خبير في القانون الدولي: المحكمة الجنائية الدولية على حافة الانهيار وفجوة الثقة تهدد وجودها

© AP Photo / Peter Dejong
تابعنا عبر
حصري
تحدث الخبير في القانون الدولي، الدكتور محمد مهران، عن المحكمة الجنائية الدولية وتأثير فجوة الثقة على مهامها ووظائفها، مشيرا إلى أن "المحكمة واجهت صعوبات كبيرة في الفترات الأخيرة أثرت بشكل واضح على استقلاليتها"، معتبرا أن "عام 2025 كان عاما كارثيا على المحكمة، ومن أصعب الأعوام التي مرت عليها".
وقال مهران في حديث لإذاعة "سبوتنيك": "ما تعرض له المدعي العام كريم خان، إلى جانب الضغوط المرتبطة بالتعامل مع الملفات الكبرى، والانتقائية الواضحة في اختيار القضايا والمتهمين، فضلا عن الشلل الإداري والتآكل المتسارع في الشرعية والمصداقية، كلها عوامل أثرت سلبا على عمل المحكمة وقوضت قراراتها، ولا سيما في ظل عدم احترام الدول لقراراتها أو تنفيذها، ما جعلها في كثير من الأحيان حبرا على ورق".
وأشار إلى أن "من أبرز الاتهامات الموجهة إلى المحكمة أنها تفرض قراراتها على الدول الضعيفة، في حين يتم تجاهل قراراتها عندما تتعلق بدول قوية"، مؤكدا أن "المحكمة تعيش حالة انهيار بنيوي كامل، وليس مجرد أزمة ظرفية، إذ أنها منذ تأسيسها تفتقر إلى سلطة تنفيذية، وتعتمد على التعاون الطوعي للدول لتنفيذ قراراتها، ما يسمح للدول المحمية من القوى الكبرى بتجاهل هذه القرارات من دون التعرض لعقوبات حقيقية".
وأوضح الخبير في القانون الدولي، أن "النظام الأساسي للمحكمة منحها اختصاصا واسعا، لكنه لم يمنحها آليات تنفيذ فعالة، في ظل غياب أي شرطة دولية أو قوة عسكرية تفرض تنفيذ أوامر الاعتقال وتجبر الدول على التعاون"، مستشهدا بمرور طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فوق أجواء بعض الدول التي تحترم الحريات، رغم صدور مذكرة توقيف بحقه، باعتبار أن المجال الجوي يخضع لسيادة الدول.
ولفت مهران إلى أن "تعطيل عمل المحكمة يعود أيضا إلى غياب دور مجلس الأمن في حماية عملها، رغم مسؤوليته عن حفظ السلم والأمن الدوليين، إضافة إلى تحكم الأعضاء الدائمين في المجلس بمسار المحكمة، ما جعلها رهينة الموازين السياسية الدولية، وعاجزة عن فرض قراراتها على الدول القوية"، وأكد أن "قرارات توقيف نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بجرائم ضد الإنسانية بقيت من دون تنفيذ" .
ورأى أن "غياب الأقطاب الدولية، إلى جانب الخلل المالي والإداري، وانسحاب بعض الدول من المحكمة، أثر سلبا على أدائها"، مشددا على أن "تقويض دور المحكمة يتنافى مع مبدأ عدم الإفلات من العقاب في القانون الدولي الجنائي بدلا من دعم عملها ورعايتها ماديا وبشتى الوسائل لتؤدي مهامها في مناخ من الاستقلالية التامة".
وأشار مهران إلى أن "الانسحاب من المحكمة وتجاهل قراراتها يقوضان مصداقيتها ويضعانها في موقع بالغ الصعوبة وعلى حافة الانهيار، ولا سيما في ظل العقوبات الأخيرة التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية على المحكمة وكل من يتعامل معها، ما دفع شركات كبرى، مثل "مايكروسوفت"، إلى التراجع عن التعاون معها تجنبا للعقوبات، الأمر الذي انعكس سلبا على أدائها وعملها المؤسسي".
وحول قضية المدعي العام كريم خان، واحتمال ارتباطها باستدعاء نتنياهو أمام المحكمة الجنائية الدولية، اعتبر مهران أن "الاتهامات قد تكون ملفقة نتيجة الضغوط السياسية بسبب موقفه من إسرائيل، وفي حال ثبتت صحتها فإنها تشكل كارثة أخلاقية ومهنية بكل المقاييس، نظرا إلى الدور المنوط به، كرمز للعدالة والنزاهة، في حماية الشرعية الجنائية الدولية والدفاع عن ضحايا انتهاكات القانون الدولي الإنساني".
وأكد أن "الحقيقة لا تزال غائبة حتى الآن، وأن الحكم يبقى في إطار الفرضيات، معربا عن أمله أن يكون السيناريو الأول هو المرجح".
وعن إمكانية ردم فجوة الثقة في عامي 2026 و2027، أعرب مهران عن أمله في أن "تتمكن المحكمة من تصحيح مسارها عبر إصلاح جذري وشامل، يشمل تعديل نظام روما الأساسي لمنحها آليات إنفاذ فعالة بدل الاعتماد على التعاون الطوعي فقط، إضافة إلى تقليص تأثير مجلس الأمن على عملها، ووضع معايير واضحة تمنع الانتقائية، بما يعيد للمحكمة استقلاليتها وصدقيتها".


