وعلى الرغم من مشاركة المرأة المغربية في جميع الحراكات الاحتجاجية كحراك الريف وغيره بجانب الرجال، ووصل بعضهن لمناصب عليا داخل الحكومة ومجلس النواب، وحتى في الوظائف الخاصة كقطاع المقاولات، لا يزال العنف ضدهن قائمًا.
تمثل المرأة أكثر من نصف سكان المغرب، حيث بلغ عدد النساء نحو 17.67 مليون، حتى منتصف العام المنصرم، بحسب المندوبية السامية للتخطيط في المغرب (إدارة مستقلة عن الحكومة).
وتشكو النساء في المغرب من التهميش، خاصة في القرى التي تشهد نسبا كبيرة من الأمية، وبحسب المندوبية السامية للإحصاء، فإن 14.8% من الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن، بين 15 و24 سنة، أميات، وتشكو النساء أيضا من البطالة.
وكشف تقرير حكومي عن نتائج البحث الوطني حول العنف ضد النساء في المغرب، أن أكثر من 54.4% من نساء المغرب تعرضن للتعنيف.
"موروث ثقافي"
فاطمة أفيد، الفاعلة الحقوقية والنقابية المغربية قالت، إن "اضطهاد المرأة إشكالية ثقافية، ليس فقط في المغرب بل يمتد ليصل للكثير من البلدان العربية والإسلامية، والتي تسود فيها بعض الأفكار التي تعتبر المرأة ملك للجميع".
وأضافت في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "المرأة المغربية رغم مشاركتها في الحركات الاحتجاجية ووصلولها لمراكز صنع القرار وداخل المؤسسات الحكومية والبرلمان، تتعرض للعنف دائمًا"، مشيرة إلى أن "الأزمة ثقافية، ولا يمكن للقوانين حلها بشكل أوتوماتيكي".
وتابعت: "الحكومة لا يكفي أن تستجيب لمطالب الحركة النسائية في تغيير القوانين، فلابد من تغير نمط التفكير، فيمكن لزوج أن يتعرض لزوجته ويتم سجنه، وبعد أن يخرج يعتدي عليها مرة أخرى، وهذا لأنه يعتبر أن هذا حق من حقوقه".
"نظرة مهينة"
وأشارت إلى أن "العاطلين في الشوارع من الذكور، يعتبرون أن عمل المرأة هي السبب في ذلك، رغم عدم امتلاكهم أي شهادات أو خبرات تؤهلهم لسوق العمل".
وبينت أن "اضطهاد المرأة تزرعه المدرسة في الأطفال منذ نعومة أظافرهم، فصورة المرأة في المقررات الدراسية مهينة، وتخلق تلك المقررات لديهم صورة نمطية بأن المرأة للبيت والرجل للعمل".
وأوضحت أن "بحانب الموروث الثقافي الخاطئ، السياسات العمومية للدولة لم تحاول العمل على هذا الملف الشائك، انطلاقًا من التربية والإعلام، والذي يصور المرأة بشكل غير لائق، حتى مضامين الأغاني والأفلام".
وبشأن معالجة مشكلة اضطهاد المرأة، أضافت: "يتطلب هذا عملًا كبيرًا على التربية والتكوين، بالإضافة إلى فتح قنوات للتواصل لإعادة تربية الأطفال ومحو الصورة الذهنية الخاطئة لديهم عن المرأة".
"فقر وخطاب تحريضي"
ومن جانبها قالت خديجة الرياضي، منسقة التنسيقية المغاربية لحقوق الإنسان، والرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، قالت، إن "اضطهاد المرأة المغربية بات أمرًا طبيعيًا في المجتمع، حيث تؤكد كل التقارير الرسمية أن النساء يتعرضن للعنف، ولم يحصلن على حقوقهن".
وأضافت في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "النتائج التي خرج بها تقرير البحث الوطني، والتي تقول إن أكثر من 54% من نساء المغرب تعرضن للعنف لا يعبر عن الرقم الحقيقي، حيث أنه استهدف النساء اللاتي يتخطين الـ 18 عامًا"، مؤكدة أن "المغربيات دون سن الـ 18 يتعرضن أيضًا للعنف وبحالات كبيرة".
وأشارت إلى أن "هناك عدة أسباب أدت إلى اضطهاد المرأة المغربية، أهمها قلة التعليم والفقر، خصوصا في الأماكن القارية، بالإضافة إلى الخطاب الإعلام التحريضي ضد المرأة، خصوصا مع انتشار القنوات الإسلامية المتشددة، والتي تعتبر اضطهاد المرأة أمرًا عاديًا ومقبولًا، بل تقوم بالتحريض عليه".
"إحصائية صادمة"
وقالت بسيمة الحقاوي وزيرة الأسرة والتضامن والتنمية الإجتماعية بالمغرب، إن "54,4 بالمائـة هـي نسـبة انتشـار العنـف ضـد النسـاء خلال الأثني عشـر شـهرًا السـابقة لتاريخ إجـراء بحث في هذا الصدد".
وأضافت الحقاوي خلال تقديمها للنتائج الأولية للبحث الوطني الثاني حول العنف ضد النساء، مايو الماضي، أن "نتائج البحث أكدت أن أعلى نسبة انتشار للعنف تم تسجيلها بالمجال الحضري بنسبة 55,8%، فيما بلغت نسبة النساء المعنفات في المجال القروي 51,6%".
وزادت الوزيرة بخصوص العنـف حسـب الفئـات العمريـة, أن أكثـر الفئـات العُمرية المعرضة للعنف ضد النساء هن اللواتــي تتــراوح أعمارهــن بيــن 25 و29 ســنة بنسبة 59,8%.
وفيما يخص نسبة انتشار العنف حسب الوسط، قالت الوزيرة إنه يســجل فــي ســياق الخطوبــة وفــي الوســط الزوجــي أعلــى نســب الانتشار، حيــث أن 54.4 % مــن المخطوبــات و52.5 بالمائــة مــن النســاء المتزوجــات تعرضــن للعنــف علــى الصعيــد الوطنــي.
أمــا العنــف فــي الأماكن العموميــة، فقــد تعرضــت لــه 12,4 بالمائــة مــن مجمــوع النســاء المغربيــات البالغــات مــا بيــن 18 و64 ســنة تضيف الوزيرة.
وأشارت الوزيرة المغربية إلى أنه "تتبايــن النســب بيــن النســاء بالمجــال الحضــري والنســاء بالمجــال القــروي، حيــث نجــد أن النسـاء بالمجـال القـروي قـد تعرضـن للعنـف أكثـر فـي الوسـط العائلـي، بنسـبة 19,6 بالمائـة مقابـل 16,9 بالمائـة مـن النسـاء بالمجـال الحضـري، وأنهـن أكثـر عرضـة للعنـف فـي الوسـط التعليمــي بنســبة 25,5 بالمائــة مقابــل 21,6 بالمائــة مــن التلميــذات والطالبــات بالمجــال الحضــري".
وفيما يتعلق يالعنف بواسطة الأنترنت أفادت الوزيرة أن 13,4 بالمائـة مـن النسـاء صرحن أنهـن تعرضـن لأفعال عنـف بواسـطة الأنترنت مردفة بالقول: "وقـد اتضـح مـن المعطيـات المحصـل عليهـا أن الفئـات العمريـة الشـابة هـي الأكثر عرضـة لهـذا النـوع مـن العنـف ويمثـل التحـرش 71,2 بالمائـة مـن أفعـال العنـف الممارسـة إلكترونيـا".
وقالت المسؤولة الحكومية أنه إذا كانـت 54,4 بالمائـة مـن النسـاء قـد تعرضـن لشـكل مـن أشـكال العنـف، فـإن حوالـي ثلـث 32,8 من النسـاء المعنفـات كـن ضحايـا لأكثر مـن شـكل واحـد مـن العنـف حيث تعرضـت 3,2 بالمائـة مـن النسـاء اللواتـي تتـراوح أعمارهـن مـا بيـن 18 و64 سـنة، أي 349 ألف و688 امرأة تعرضن لجميـع أشـكال العنف".
وفيما يخص الإجراءات المتخذة من طرف النساء بعد التعرض للعنف فمـن بيـن العوامـل التـي تضاعـف مـن مأسـاة النسـاء المعنفـات تقول الحقاوي أنهـن تكتمـن واقعـة العنـف التـي تضـل دفينـة فـي ذاكرتهـن مـع مـا قـد يترتـب عـن ذلـك مـن جـرح نفسـي، إن لـم يكـن جسـدي أو اقتصـادي أو اجتماعـي.
وبلغــت نســبة النســاء اللاتي لجئــن لجهــة معينــة قريبــة أو مؤسســية لعد تعرضهن للعنف 28,2 بالمائــة حسب نتائج البحث حيــث تشـكل النسـاء بالمجـال الحضـري نسـبة 31.7 بالمائـة، والنسـاء بالمجـال القـروي نسـبة 20.9بالمائــة.
وبحسب أرقام البحث الذي أنجزته وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، شمل عيّنة من 13.543 امرأة تتراوح أعمارهن بين 18 و64 سنة، فإنّ نسبة اللواتي يتقدمن بشكاية ضدّ المعنّف لا تتعدى 6.6 في المئة، 7.7 في المئة منهن بالوسط الحضري و4.2 بالوسط القروي، بينما 93.4 في المئة من النساء المعنَّفات يحجُمْن عن ذلك.