في الصومال وعمان، فضلا عن صراعهم العميق مع إيران، ورغم أنهم أصدقاء للولايات المتحدة، فهم يشعرون بالقلق من أن سيتخلى عنهم يومًا ما؛ ولذلك يفكرون في حماية أنفسهم".
لكن مصدرين آخرين يقولان إنه إنه حتى لو جهزت الإمارات جواسيس مدربين، فإن نشرهم في الخارج غير مضمون، إذ إنها لا تُمول سفارات في تلك الدول؛ وبالتالي لا يتوفر الدعم المادي اللازم لتطبيق البرنامج بنجاح، ولا سيما في دول أكبر وأكثر وعيا بالأمن مثل إيران.
وبحسب ما نقلته "فورين بوليسي" عن مصادر متعددة، فقد وقعت مشكلات إدارية تسببت في رحيل عدد كبير من الموظفين في البرنامج، لدرجة أن سانشيز نفسه قد يتقاعد قريبًا، بعد أن تزايد الخلاف بينه وبين المسؤولين الإماراتيين، لكن هناك برنامجًا آخر ربما يشرع فيه من أسهموا في بناء المخابرات الإماراتية، إذ يقول مصدران إن "هناك جهودا متوقفة منذ سنوات لتقديم برنامج تدريب استخباراتي مماثل في المملكة العربية السعودية".
وكانت شبكة "سي إن إن" الأمريكية قالت إن لديها معلومات عن أن الجنرال الأمريكي جيمس ماتيس عمل مستشارا عسكريا لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد تقاعده من سلاح البحرية وقبل تعيينه وزيرا للدفاع في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.