عام من الحرب على غزة وتوسع المعارك في لبنان.. كيف فقدت أمريكا مصداقيتها في الشرق الأوسط؟

بعد عام من استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي امتدت لتطال جنوبي لبنان، طرح البعض تساؤلات عن موقف الولايات المتحدة الأمريكية، والسبب وراء فشلها في احتواء الأزمة.
Sputnik
واشنطن التي قدمت العديد من المبادرات باعتبارها راعي الوساطة في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما في قضايا العرب مع إسرائيل، لم تنجح في إقناع تل أبيب بأي منها، بما في ذلك مبادرة تبادل الأسرى في غزة، والتي أجهضتها حكومة نتنياهو.
بعد عام على الحرب... 86% من قطاع غزة مدمر وخسائر اقتصادية مباشرة بقيمة 35 مليار دولار
ولم تكن واشنطن محايدة يوما ما في طرحها للوساطات بين لبنان وغزة من جانب، وإسرائيل من جانب آخر، بيد أن التعويل العربي على دورها في احتواء الأزمات كان كبيرًا قبل أحداث ما بعد 7 أكتوبر.
ورعت الإدارات الأمريكية المتوالية الكثير من اللقاءات والمفاوضات بين لبنان وإسرائيل، والتي أفضت إلى ترسيم الحدود البحرية، وكذلك بين فلسطين وإسرائيل، لكن دعمها غير المحدود لتل أبيب في المعارك الأخيرة مع غزة ولبنان، وتمويلها بالسلاح والمال، وضعها في مأزق حقيقي.
ويرى خبراء أن واشنطن فقدت مصداقيتها في منطقة الشرق الأوسط، ولم تعد الوسيط النزيه والمحايد في قضاياه منذ وقت بعيد، لكن تعزز هذا الشعور أكثر بعد أحداث 7 أكتوبر، والانحياز الأمريكي الكبير لإسرائيل على حساب فلسطين ولبنان.
غير محايدة
اعتبر الدكتور أسامة شعث، أستاذ العلوم السياسية والمستشار الفلسطيني في العلاقات الدولية، أن الإدارة الأمريكية فقدت مصداقيتها مبكرا جدا تجاه الشعب الفلسطيني وليس من الآن، وأن هناك الكثير من الشواهد والمواقف والسلوكيات التي تؤكد على ذلك.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، من ضمن هذه الشواهد استخدام الولايات المتحدة الأمريكية الفيتو عشرات المرات ضد مشاريع قرارات تدين الاحتلال وجرائمه، وكذلك تبنيها المواقف والرؤى الإسرائيلية علنا في مرات عديدة، وخاصة أثناء المفاوضات التي جرت مسبقا منذ 1989 وصولا لمؤتمر مدريد وأوسلو وصولا إلى اليوم.
"لن تفرقوا بين العرب".. طائرات تتوجه من قطر إلى لبنان وسط هجمات إسرائيل
وقال إن السلوك الأمريكي تجاه الشعب الفلسطيني خاصة بعد 7 أكتوبر بات واضحًا، حيث أقرت الإدارة الأمريكية 14.5 مليار دولار في بداية الحرب، دعما لإسرائيل بالسلاح والمتفجرات وغيرها، ولم تتوقف شحنات الأسلحة إلى اليوم.
وفيما يتعلق بالوساطة الأمريكية في المفاوضات غير المباشرة، يرى أنها لم تكن بالمطلق محايدة ولا نزيهة وإنما تبنت الطرح والرضى الإسرائيلي بشكل دائم وسيلة لجولات المفاوضات، وكانت تقدم مقترحات إسرائيلية للوسطاء العرب ثم سرعان ما تتنصل منها بسبب التنصل الإسرائيلي لتعود بمقترحات جديدة ما أدخلنا في دائرة مفرغة لا نهاية لها.
ويعتقد شعث أن الإدارة الأمريكية غير جدية بالوساطة، وإنما هي طرف بكل المعاني وتتفاوض مع العرب كطرف رئيس يحمي مصالح ربيبتها إسرائيل.
دور هامشي
بدوره قال المحلل السياسي اللبناني، سركيس أبو زيد، إن الولايات المتحدة الأمريكية فقدت مصداقيتها من خلال تناقض مواقفها، فمن يتابع التصريحات الأمريكية سواء عند الديمقراطيين أو الجمهوريين، أو الحكومة الرسمية، يظهر له جليا أن هناك آراءً متباينة ومتناقضة، وكأن واشنطن لا تملك رؤية لحل مشاكل الشرق الأوسط أو لمعالجة المسائل العالقة بين إسرائيل والدول العربية، وهو ما أفقدها دورها.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، بسبب الأداء الأمريكي تبين أن جميع المؤسسات الأممية، من مجلس الأمن والمحكمة الدولية، ومختلف المؤسسات الرسمية ليس لها أي دور أو فاعلية، وليس لها أهمية أو دور في حل المشاكل الإقليمية والدولية، فيما تقف واشنطن وراء تهميش هذه المؤسسات.
باحث في الشأن اللبناني: هجوم 7 أكتوبر رسالة إلى الغرب بأن هناك من يعترض على مشاريعه في المنطقة
ويرى أن الدور الأمريكي بات ملغيا، لا سيما بعد انشغالها في الانتخابات الرئاسية، ومحاولة الديمقراطيين والجمهوريين تحقيق رضا اللوبي الصهيوني، ولا يمكنهما الضغط على إسرائيل، وهو ما أفقد واشنطن دورها وفاعليتها في المسائل الدولية، لا سيما في الأزمة اللبنانية والفلسطينية الأخيرة.
وأكد أن واشنطن لم يعد لها دور فاعل، فيما تتخوف من توسع المواجهات المندلعة الآن في الشرق الأوسط، وهو ما قد يورطها في حرب إقليمية، لا تصب في صالحها، وقد تؤثر على أسعار البترول، وتخلق أزمة مالية اقتصادي يؤثر على دور أمريكا العالمي.
وأشار إلى أن جميع الملفات التي كانت تسعى واشنطن لأن يكون لها دور الوسيط والحل بين لبنان وإسرائيل وغزة، لم تنجح في أي منها، ولم تستطع تطبيق مبادرتها لوقف إطلاق النار في غزة، فيما باءت جميع محاولات للحد من توسع الحرب بالفشل، ما يؤكد أن دورها بات هامشيًا.
وكان نائب الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني، نعيم قاسم، أكد أنه "لولا دعم الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، لأوقفت الأخيرة حربها خلال شهر"، على حد قوله.
رئيس مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يندد بـ"الأزمة المروعة" في لبنان
وأعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية، أن إسرائيل ستحصل على حزمة مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة الأمريكية، وأنه تم بالفعل تحويل 3.5 مليارات دولار من حزمة المساعدات هذه إلى حساب وزارة الدفاع.
وكان الدكتور محمود الهباش، مستشار الرئيس الفلسطيني، قد أكد في تصريحات سابقة لـ "سبوتنيك"، أن "تزويد الولايات المتحدة الأمريكية، إسرائيل بحزمة مساعدات لدعم جهودها الحربية، يعبر عن انفصام وازدواجية في المعايير وتناقض في المواقف والسياسة".
وفيما يتعلق بالمبادرة الأمريكية الأخيرة لوقف الحرب في لبنان وغزة، أكد الهباش أن "الأمر مرتبط بصدق النوايا الأمريكية، وهو أمر مشكوك فيه، باعتبار أن واشنطن لا تحتاج إلى تقديم مبادرات، فقط يكفيها أن تطلب من إسرائيل وقف عدوانها وستفعل".
وأتم مستشار الرئيس الفلسطيني، قائلًا: "هذا الأمر لا يحتاج إلى مبادرة أو أفكار، فقط لإرادة لوقف الحرب، وواشنطن غير صادقة وغير جادة في توجهها لوقف العدوان الإسرائيلي في المنطقة، على العكس من ذلك، تمد إسرائيل بكل أدوات الحرب".
مناقشة