ما أهمية إعلان السعودية تشكيل تحالف دولي لإقامة دولة فلسطينية وما إمكانية نجاحه؟

علم السعودية
في وقت فشلت فيه الجهود العربية والدولية لوقف الحرب على غزة، وتصاعد المعارك والقصف في جنوب لبنان، تتزايد المخاوف من اندلاع الحرب الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، في ظل التعنت الإسرائيلي من التوصل لحل سياسي أو سلمي.
Sputnik
إسرائيل التي اعتبرت إقامة دولة فلسطينية مستقلة خطرا على أمنها القومي، ولم تنصع إلى القرارات الدولية كافة التي طالبتها بإنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية، آخرها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، باتت تواجه موقفا عربيا ودوليا رافضا لإجراءاتها وانتهاكاتها للقانون الدولي.
في هذا الصدد، أعلنت المملكة العربية السعودية عن تشكيل تحالف دولي لإقامة دولة فلسطينية وتنفيذ "حل الدولتين"، وذلك يأتي بعد إعلان الرياض نيتها عدم التطبيع مع إسرائيل دون إقامة الدولة الفلسطينية.
ويثير التحالف السعودي تساؤلات حول أهميته وتوقيت الإعلان عنه، ومدى إمكانية أن يسهم في إقامة دولة لفلسطين في ظل التعنت الإسرائيلي و"الفيتو" الأمريكي.
تصويت... برأيك هل ينجح التحالف الذي أعلنت عنه السعودية بتنفيذ "حل الدولتين" وإقامة دولة فلسطين؟

موقف ثابت

اعتبر باحث الشؤون الاستراتيجية والأمنية السعودي، الدكتور فواز كاسب العنزي، أن "الإعلان عن تشكيل تحالف دولي لإقامة دولة فلسطينية يُظهِر مدى تأثير المملكة ودورها الكبير في المنطقة، خاصة في الوقت الراهن، إذ تُثبت من جديد أنها قادرة على توجيه بوصلة السياسة الإقليمية والدولية نحو تحقيق السلام، لا سيما في القضية الفلسطينية التي تعد من أهم ملفاتها".
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، فإن "المملكة تمتلك مجموعة من أدوات القوة التي تجعلها قادرة على التأثير في السياسات الإقليمية، أبرزها دورها القيادي في المنطقة العربية والإسلامية، والذي يجعلها شريكا لا غنى عنه عند مناقشة قضايا المنطقة، علاوة على ذلك، تعتمد المملكة في تحركاتها على مواقف ثابتة ومعتدلة تُعزز من مكانتها كدولة تسعى لتحقيق السلام الشامل، وهو ما اتضح من إعلان التحالف".
ويرى العنزي أن "شبكة علاقات المملكة الدولية مع القوى الكبرى تمنحها قوة إضافية لدفع المجتمع الدولي نحو الحلول التي تتوافق مع مصالح الأمن والاستقرار في المنطقة، إذ يرسل إعلانها عن التحالف الدولي لإقامة دولة فلسطينية رسالة واضحة بأن الرياض قادرة على جمع الدعم الدولي لمصلحة قضاياها الأساسية".

وقال إن "من خلال إصرارها على أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة، يجب أن تكون جزءا من أي عملية تطبيع مع إسرائيل، تُحدّد السعودية معايير اللعبة في المنطقة، عبر رسالة واضحة لبقية الدول العربية، مفادها السلام الحقيقي لا يتحقق بدون حل عادل للقضية الفلسطينية، وهذا الموقف القوي من شأنه أن يُحدث توازنا في التوجهات الإقليمية، بحيث لا يكون التطبيع على حساب حقوق الشعب الفلسطيني".

ومضى قائلا: "عندما ننظر إلى تحركات السعودية من خلال "نظرية الدور"، نجد أنها تعكس رغبة المملكة في أن تكون القائد الذي يوجه مسار الأحداث، فهي لا تريد أن تكون مجرد لاعب عادي، بل تسعى لتوجيه السياسات بما يتماشى مع مبادئها ورؤيتها للسلام، حيث ترى السعودية نفسها القوة المعتدلة التي تحفز الآخرين على اتخاذ مواقف مشابهة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتحقيق السلام العادل في المنطقة".
بهذه الخطوة، والكلام لا يزال على لسان العنزي، "تُظهر السعودية للعالم أنها ليست مجرد متفرج، بل قوة فاعلة تسعى لتحقيق الاستقرار والعدالة في المنطقة"، معتبرا أن "إعلان التحالف الدولي لإقامة دولة فلسطينية هو تعبير واضح عن التزام المملكة بقضية تعتبرها جوهرية، ورغبتها في أن تكون القائدة في توجيه المنطقة نحو سلام حقيقي وشامل".
مسؤول إسرائيلي يكشف عن الموعد المحتمل لإتمام صفقة التطبيع مع السعودية

حراك دبلوماسي

من جانبه، اعتبر المحلل السياسي السعودي، الدكتور سعد الحامد، أن "المملكة منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة وهي تحشد الطاقات والإمكانيات وتستخدم طاقتها الدبلوماسية، لاستقطاب أكبر قدر ممكن من الأصوات نحو الاعتراف بفلسطين، وأهمية العودة إلى مسار التفاوض لإقامة دولة فلسطينية ومنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة".
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، فإن "الحراك الذي دعت له المملكة بتدشين تحالف دولي لإقامة دولة فلسطينية، يأتي نتاجا للجهد الدبلوماسي الذي تمارسه المملكة منذ فترة طويلة، ونتاجا للحشد الكبير للدول الأوروبية التي أدركت الآن أن إسرائيل تقوم بإثارة الحرب في المنطقة، عبر الاعتداء على لبنان وغزة، ولا يمكن توقع أي جهة أخرى قد يتم إشعال الأزمة بداخلها".
ويرى أن "هناك موقفا دوليا مؤيدا حول ضرورة أن يكون هناك حد لما يحدث في فلسطين، وضرورة أن يكون للفلسطينيين دولة استنادا على المواثيق والقرارات الدولية، والمبادرة العربية، مؤكدًا أن المملكة نجحت في حشد الرأي الدولي إضافة للجهود العربية، لوقف التصعيد خوفا من اندلاع حرب كبيرة داخل المنطقة".
وقال إن "التحالف الذي دعت له المملكة جاء انطلاقا من اجتماع جدة، والذي تشكلت عن اللجنة العربية الدولية والتي طافت العالم لتغيير الموقف الدولي تجاه فلسطين، ونجحت في ذلك، حيث توالت الاعترافات الدولية بفلسطين، وأصدرت الأمم المتحدة قرارات ضد إسرائيل، وكذلك محكمة العدل الدولية".
وشدد على أن "الخطوات القادمة أكثر حزما وجدية دبلوماسيا تجاه القضية الفلسطينية وضغطا أكبر، حتى أن أمريكا تشعر بالحرج مما يحدث الآن، ومحاولة نتنياهو جرها لخانة الحرب الدولية على الرغم من مصالحها الخاصة".
ومضى قائلا أن "الوقت مناسب الآن أن يكون هناك حراك دبلوماسي دولي لوضع حد لجرائم نتنياهو ولإقامة الدولة الفلسطينية".
محمد بن سلمان يعلن للعالم موقفه النهائي من التطبيع مع إسرائيل

خطوة مهمة

بدوره، اعتبر أستاذ العلوم السياسية والمستشار الفلسطيني في العلاقات الدولية، الدكتور أسامة شعث، أن "إعلان المملكة السعودية عن إطلاق التحالف الدولي لإقامة دولة فلسطين استنادا لقرارات الأمم المتحدة، خطوة مهمة على طريق تحقيق السلم والأمن الدوليين".
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك": "هناك اجتماعات مكثفة تقوم بها الدبلوماسية العربية والإسلامية وبالتعاون مع كافة الأصدقاء الدوليين بشأن تكثيف الجهود الدولية لتنفيذ حل الدولتين، وذلك في إطار اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العادية الـ79 المنعقدة حاليا".
ويرى أن "الإعلان عن تشكيل التحالف الدولي ثمرة جهد وحراك دبلوماسي عربي وإسلامي كبير ومكثف، وجاء نتيجة قناعة عربية ودولية جماعية بأنه لا حل ولا أمن ولا سلام بالمنطقة ولا حتى بالعالم إلا بإقامة دولة فلسطين المستقلة"، مشددا على "ضرورة ألا يتوقف تشكيل هذا التحالف عند البيانات والمطالبات، بل يتحرك بشكل جدي في إطار اتخاذ قرارات تنفيذية مهمة ضد استمرار احتلال فلسطين، منها قطع العلاقات الدولية والعسكرية والاقتصادية، وتجميد عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، ومن كافة الأنشطة بما فيها الرياضية والأكاديمية غيرها".
واعتبر شعث أن "طريق السلام العادل يبدأ أولا بإنهاء الاحتلال، وإقامة دولة فلسطين، ومن دون ذلك لن يكون هناك استقرار في المنطقة"، مضيفا أن "الأشقاء العرب بذلوا ويبذلون جهودا كبيرة لاستثمار الظروف الراهنة لحالة التعاطف الدولي مع الشعب الفلسطيني وعودة القضية الفلسطينية على طاولة الأجندة الدولية".
وأكد أن "هناك إجماعا دوليا على حقوق الشعب الفلسطيني وضرورة تنفيذ حل الدولتين"، مشيرا إلى "وجود ضرورة ملحة لتشكيل هذا التحالف، ومن ثم عقد مؤتمر دولي لاتخاذ خطوات ملموسة في هذا الإطار، إذ أن هناك فرصة كبيرة تتمثل في رغبة الغرب بالاستقرار في المنطقة العربية، ومنع انزلاق الأحداث إلى حرب كبرى".
وشدد على "ضرورة استخدام لغة المصالحة العربية كوسيلة ضغط، وتشكيل التحالف خطوة جيدة لتحشيد الدول، وعقد مؤتمر دولي تنفيذي بإشراف الأمم المتحدة"، متوقعا أن "يكون هناك زخما دوليا وحضورا مكثفا وكبيرا في التحالف الجديد".
وأشاد أستاذ العلوم السياسية الفلسطينية، بجهود اللجنة العربية الإسلامية التي تشكلت بقرار القمة العربية الإسلامية في الرياض، بهدف حل الدولتين، معربا عن قلقه من الموقف الأمريكي السلبي الذي سيحاول عرقلة هذه الجهود.
وأشار في الوقت نفسه، إلى أن "واشنطن لم تعد كالسابق، نظرا لوجدود لاعبين دوليين جدا، ونظرا للعديد من المتغيرات الدولية التي وضعت واشنطن في مأزق أخلاقي وسياسي كبير، بين الحفاظ على مكانتها الدولية ومصالحها في النظام الدولي وبين استمرار هيمنتها ودعمها السياسي والاقتصادي والعسكري للاحتلال الإسرائيلي والذي يعد انتهاكا للقواعد القانون الدولي".
مسؤول إسرائيلي بارز: التطبيع مع السعودية لا يزال ممكنا قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية

تحالف دولي

وأعلن وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، يوم أمس الخميس، عن تشكيل تحالف دولي لإقامة دولة فلسطينية وتنفيذ "حل الدولتين"، مؤكدا أن الاجتماع الأول لهذا التحالف سيعقد في المملكة.
وقال ابن فرحان، خلال اجتماع وزاري في نيويورك تحت عنوان "الوضع في غزة وتنفيذ حل الدولتين كطريق إلى سلام عادل وشامل": "نيابة عن الدول العربية والإسلامية وشركائنا الأوروبيين، نعلن عن إطلاق التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين ويسرني أن أدعوكم للمشاركة في الاجتماع الأول في المملكة العربية السعودية للمساهمة في تحقيق السلام".
وأضاف: "سنضع خطة عملية لتحقيق الأهداف المشتركة لتحقيق السلام المنشود، سنبذل قصارى جهودنا لتحقيق مسار موثوق ولا رجعة فيه لسلام عادل وشامل".
وأكد ضرورة "التحرك بشكل جماعي في اتخاذ خطوات عملية ذات أثر ملموس للدفع باتجاه الوقف الفوري للحرب، وتنفيذ حل الدولتين، وفي مقدمة ذلك تجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة".
وأشار إلى أن "إقامة الدولة الفلسطينية قضية محسومة وليست موضوعا للمفاوضات. انتظار الحلول التفاوضية في فلسطين لم يعد خيارا ممكناً".
وأكد في حديثة أن "الحرب في غزة أدت إلى كارثة إنسانية، فضلا عن الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلية في الضفة الغربية، وتهديد المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية، تكريساً لسياسة الاحتلال والتطرف العنيف".
وقال ابن فرحان: "الدفاع عن النفس لا يبرر قتل عشرات الآلاف من المدنيين، وممارسات التدمير الممنهج، والتهجير القسري، واستخدام التجويع كأداة للحرب، والتحريض، والتجريد من الإنسانية، والتعذيب الممنهج بأبشع صوره، بما في ذلك العنف الجنسي، وغيرها من الجرائم الموثقة".
وحذر وزير الخارجية السعودي من "خطر اندلاع حرب إقليمية تهدد منطقتنا والعالم أجمع". وطالب بوقف فوري للحرب، وجميع الانتهاكات المخالفة للقانون الدولي، وتقديم كل من يعرقل المسار السلمي إلى العدالة.
وأشار ابن فرحان في كلمته إلى أن "البعض يصر على التطبيق الانتقائي للقانون الدولي، في مخالفة صريحة لأبسط معايير المساواة، والحرية، وحقوق الإنسان".
ووفقا له، فإن "أعضاء اللجنة العربية الإسلامية مع الشركاء من النرويج والاتحاد الأوروبي توصلوا إلى استنتاج أن انتظار الحلول التفاوضية لإنهاء الصراع القائم لم يعد خيارا"، في إشارة إلى أعضاء التحالف.
وأكد أن "إنشاء دولة فلسطينية مستقلة هو حق أصيل وأساس للسلام، وليس نتيجة نهائية يتم التفاوض عليها في عملية سياسية مفتعلة"، واصفا تنفيذ حل الدولتين بأنه "أفضل حل لكسر حلقة صراع والمعاناة".
مناقشة