احتجاجات وأعمال شغب… ما الذي يحدث في المغرب؟
17:22 GMT 02.10.2025 (تم التحديث: 14:05 GMT 03.10.2025)

© AP Photo / Uncredited
تابعنا عبر
حصري
شهدت العديد من المدن المغربية احتجاجات واسعة تتركز مطالبها حول قطاع الصحة التعليم ومحاربة الفساد، وفق الشعارات التي رُددت خلال تجمعات الآلاف من الشباب أو ما يعرف بـ"جيل زد 212".
وبحسب وسائل إعلام مغربية، قادت الاحتجاجات مجموعة "جيل زد 212"، وهي حركة شبابية غير مؤطرة ولا منتمية لأي تيار أو توجه سياسي، والتي ينخرط فيها عشرات آلاف المتابعين على تطبيق الألعاب "ديسكورد"، ومنصات تواصل اجتماعي أخرى كـ"إنستغرام"(أنشطة شركة "ميتا"، التي تضم شبكتي التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"إنستغرام"، محظورة في روسيا، باعتبارها متطرفة) و"تيك توك"، حيث دعت للتظاهر يومي 27 و28 سبتمبر/ أيلول 2025.
الاحتجاجات التي رفعت مطالب الإصلاح في عديد القطاعات، ولاقت تأييدا من الشخصيات المغاربية والحقوقيين والشارع المغربي، سرعان ما تخللتها أعمال شغب وعنف وإضرام للنيران في مركبات ومنشآت حكومية وخاصة، وفق بيان وزارة الداخلية المغربية، الأمر الذي دفع الأغلبية لإدانة أعمال الشغب والعنف.
وانطلقت الدعوات من مواقع التواصل الاجتماعي وانتقلت للميدان، وعمّت العديد من المدن المغربية، وسط مناشدات من كتاب ونشطاء وسياسيين بضرورة تجنب العنف وأعمال الشغب.
بيانات رسمية
أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية المغربية رشيد الخلفي، أن "القوات العمومية، باشرت الثلاثاء الماضي، بعدد من مناطق المملكة، مجموعة من العمليات والتدخلات النظامية الرامية إلى حفظ الأمن والنظام العامين، حرصت فيها على التعامل مع هذه الأشكال الاحتجاجية بشكل يضمن حماية الأمن والنظام العامين من جهة، والوقاية دون تسجيل أي تهديد لأمن المواطنين وسلامتهم من جهة ثانية، بالإضافة إلى اتخاذ كافة التدابير اللازمة لصون الحقوق والحريات الفردية والجماعية".
وأوضح الخلفي، في تصريح لوسائل الإعلام، أمس الأربعاء، أن "بعض هذه الأشكال الاحتجاجية عرفت تصعيدا خطيرا مسّ بالأمن والنظام العامين، وذلك بعدما تحولت إلى تجمهرات عنيفة استعمل فيها مجموعة من الأشخاص أسلحة بيضاء وزجاجات حارقة والرشق بالحجارة، مما تسبب، حتى ليلة أمس في إصابة 263 عنصرا من القوات العمومية، أي القوات العمومية المغربية بجروح متفاوتة الخطورة، و23 شخصا آخرين، من بينهم حالة استدعت الخضوع للمتابعة الطبية بوجدة، إضافة إلى إضرام النار وإلحاق أضرار جسيمة بـ142 عربة تابعة للقوات العمومية و20 سيارة خاصة".
كما اقتحم المحتجون، بحسب الخلفي، عددا من الإدارات والمؤسسات والوكالات البنكية والمحلات التجارية، وقاموا بأعمال نهب وتخريب بداخلها، بكل من آيت اعميرة بإقليم اشتوكة آيت باها، وإقليم إنزكان آيت ملول وأكادير إداوتنان وتزنيت ووجدة.
في الإطار، قالت الباحثة المغربية خولة اجعيفري، إن "الاحتجاجات الأخيرة في المغرب مشروعة لأن مطالبها مشروعة، حيث انتقلت من الفضاء الرقمي إلى الشارع ورُفعت في بادئ الأمر حول قضايا الصحة والتعليم والشغل، وهي مطالب تبناها الشعب دائماً".
وأضافت اجعيفري، في تصريح لـ"سبوتنيك"، أن "هذه الاحتجاجات تحولت للأسف بشكل مقلق إلى عمليات تخريب، كما شوهد بالأمس في عدة مدن، خاصة المدن الهامشية، بشكل غريب وصل إلى درجة محاولة اقتحام أماكن عسكرية والسطو على الأسلحة، وهو ما يهدد السلم الوطني والأمن العام".
وأوضحت أن "هذا التصعيد يستوجب تدخل الأمن لفض هذه المحاولات التخريبية"، مشيرة إلى أنها لا تعرف لماذا اتجهت الاحتجاجات من السلمية إلى التخريب، لكن هذا أمر مرفوض، فبعد أن كان الشارع المغربي يتعاطف مع هؤلاء الشباب، أصبح اليوم يرفض التخريب، وهناك شبه إجماع على هذه المسألة، على حد قولها.
وتابعت الباحثة، بقولها إن "التجاوب السياسي مع المطالب كان بارداً من طرف الحكومة التي وعدت بالعمل، لكنها تأخرت كثيراً مما زاد من الاحتقان، كما أن الأحزاب السياسية تتفاعل بدورها، لكن الجيل الحالي هو جيل رقمي لا يؤمن بالبلاغات الباردة، بل يؤمن بالفعل أكثر".
وأشارت إلى أن "الحكومة طلبت بمحاورة هؤلاء الشباب، لكن هوية هؤلاء الشباب غامضة ولا أحد يعرف من يحركهم"، لافتة إلى أن "تدخل الملك لإقالة الحكومة غير ممكن بحكم الدستور الذي يحد من سلطاته، لكنها تتوقع أن يتطرق الملك لهذا الموضوع في خطابه القادم بمناسبة افتتاح البرلمان".
وترى الباحثة المغربية أن "المسارات الأفضل للتعامل مع مثل هذه الاحتجاجات هي أن تقوم الحكومة بالإنصات، وأن تبدع طرقاً للتواصل والحوار مع هؤلاء الشباب، مؤكدة أن التخريب أفقد الحركيات الشبابية تعاطف الشارع المغربي".
فيما قال عضو المجلس المغربي للشؤون المغربية أحمد نور الدين، إن "هناك ضرورة للتمييز بين مستويين في الأحداث التي عُرفت باسم مظاهرات "جيل زد" ، الأول هو أن المتظاهرين اليافعين في أغلبهم رفعوا مطالب اجتماعية واضحة تتعلق أساسا بمطلبين تحسين خدمات الصحة وتجويد منظومة التعليم، وارتباطا معهما رفع الشباب شعارا مركزيا هو الشعب يريد إسقاط الفساد".
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن "الشعار يترجم وعي الشباب بقضايا المجتمع ويعطي تشخيصا دقيقا لأسباب تدهور خدمات الصحة والتعليم التي خرجوا للمطالبة بتجويدها وإصلاحها".
وتابع: "كما يحدث في كل المظاهرات الجماهيرية غير المؤطرة سياسيا أو نقابيا، تظهر انفلاتات أمنية ترتكبها فئات مهمشة ومحبطة تنتهز فرصة التجمعات الجماهيرية للقيام بأعمال الشغب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، وهذه ظاهرة معروفة لدى علماء الاجتماع، ونلاحظها في كل دول العالم بما فيها الدول المتقدمة في أوربا وأمريكا واليابان وغيرها".
وشدد نور الدين على ضرورة "عدم وضع الجميع في سلة واحدة، وأن يتم التعامل مع كل فئة بما يناسبها، المطالب الاجتماعية والسلمية يجب أن تجد آذانا صاغية من الحكومة، وأن تتفاعل معها بكيفية إيجابية، وفيما يتعلق بأعمال الشغب فإنه على النيابة العامة أن تطبق القانون لحماية الممتلكات العامة والخاصة".
آليات مغايرة
واستطرد عضو المجلس المغربي للشؤون المغربية: "في العصر الذي نعيش فيه انفجار وسائل الاتصال الاجتماعي العابرة للحدود، وفي عصر الحروب الهجينة التي يمكن فيها التحريض والتجييش من خارج الحدود عبر التكنولوجيات الحديثة، لا يمكن أن ننفي أي دور للجهات الأجنبية المتربصة، وقد رأينا في الثورات الملونة في العديد من الدول حجم التدخل الخارجي، خاصة الأمريكي للإطاحة بأنظمة كانت موالية لروسيا سواء في أوكرانيا سنة 2004، أو جورجيا 2003، أو محاولة الاطاحة بنظام بيلاروسيا سنة 2006، وغيرها من الدول".
ومضى نور الدين، بقوله: "برهنت التحقيقات المحايدة سنوات بعد ذلك أن مؤسسات أمريكية مثل معند "كارنيجي" أو "بيت الحرية" أو "معهد سوروس" كانت وراء تأجيج وتحريض الرأي العام في تلك الدول لخدمة أجندات الهيمنة والسيطرة. وقد نقول مثل ذلك أيضا حتى في محاكمة مدير "مركز ابن خلدون" في مصر الذي كانت وراءه اجندات وتمويل من جهات خارجية حسب حكم المحكمة".
ويرى أن التدخل الخارجي لا ينبغي أن يخلق فوبيا تمنع من رؤية المطالب الاجتماعية بعين موضوعية والاستجابة لها والتفاعل معها.
ولفت إلى أن الأغلبية الحكومية المكونة من ثلاثة أحزاب أصدرت الثلاثاء، بلاغا للرأي العام، كان فيه تفهم لمطالب الشباب حول الصحة والتعليم، وفي نفس الوقت تمت فيه إدانة أعمال الشغب، وعبرت تلك الأحزاب الموقعة على البلاغ بقيادة رئيس الحكومة عن استعدادها للحوار.
ويرى أن أغلبية الشارع السياسي سواء المعارضة داخل البرلمان المكونة من أربعة أحزاب، أو المعارضة خارج البرلمان، أجمعوا على أن الحكومة باختياراتها الليبرالية ، وبانسلاخها عن واقع الفئات الشعبية الضعيفة، ساهمت في تفجير الوضع وخروج الشباب إلى هذه المظاهرات.
تحرك برلماني
ولفت عضو المجلس المغربي للشؤون المغربية أحمد نور الدين إلى أن "البرلمان من جهته حاول إرسال جواب طمأنة إلى الشارع والشباب خصوصا، من خلال عقدة جلسة استثنائية أمس الأربعاء، استمرت إلى وقت متأخر من الليل، ونقلت أطوارها على الهواء مباشرة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت جل المداخلات تدين تردي الخدمات الصحية فيما يشبه محاكمة لوزير الصحة الذي ينتمي لحزب "التجمع الوطني للأحرار"، وهو حزب رئيس الحكومة عزيز أخنوش".
ووفقا لعضو المجلس المغربي للشؤون الخارجية، فإن "الملك غالبا لا يتدخل تحت ضغط الشارع، بل يأخذ مسافة قبل الإعلان عن قرارات استراتيجية، وهذا ما حدث في خطاب 9 مارس 2011، فيما أصبح يعرف بثورات "الربيع العربي"، التي انقلبت إلى خريف جر الوبال على كثير من الدول العربية".
ولفت إلى أن "خطاب العرش (الجلوس) الذي ألقاه في نهاية يوليو تموز 2025 ، يمكن اعتباره ردا استباقيا على ما يجري اليوم من أحداث، فقد وجه انتقادا لاذعا للحكومة قائلا بأنه "يرفض أن يسير المغرب بسرعتين"، وقال أيضا: "هدفنا أن تشمل ثمار التقدم والتنمية كل المواطنين، في جميع المناطق والجهات، دون تمييز أو إقصاء".
ويرى نور الدين أن مطالب الشباب تصب في نفس البوتقة وهي أن فئات اجتماعية تحظى بخدمات في الصحة والتعليم تقارن بنظيراتها في أوروبا والولايات المتحدة، وهناك فئات هشة تعيش أوضاعا صعبة وخدمات أقل جودة.
ما هي حركة "جيل زد"؟
حركة "جيل زد 212"، وهي حركة شبابية غير مؤطرة ولا منتمية لأي تيار أو توجه سياسي، والتي ينخرط فيها عشرات آلاف المتابعين على تطبيق الألعاب "ديسكورد"، ومنصات تواصل اجتماعي أخرى كـ"إنستغرام"(أنشطة شركة "ميتا"، التي تضم شبكتي التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"إنستغرام"، محظورة في روسيا، باعتبارها متطرفة) و"تيك توك"، حيث دعت للتظاهر يومي 27 و28 سبتمبر 2025.
وقالت السلطات المغربية، أمس الأربعاء، إن 263 فردًا من قوات الأمن و23 مدنيًا أصيبوا في احتجاجات مستمرة منذ 4 أيام، شابها العنف في العديد من المدن بمختلف أنحاء البلاد، مضيفة أن المتظاهرين أضرموا النيران في سيارات ونهبوا متاجر.
وذكر متحدث باسم وزارة الداخلية، في بيان، أن "المحتجين استخدموا السكاكين، وألقوا زجاجات حارقة وحجارة"، مضيفًا أن "الشرطة اعتقلت 409 أشخاص، وأن مبان إدارية، وبنوكًا ومتاجر تعرضت للنهب أو التخريب في مدن آيت اعميرة وإنزكان وأغادير وتيزنيت بجهة سوس، بالإضافة إلى مدينة وجدة الشرقية". وفي منشورات على منصات التواصل الاجتماعي تناولت الاحتجاجات، أكدت مجموعة "جيل زد – 212" رفضها للعنف، وأنها ستواصل الاحتجاجات السلمية، على حد قولها.



