تحدث عون عن العلاقات اللبنانية — الروسية التاريخية التي تعود للقرن التاسع عشر، لافتا إلى أنه سيبحث خلال الزيارة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سبل تطوير هذه العلاقات على مختلف الأصعدة، كما ويتم تحضير المواضيع بناء على رغبة من الجانبين، مشددا على أهمية دور روسيا في المساعدة على إنشاء أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار عبر المساهمة فيها.
ومن بين المواضيع ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط والحروب التي اندلعت في عدد من دولها ونتائجها التي لا يزال لبنان يتحملها، بالإضافة إلى انعكاسها على وضع المسيحيين في المشرق وملف النازحين في ضوء المبادرة الروسية التي تنص على تشجيع عودتهم والموقف اللبناني من هذه القضية الذي تؤيده روسيا.
وقال "قد نتطرق إلى قضية القدس وإسرائيل، بالإضافة إلى تقوية العلاقات اللبنانية —الروسية الثقافية والحضارية وتلك القائمة بين الشعبين التي نرغب بتطويرها في مختلف المجالات في ظل وجود مراكز ثقافية وتعليم اللغات فضلا عن السياحة بين البلدين. كما يهمنا بحث العلاقات الاقتصادية التي نرغب أيضا بتوسيعها".
ملف النازحين والعلاقات مع سوريا
وعن ملف النازحين، قال الرئيس عون: "إن لبنان يأخذ علما بالشروط الدولية لكنه سيتصرف وفق ما تمليه عليه مصلحته العليا فالمجتمع الدولي لا يساعده فيما هو يساعد السوريين على العودة بحيث بلغ عدد العائدين من لبنان 172 ألف نازح لغاية اليوم"، لافتا إلى أن المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي الذي جال أخيرا في سوريا واتصل شخصيا وبكل حرية ومن دون مراقبة مع العائدين، "أبلغنا أن وضع هؤلاء جيد وهم يعيشون هناك بارتياح".
واعتبر الرئيس عون أن الحصار على "حزب الله" يصيب كل اللبنانيين، مشددا في المقابل، على أن" لبنان بلد محايد وليس بإمكان أحد حجبنا عن أي بلد في العالم. صحيح أننا لا نتدخل بمشاكل الآخرين ولكننا نريد المحافظة على شخصيتنا".
المبادرة الروسية
وعما إذا كان لبنان قادرا على تنفيذ المبادرة الروسية من دون أن يأخذ في عين الاعتبار الشروط التي يضعها المجتمع الدولي قبل عودة النازحين إلى وطنهم، قال الرئيس عون: "إن لبنان يأخذ علما بالشروط الدولية ولكنه سيتصرف وفق ما تمليه عليه مصلحته العليا، فالمجتمع الدولي لا يساعده فيما هو يساعد السوريين على العودة بحيث بلغ عدد العائدين من لبنان 172 الف نازح لغاية اليوم"، لافتا إلى أن المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي الذي جال أخيرا في سوريا واتصل شخصيا وبكل حرية ومن دون مراقبة مع العائدين، "أبلغنا أن وضع هؤلاء جيد وهم يعيشون هناك بارتياح".
"التطبيع" مع سوريا وإعادة الإعمار
وعن بروز مصطلح جديد حول "التطبيع" مع سوريا، ومدى استعداد الرئيس عون للقيام بزيارة إلى هناك إذا ما تطلبت المصلحة اللبنانية لعودة النازحين برغم الخلافات القائمة، أوضح رئيس الجمهورية إننا في لبنان "مطبعون" للعلاقات مع سوريا التي تتميز بوجود سفراء في كلي البلدين، وهي ليست بمقطوعة. إن لبنان بلد مجاور لسوريا ويجمعهما العديد من القضايا المشتركة التي سنبحث بالتأكيد في حلها. وإذا تطلب الأمر زيارة فسيتم ذلك، أما إذا لم يتطلبها، فبإمكان السفراء والوزراء والمجلس الأعلى القائم بين البلدين البحث بالقضايا ذات الصلة حيث أن زيارة الرؤساء تتطلب وضعا خاصا ولا تكون بغرض السياحة.
وحول المشاركة اللبنانية في إعادة إعمار سوريا والدور الروسي في ذلك، أكد رئيس الجمهورية أن باستطاعة لبنان المشاركة، وفيه العديد من الشركات اللبنانية التي تتولى الإعمار. كما باستطاعته المساهمة من الناحية الجغرافية من خلال مرفأي بيروت وطرابلس. فبإمكان الأخير أن يغذي منطقة حمص وحماه وغيرها، فيما باستطاعة مرفأ بيروت تغذية المنطقتين الوسطى والجنوبية. وبذلك بإمكان لبنان نقل مواد البناء والإعمار إلى سوريا. وإننا نخطط لإنشاء سكة حديد ساحلية حيث أن هناك مدخلين لسوريا أحدهما في الشمال في حمص، والثاني باتجاه دمشق من البقاع. وهذه الخطة تستلزم بعض الوقت، والإعمار في سوريا لن يتم على المدى القصير.
الضغوط الدولية
وعما إذا لمس أي نوع من الضغوط على لبنان لعدم المشاركة في إعادة إعمار سوريا، أوضح الرئيس عون أن الضغوط تمارس على الجميع حاليا، في ظل ربط المجتمع الدولي الإعمار وعودة النازحين بالحل السياسي. وقال: "إن الأمر يتطلب إيجاد مصادر تمويل ليس من لبنان او سوريا بالتأكيد اللذين بالكاد يكفيان حاجاتهما بعد الظروف التي مرا بها، بل من كل الدول الأخرى بما فيها أوروبا وأمريكا ودول الخليج. وإذا تمنعت هذه الدول عن ضخ الرساميل فسيتوقف الإعمار إذا ما حصل ضغط أو لم يحصل".
وقال "إن الضغوط السياسية مباشرة، والمجتمع الدولي لايتردد بقراره وبربطه عودة النازحين باعمار سوريا والحل السايسي فيها. ان النقاش مع الموفدين الدوليين عندما يزورون لبنان يتمحور حول هذه النقطة بالتحديد. ولبنان يرفض الامر لان لا ارتباط بين رغبة النازحين بالعودة ومنعهم من قبل المجتمع الدولي الذي يسعى لاخذ النازح رهينة كي يقبض ثمنه في الحل السياسي. ان اخذ الرهائن وخاصة البشرية ممنوع وثمة مخالفات كثيرة في ذلك. ثم ان لبنان صغيرالمساحة، واصبحت الكثافة فيه 600 شخص في الكيلو متر المربع الواحد، وهذه كثافة مدنية بطبيعتها وليست كثافة وطن".
وردا على سؤال، اشار رئيس الجمهورية الى "أن لبنان يعيش ضمن الحصار المفروض على المنطقة، لاسيما وأنه لا يستطيع العمل مع سوريا، كما ان "حزب الله" محاصر ماليا. فأصبحنا بذلك محاصرين عالميا، لأن الـتأثير السلبي للحصار على "حزب الله" يصيب كل اللبنانيين، كما المصارف اللبنانية، فكل مصرف لبناني لديه توجس من التعامل مع اي مودع خوفا من أن يكون لديه علاقة مع "حزب الله". فالمصرف أصبح لديه خوف من الزبائن الذين بدورهم يخافون منه. وهذا الخوف المتبادل لا يبني اقتصادا وعلاقات تجارية سليمة، وبذلك اصبح لبنان ضمن الحصار المفروض على الآخرين ولاسيما على إيران، وهو يمرّ نتيجة لذلك بأزمة كبيرة ولكن لا نتوقع المزيد من الاجراءات على المصارف".
الحدود البحرية
وعما اذا سيبحث الرئيس عون في موضوع الخلاف اللبناني- الاسرائيلي حول الحدود البحرية وملفي النفط والغاز مع الرئيس بوتين واذا ما يمكن لروسيا ان تقوم بدور الوسيط النزيه، قال الرئيس عون: ان لا شيء يمنع من ذلك، لافتا الى ان هذا الموضوع سيتم بحثه مع وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو غدا خلال زيارته الى لبنان، وعلى ضوء ما يمكن ان نستنتجه نبني على الشيء مقتضاه.
التقارب اللبناني- الروسي
وعما يتردد عن انزعاج اميركي من التقارب اللبناني —الروسي والضغوط التي تمارس لكبحه، اوضح رئيس الجمهورية ان ما يجمع لبنان وروسيا اعتراف متبادل وعلاقات تاريخية تميزت حتى في ايام الاتحاد السوفياتي السابق والتوتر بينه وبين الولايات المتحدة،
بالمحافظة على التمثيل الديبلوماسي رغم محدودية العلاقات آنذاك. اننا في لبنان لا نتأثر بالخلافات بل نقيَم الامر على ضوء مصالحنا وصداقتنا مع الشعوب. "فلبنان بلد محايد وقد اقترحت جعله مركزا عالميا لحوار الثقافات والحضارات والاديان والاثنيات. وليس بامكان أحد حجبنا عن اي بلد في العالم. صحيح اننا لا نتدخل بمشاكل الاخرين ولكننا نريد المحافظة على شخصيتنا".
وسئل رئيس الجمهورية عن الهواجس اللبنانية من قبول الهبات العسكرية الروسية، فاكد ان الاسلحة التي بحوزة القوى العسكرية اللبنانية تختلف عن الاسلحة الروسية حاليا ولبنان يقوم باستقدام التجهيزات من أمريكا، فيما استعمال الاسلحة الروسية يتطلب تغيير نظام الاسلحة المستخدم، لافتا الى ان لبنان بحاجة الى مصدر اسلحة، وفي المستقبل لا نعلم كيف يتطور الوضع.
وفي موضوع الكهرباء والاستعانة بالخبرات الروسية، اوضح رئيس الجمهورية ان النظام اللبناني حر، ويجب طرح اي التزام على المناقصات، لافتا الى ان لا شيء يمنع ان تتقدم روسيا على مناقصات فتحصل على الالتزامات اذا ما كانت عروضها افضل.
وعن لقاء مصالح البلدين، شدد الرئيس عون على ان للبنان وضعا خاصا ودقيقا جدا، فهو مطوق ويقع ضمن مثلث متساوي الاضلاع بين روسيا واميركا والصين، فيما لا تزال السياسة العامة في الشرق الاوسط غير واضحة المعالم. ووضعه لا يسمح له بالاختيار فهو لن يدخل في حروب مع اي من الافرقاء بل يسعى للتفتيش عن صداقات الجميع. من هنا نحن نقول بالصداقة للجميع والخلافات لمن هم مختلفون.
وشدد على ان اللبنانيين على علاقة تاريخية مع روسيا تعود للقرن التاسع عشر، مشيرا الى أنه عندما وقعت أحداث 1860، ووضع اتفاق 1864 وتوزعت حمايات الدول على اساس ديني، كانت روسيا من ضمن المجموعة التي منحت الحماية للمسيحيين اللبنانيين الارثوذكس وفرنسا للموارنة والنمسا للكاثوليك وانكلترا للدروز. ومن هنا نشأت العلاقات القوية مع روسيا وانتشرت بين اللبنانيين على مختلف اطيافهم. ومن دون ان ننسى ان لدى روسيا اهتماما خاصا بالاراضي المقدسة في فلسطين.
أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار
وأشار رئيس الجمهورية الى أهمية دور روسيا في المساعدة على إنشاء أكاديمية الانسان للتلاقي والحوار عبر المساهمة فيها، لافتا الى أنه تم طرح هذا المشروع امام الامم المتحدة تحت رعاية "الاونيسكو"، والمطلوب اليوم من الجميع تأييده والمشاركة فيه لاسيما وأنه يعني العالم كله. وكشف أنه بدأ طرح مشروع إنشاء هذه الأكاديمية لدى دول عدة، كفرنسا وألمانيا والهند والصين، لافتا من ناحية ثانية، الى أن عصبة الامم فشلت بعد الحرب العالمية الاولى بتحقيق الهدف الذي أنشئت لأجله وهو نشر السلام، فاندلعت الحروب، وهذا ما حصل بعد الحرب العالمية الثانية مع الامم المتحدة، موضحا أن سبب ذلك يعود الى أن معاهدات السلام وضعت فقط على الورق، وبين حكومات لديها مصالح، من دون تحقيق مصالحات حقيقية بين الشعوب التي تختلف عن بعضها البعض في المعتقدات، ولم يتخط تفكيرها الانساني حدود دولها.
ورأى الرئيس عون ان "الانسان عدوّ ما ومن يجهل، ولذلك عليه أن يتعرف على الآخر فيكتشف في المحصلة انه يفتش مع هذا الآخر عن الهدف ذاته، اي السلام والازدهار. وهذه هي النقاط التي نحن في لبنان نعمل على تطويرها وتثبيتها ضمن ثقافتنا، ولذلك يتضمن المشروع المطروح مركزا للحوار الى جانب أكاديمية تمنح شهادات في هذا المجال، فننشر عبر ذلك هذه الثقافة بين دول العالم وبين مختلف الاعراق والجنسيات." وشدد رئيس الجمهورية على أهمية "تربية المواطن على معرفة الآخر المختلف عنه باللون والاتنية والمعتقد والتقاليد، مع ضرورة احترام حرية المعتقد وحق الاختلاف وحرية الرأي، وبذلك يعيش الانسان بسلام، إلا أن حرب المصالح تبقى موجودة، وعلينا التخفيف منها لأن الجميع يريد الاستمرارية والعيش".
مسيحيو المشرق
ونفى الرئيس عون ردا على سؤال وجود مخاوف من تقسيم المسيحيين في المشرق، لافتا الى أن المسيحيين يريدون أن يعيشوا ضمن مجتمع متعدد بعيدا عن الآحادية، التي هي ضد تفكيرنا وثقافتنا، مشيرا الى سقوط الآحادية الدينية كما السياسية المتمثلة بالانظمة الديكتاتورية، وكذلك الآحادية العرقية، " فلا يمكن العودة اليها مجددا او القبول بها". وتحدث في هذا المجال، عن وجود "ما يخالف هذا المسار العالمي الحضاري، وهو اقرار اسرائيل بما يسمى بالدولة القومية اليهودية التي تحمل صفة الآحادية، وتريد أن تعيش ضمن محيط مختلط ومتنوع ما يسبب المشاكل". وقال:" لقد دفعت منطقة الشرق الاوسط حوالي 1400 سنة من حروب ومشاكل بين الاسلام والمسيحية حتى تمكنا من الوصول الى الاستقرار الذي ننعم به. فلدى المشرقيين ثقافة مشتركة، مقتبسة من الاسلام والمسيحية، ما يجعل من لبنان بلدا فريدا من نوعه يتميز بمجتمعه المتنوع الذي يختلف أبناؤه في بعض الاحيان في ما بينهم سياسيا، ككل الدول الديموقراطية، ولكن لا يختلفون على الوطن، وهذا هو الأهم".
وردا على سؤال عن إمكانية وجود قوة تحاول بث الخلاف بين مسيحيي المشرق كما حصل في اوكرانيا، أكد الرئيس عون عدم وجود هكذا حالة في منطقة الشرق، "ففي لبنان يوجد ارثوذكس يونانيون، وهناك ارثوذكس روس، ولا أرى اي اختلاف بين الاثنين، ولا حتى بين مختلف الكنائس المسيحية". وقال:" كل لديه الحرية باعتقاداته وتفسيره واجتهاداته. ولكن اساس الدين المسيحي هو الانجيل وتعاليم السيد المسيح. فالمسيحية نشأت في مناطق مختلفة يتميز كل منها بتقاليدها وثقافتها، ولا بد من أن تتأثر بهذه التعددية الموجودة".