تمثل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للمملكة المغربية، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، خطوة نحو استعادة وتيرة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، خاصة بعد الموقف السياسي لباريس، بالآونة الأخيرة في 30 يوليو/ تموز 2024، بشأن تأييد مقترح الحكم الذاتي للصحراء الغربية، الذي طرحه المغرب في العام 2007.
سعت باريس، خلال الفترة السابقة، للعب على الخلافات المغربية الجزائرية، وفق خبراء، لكنها في النهاية وجدت نفسها أمام خسارة مصالحها في البلدين، فقررت العودة خطوة للوراء، خاصة بعد قرار خفض التأشيرات الممنوحة للدول المغربية، عام 2022، والذي أثار ردود فعل غاضبة حينها في كل من المغرب والجزائر وتونس.
ما الذي يسعى له ماكرون؟
يقول خبراء إن ماكرون يسعى لإعادة العلاقات بين بلاده والمملكة المغربية لما كانت عليه في فترات سابقة، من خلال زيارته للرباط، كما أن العديد من الاتفاقيات سيجرى توقيعها خلال الزيارة، خاصة التي تتعلق بالاستثمارات في مدينتي الداخلة والعيون.
وقبل أيام، أعلن قصر الإليزيه أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سيقوم بزيارة دولة إلى المغرب، نهاية أكتوبر الجاري، بهدف ترسيخ إعادة إطلاق العلاقات الثنائية بعد فترة طويلة من الفتور.
تأتي زيارة ماكرون تلبية لدعوة وجهها العاهل المغربي الملك محمد السادس، إلى الرئيس الفرنسي، لزيارة المغرب.
وتتزامن زيارة ماكرون في ظل توترات بعلاقة فرنسا مع الجزائر، التي سحبت سفيرها بشكل فوري في وقت سابق، بعد إعلان باريس تأييدها لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء الغربية.
وفق الخبراء، فإن فرنسا تسعى للحصول على حصة استثمارية كبيرة في العديد من المشروعات الاقتصادية، التي تعمل عليها المغرب في الوقت الراهن، خاصة بعد دخول استثمارات خليجية وعربية أخيرا، وفق تقارير مغربية.
انتهاء فترة برود العلاقات
من ناحيته، قال المحلل الاقتصادي المغربي نبيل عادل، إن "زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تأتي بعد فترة من البرود في العلاقات بين البلدين".
وأضاف عادل، في حديثه مع "سبوتنيك"، أن "الرئيس ماكرون، راهن منذ وصوله إلى قصر الإليزيه على طي صفحة الماضي مع الجزائر، ولو على حساب المغرب، لكنه بعد ضغوط تعرض لها من طرف مختلف أطراف الطيف السياسي والاقتصادي والأمني في فرنسا، قرر إعادة توجيه الدفة نحو المغرب".
وتابع: "فرنسا خرجت مؤخراً خاوية الوفاض من عدة دول أفريقية، والاعتراف الأمريكي والإسباني والألماني بسيادة المغرب على الصحراء في إطار الحكم الذاتي، جعل مصالحها في المملكة معرضة للتراجع".
ومضى بقوله: "الصحراء أصبحت قطباً استثماريا لا يمكن لقطاع الأعمال في فرنسا التفريط فيه من أجل قضية أصبحت محسومة لصالح المغرب".
ويرى أن "مشاريع البنية التحتية والطاقية عملاقة، وتعد للإنجاز في المغرب، في إطار تنظيمه لكأس العالم 2030، ولدخوله في تحالفات كبرى من خلال مشروع الربط الأطلسي".
ويرى أن "صانع القرار الفرنسي من باب تغليب المصالح على المبادئ، لا يمكنه التفريط في الوضعية الاعتبارية لفرنسا في المملكة، لفائدة قوى أخرى تتربص الدوائر بالنفوذ الفرنسي في المغرب"، وفق قوله.
حجم التبادل
رغم التوترات السنوات الأخيرة بين الرباط وباريس، احتفظت الأخيرة بمكانتها كأول شريك اقتصادي للمملكة، إذ يعمل في المغرب ما يقارب 1300 شركة فرنسية، كما أنها المستثمر الأول في المغرب، بقيمة استثمارات بلغت في سنة 8.1 مليار يورو 2022.
كما عرفت المبادلات التجارية بين البلدين نمواً بلغ 50% خلال الخمس السنوات الماضية، وانتقل حجم الاستثمارات الصينية في المغرب من 4 مليارات دولار سنة 2014 إلى 6 مليارات دولار في عام 2021.
في الإطار قال المحل السياسي المغربي علي السرحاني، إن الزيارة كانت مرتقبة منذ سنوات، لكنها تأجلت بسبب عديد الأزمات بين البلدين.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن الشركات الاستثمارية الفرنسية تتواجد في مدينتي العيون والداخلة، منذ فترة.
تمسك بالجوانب الاقتصادية
وتابع " أن ماكرون أوضح كل التفاصيل بشأن علاقة بلاده مع المغرب والجزائر، مع التأكيد على أن باريس تتمسك بالجوانب الاقتصادية مع المغرب.
في عام 2007، قدّم المغرب مبادرة حول الحكم الذاتي في الصحراء، تضمنت ممارسة سكان الصحراء لحقوقهم من خلال هيئات تشريعية، بالإضافة إلى إقامة هيئات تنفيذية وقضائية.
ورحب مجلس الأمن في قراره رقم 1754، في عام 2007، بالمبادرة المغربية التي وصفها بالجادة وذات المصداقية، مطالباً الأطراف بالدخول في مفاوضات من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2012، وصل المبعوث الخاص كريستوفر روس، إلى المناطق الصحراوية، الواقعة تحت نفوذ المغرب، وزار مخيمات "تندوف"، جنوب غربي الجزائر، بهدف تسهيل المفاوضات المباشرة بين أطراف النزاع، ومحاولة الوصول لحل سياسي عادل ودائم ومقبول.
وقررت الجزائر، في وقت سابق، سحب سفيرها لدى فرنسا، سعيد موسى، و"بأثر فوري"، وفقا لبيان من وزارة الخارجية الجزائرية.
وجاء في بيان للوزارة: "أقدمت الحكومة الفرنسية على إعلان تأييدها القطعي والصريح للواقع الاستعماري المفروض فرضا في إقليم الصحراء الغربية".
ومؤخرا، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، إن فرنسا ستعترف بمخطط المغرب بخصوص الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء في إطار السيادة المغربية كأساس وحيد لحل دائم للقضية.
وفي فبراير/ شباط 2024، أكد وزير الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورني، أن "الوقت قد حان للمضي قدما بالنسبة لبلاده والمغرب".
وأعلن سيجورني، حينها، أنه سيعمل "شخصيا" على تحقيق التقارب بين فرنسا والمغرب، اللتين ضعفت علاقاتهما في السنوات الأخيرة، وفق تصريحاته للصحافة الفرنسية.
وفي سبتمبر/ أيلول 2023، نشأ جدل جديد عندما عرضت فرنسا مساعدتها للمغرب الذي ضربه الزلزال، وهي المساعدات التي تجاهلتها الرباط، ثم بدت العلاقات وكأنها وصلت إلى طريق مسدود، قبل أن يعترف السفير الفرنسي لدى المغرب، في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بأن قرار تقييد حصول المغاربة على تأشيرات فرنسية كان خطأ، ثم تم تعيين سفيرة مغربية في فرنسا، بعد أشهر من شغور المنصب.