الهجوم على كنيسة "مار إلياس" يفاقم التوتر في سوريا وسط تحديات أمنية واقتصادية
© Photo / sana
تابعنا عبر
حصري
شهدت العاصمة السورية دمشق، أمس الأحد، واحدا من أكثر الأحداث دموية منذ بداية المرحلة الانتقالية في البلاد، حيث استهدف تفجير انتحاري كنيسة مار إلياس في دمشق، مخلّفا عشرات الضحايا بين قتيل وجريح.
وحول تداعيات هذا العمل الإرهابي على المشهد السوري، قال المحلل السياسي والبرلماني السابق أحمد الأحمد في حديث لوكالة "سبوتنيك": "استهدف الهجوم مكانًا دينيًا مقدسًا في قلب العاصمة، ما عزز الشعور العام بأن لا مكان آمن في البلاد، حتى في المناطق التي يعتقد أنها تخضع لحماية أمنية مشددة".
وأضاف الأحمد: "هذا الخوف لا يقتصر على المسيحيين وحدهم، بل يطال مختلف فئات المجتمع، خاصة مع عودة العمليات الانتحارية التي كانت تراجعت خلال السنوات الماضية"، مشيرا إلى أنه "رغم أن المجتمع السوري معتاد تاريخيا على التعايش، فإن مثل هذا الهجوم يثير مخاوف من احتمال استهداف الأقليات الدينية في ظل هشاشة أمنية واضحة".
وأوضح الأحمد أن "خطابات التخوين والتسييس قد تظهر بقوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يهدد بتعميق الانقسام المجتمعي، لا سيما إن لم تتم إدارة الأزمة بخطاب وطني جامع وحكيم".
وشرح الاحمد أن "تفجير كنيسة مار إلياس ليس مجرد حادث أمني، بل هو جرح اجتماعي عميق يعيد فتح ملفات الطائفية، والخوف، والانقسام. وإذا لم تواجه آثاره بخطاب وطني شامل وإجراءات أمنية واحتوائية حقيقية، فقد يؤدي إلى تفكك أعمق في النسيج المجتمعي. ومع ذلك، لا يزال هناك أمل، فالمجتمع السوري يمتلك عناصر مرونة وصمود ظهرت في بعض مواقف التضامن، وهو ما يمكن البناء عليه لتجاوز المحنة".
انعكاس التفجير على الحكومة السورية الجديدة
وفي سياق متصل، تحدث الأحمد عن أثر هذا الحدث على الحكومة الجديدة، موضحًا أن "تصاعد نشاط خلايا داعش وعودة التفجيرات الموجهة ضد الدولة ومؤسساتها، يضع الحكومة أمام تحد عاجل لتعزيز الحضور الأمني المركزي وضبط الجماعات المتشددة".
وأشار إلى أن "ذلك قد يدفع الشرع إلى تسريع خطوات دمج القوى الأمنية والمجموعات المسلحة المختلفة تحت قيادة موحدة، في محاولة لإعادة فرض السيطرة"، وشدد على أن "أي فشل في ضبط المشهد الأمني سيؤثر سلبًا على مشروع الشرع السياسي، خاصة في ما يتعلق بكسب ثقة الأقليات وضمان حماية كافة مكونات المجتمع السوري".
وأضاف: "هذه اللحظة قد تشكل فرصة لترسيخ مكانته، إن نجح في تقديم رد فعل حازم وفعال ضد الإرهاب. لكن بالمقابل، فإن الضغوط الداخلية والخارجية أصبحت أكبر من أن تُواجه بالتصريحات فقط؛ فالتحدي الآن يكمن في التطبيق العملي والاستجابة الأمنية السريعة".
التأثير على الواقع الاستثماري
من جانبه، تحدث الخبير الاقتصادي أيهم إبراهيم لـ"سبوتنيك"، عن التداعيات الاقتصادية، موضحًا أن "الانعكاس المباشر والأخطر لهذا التفجير يتمثل في تراجع ثقة المستثمرين بوجود بيئة آمنة ومستقرة". وأضاف: "الاستثمار يحتاج إلى مناخ يمكن التنبؤ بتطوراته، وأي انفلات أمني يعيد تشكيل المشهد بصورة قاتمة، ويربك قرارات الاستثمار، سواء من الداخل أو الخارج".
وأشار إبراهيم إلى أن "الكثير من الشركات الأجنبية، التي كانت تدرس احتمال الدخول مجددًا إلى السوق السورية، قد تعيد النظر في ذلك، خاصة أن الهجوم أعاد التذكير بوجود خلايا نائمة ومخاطر أمنية يصعب السيطرة عليها في المدى المنظور".
ولفت إلى أن "المؤسسات المالية وشركات التأمين سترفع تصنيفات المخاطر المرتبطة بسوريا، ما يعني ارتفاع كلفة التأمين على المشاريع والمنشآت، وتقليل الجدوى الاقتصادية لأي مبادرة استثمارية جديدة، خصوصًا في قطاعات مثل السياحة والخدمات والبنية التحتية".
أما على المستوى المحلي، توقّع إبراهيم أن يؤدي الحادث إلى "مزيد من التردد والحذر لدى رجال الأعمال السوريين، حيث قد يتجه بعضهم إلى تجميد أو تأجيل مشاريعهم، أو حتى التفكير في نقل رؤوس أموالهم إلى الخارج، خشية من موجة جديدة من عدم الاستقرار".
واختتم إبراهيم: "في الوقت الذي بدأت فيه البلاد تخطو أولى خطواتها نحو التعافي، وجه هذا التفجير ضربة قاسية لصورة الاستقرار، وأعاد زعزعة ثقة المستثمرين بالوضع الأمني والمؤسساتي. ولتجاوز هذه المرحلة، تحتاج الحكومة السورية إلى إجراءات أمنية صارمة، وخطاب اقتصادي صريح وشفاف يعيد طمأنة السوق المحلي والدولي معًا".
