تململ أوروبي من إسرائيل.. ضغوط لوقف عملياتها أم حمايتها من فرط قوتها؟

أكد الباحث والمحلل السياسي الدكتور أسامة دنورة، أن "المواقف الأوروبية المستجدة تجاه إسرائيل أقل بكثير من العتبة المطلوبة"، مشيرًا إلى أن "وقف بعض الدول تصدير السلاح لإسرائيل، لن يؤدي إلى تراجع آلة الحرب الإسرائيلية".
Sputnik
وقال دنورة: "بعض المواقف الأوروبية المستجدة تجاه إسرائيل أقل بكثير من العتبة المطلوبة لإحداث تأثير على السياسة الإسرائيلية المرتكزة إلى المجازر، فإذا كانت بعض الدول، إن كانت إيطاليا أو فرنسا أو بريطانيا وحتى إسبانيا، أوقفت تماماً تصدير أي شكل من أشكال السلاح وحتى قطع الغيار أو الإمداد اللوجستي إلى إسرائيل فهذا عملياً لن يؤدي إلى تراجع آلة الحرب الإسرائيلية".
وألمح المحل السياسي السوري إلى "احتمال ولادة هذه المواقف على خلفية تفاهم ضمني مع الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف ضبط إيقاع جنون القوة الذي يعتمل الحكومة الإسرائيلية اليمينية من احتمالات انفلات ضوابط الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وما يعنيه ذلك من خطر محدق على مستقبل إسرائيل".
"سلاح المجازر الإسرائيلية" أمريكي

وأضاف الدكتور دنورة، في حوار خاص مع "سبوتنيك": "كانت آلة الحرب الإسرائيلية تنطوي سابقا على طائرات "ميراج" ودبابات بريطانية وعدد من أصناف السلاح الأوروبي، ولكن اليوم نكاد لا نرى هذا الأمر"، مشيراً إلى أن "السلاح الذي تستخدمه إسرائيل في ارتكاب المجازر والانتهاكات، أمريكي بدرجة كبيرة جداً تكاد تكون كاملة، يضاف إليه السلاح المنتج في إسرائيل كدبابات "ميركافا" و"القبة الحديدية"، وكانت إسرائيل سابقاً على وشك إنتاج طائرة مقاتلة رئيسية هي مشروع "ليفي" ولكنه أُوقف لعدم جدواه الاقتصادية، واستعاضت عنه بـ"إف 15 و16" والآن بالـ"إف35".

وتابع المحلل السياسي: "المطلوب من الدول الأوروبية أكثر بكثير من مجرد الحديث عن دعوات أو إدانات أو وقف تصدير السلاح، فهذا كله لن يوقف إسرائيل، وعلى المستوى الإجرائي هذه العقوبات كلها سيتم رفعها بشكل تلقائي ما إن تنتهي الحرب، مهما كانت نتيجتها ومهما قتل فيها من مدنيين أو سوف تُرفع دون أن يشعر أحد بذلك، لأن فرض العقوبات يتم الإعلان عنه، أما رفعها يكون بشكل غير معلن، وربما في اليوم التالي لإنهاء العمليات العسكرية، لذلك لا يعتد بهذه العقوبات على الإطلاق".
‏وزير الخارجية الإيراني ردا على بايدن: أي أحد يعرف كيف ومتى سيقع الهجوم على إيران سيحاسب
أوروبا تهمش كل القرارات بحق مجرمي الحرب الإسرائيليين
وأشار دنورة إلى أن "الاتحاد الأوروبي يمكن أن يفرض عقوبات دبلوماسية، وهذه أيضاً لن تكون ذات جدوى عملية أو تأثير واضح على شخص أو على حكومة يمينية متطرفة كحكومة نتنياهو، وإنما يجب أن يكون هناك عقوبات اقتصادية، وتتم مراجعتها بشكل مستمر، وأن يكون هناك تفعيل للدور الأوروبي في موضوع ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام الجنائية الدولية أو أمام محاكمهم الخاصة"، مشيراً إلى أن "الطرف الأوروبي يهمش أي قرارات قضائية، إذا سُمح بها أساساً، تستهدف محاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين، على الرغم من أن الكثير من المحاكم الأوروبية تمنحها دولها ميزة الاختصاص الدولي، أي محاكمة مسؤولين عن جرائم تقع خارج نطاقها الجغرافي أو نطاق قيادتها".
الضوء الأخضر الغربي لارتكاب "المجازر" لا زال مفتوحا
وتابع دنورة: "مثل هذه الأمور ستكون محكّاً حقيقياً للنوايا الأوروبية، وأعتقد أن المستوى الحالي من العقوبات فيه جانب من الضغط المعنوي، ولكنه غير كافٍ وحده لكي يغير السلوك الإسرائيلي، لافتاً إلى أن هذا ربما يتغير فيما يتعلق بالمفصل الحالي المتعلق باستمرار ما أطلق عليه "خطة الجنرالات" تجاه غزة، فقد يكون هناك تعديل على الخطة أو كبحها إذا كان هناك نوع من الجو العام الضاغط سياسياً وإعلامياً على الكيان الصهيوني، إذاً قد يكون هناك تعديل ولكن السلوك العام، الضوء الأخضر الغربي لإسرائيل ضمنياً ما زال ممنوحاً، وهو ممنوح من الاتحاد الأوروبي كما هو ممنوح من الولايات المتحدة الأمريكية وهذه العقوبات التي لن تؤثر تأثيراً ضاغطاً حقيقياً على الكيان، لا تعد إنهاءً للضوء الأخضر الممنوح لإسرائيل في ارتكاب الانتهاكات المستمرة.
هل العقوبات الأوروبية جاءت لتحمي إسرائيل؟
ولم يستبعد الدكتور دنورة أنْ يكون تغير الموقف الأوروبي جاء لحماية إسرائيل، لأن جنون القوة لدى حكومة نتنياهو ليس له حد، وإمكانية أن يتسبب هذا الجنون بتدحرج المشهد في الشرق الأوسط نحو مواجهات شاملة أمر قائم، وهذا لا يرحب به الأوروبي ولا الأمريكي، ولكن الافتراق بين الموقف الأوروبي والأمريكي، هو أمر لم نشهده سابقاً، وهو نادر الحدوث، ويكون عادة في اختلافات هامشية جدا، موضحاً أنه ليس من المستبعد أن يكون هناك تفاهم ضمني بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا على أن تقوم أوروبا بالدفعة الأولى من دفعات الضغط على حكومة نتنياهو، فالموقف الأمريكي أقل قدرة نتيجة مواقف الكونغرس بسبب اللوبي الإسرائيلي، واقتراب الانتخابات الأمريكية، وطبيعة التنافس حامي الوطيس بين الديمقراطيين والجمهوريين، بين هاريس وترامب، وكل منهما يزاود لمصلحة إسرائيل، وهذا بالصورة العامة قد لا يكون بمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية في السياسة الدولية والأمن القومي.
غض بصر أمريكي لبدء ضغد أوروبي يكبح جنون القوة الإسرائيلي
وبين الدكتور دنورة أنه ربما يكون هناك سماح أو غض بصر أمريكي عن ضغوط أوروبية ضد إسرائيل للتخفيف من جنون القوة لدى نتنياهو، فالرهان الإسرائيلي على موضوع الاغتيالات والضربة التي وجهت إلى لبنان والاغتيالات التي حدثت كان رهاناً غير متبصر، فقد كان الرهان على أن هذه الضربة وحدها قد تكون كافية لضعضعة صفوف حزب الله ودفع الرأي العام في لبنان للقبول بتسويات تنزع سلاح حزب الله أو ترفع عنه أي غطاء لبناني، وأن تؤدي إلى نوع من التفكك ضمن أطراف المحور "محور المقاومة"، ولكن هذه الرهانات ثبت فشلها.
وأكد المحلل السياسي أنه على الإسرائيلي اليوم أن يواجه عقابيل رهاناته الخاسرة بأنه إذا خاطر بهجوم اجتياح شامل للبنان، فهو سيتلقى ضربات موجعة خلال الاجتياح، واحتمالات التدحرج باتجاه مواجهة إقليمية ستبقى قائمة، وخاصة في ظل وجود إيران في الصفوف الأولى إذ يمكن أن تشتبك مباشرة مع إسرائيل، ولا سيما بعد الضربة التي أطلق عليها الإيرانيون "الوعد الصادق 2"، إضافة إلى "ردع التاريخ" أو التجربة السلبية التي عاشها الإسرائيليون لمدة 22 عاماً في لبنان، من 1978 حتى 2000، والتي عمل الإسرائيليون خلالها بمختلف الطرق السياسية والعسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، وحتى بإثارة الفتن لتطويع لبنان، وفشلوا بذلك فشلاً ذريعاً، وخرجوا دون أي ترتيبات أمنية أو سياسية أو اتفاقيات أو تفاهمات.
العمليات البرية في لبنان يعيد إسرائيل إلى 2000
وقال دنورة: "إذاً الردع التاريخي أو التجربة الفاشلة تربك الحسابات، وحتى على المستوى الإسرائيلي، ما مدى نجاح العمليات إذا ذهبوا إلى عملية لبضعة كيلومترات أو حتى جنوب الليطاني، فهم عملياً يعيدون المأزق الذي كانوا فيه حتى عام 2000"، مشيراً إلى أن "القوات التي ستصل إلى هذه الحدود ستتعرض بشكل دائم لعمليات، وبالتالي لخسائر بشرية، إن لم تكن على صعيد المستوطنين الإسرائيليين، فستكون على صعيد الجنود، أي إن مشهد الاستنزاف لن يتوقف بل لعله سيتفاقم، لأن الحدود كانت هادئة لزمن طويل منذ 2006 وحتى عملية 7 أكتوبر".
استهداف مقر نتنياهو بطائرة مسيرة أطلقت من لبنان ومكتبه: لم يكن موجودا به... فيديو
الغرب يمهد لوقف مغامرات إسرائيل غير المحسوبة
وأضاف المحلل السياسي: "يخاطر الإسرائيلي اليوم بتحويل الحدود التي يمكن لحد الآن استعادة هدوئها ضمن تفاهم يعتمد على تطبيق قرار 1701، بتحويلها على المدى الطويل إلى حدود مشتعلة، في نطاق صراع منخفض الشدة، أو حرب شاملة أو صراع عالي الشدة، ولكن عملياً هو حوّل الموقف الهادئ الذي بقي مستمراً قرابة عقدين من الزمن إلى جبهة مشتعلة جديدة، لكنه فقد الهدوء على الجبهة الشمالية، وهذا ما يمكنه أن يتجنبه وربما الطرف الغربي، وهذا ليس احتمالاً مستبعداً، يريد اليوم أن يمثل حالة دبلوماسية وسياسية تعمل على التمهيد لوقف هذه المغامرات غير المحسوبة"، مشيراً إلى أن "هذا يصب في المصلحة الإسرائيلية، لأن الاستمرار في فتح الجبهات وفي التورط العسكري دون حسيب أو رقيب أو حسابات سيؤدي في النهاية إلى غرق إسرائيل في مستنقعات لا تنتهي من حروب الاستنزاف أو توريط دول المنطقة والغرب لاحقا في مواجهات وحروب استنزاف طويلة الأمد وفي حروب إقليمية كبرى قد يكون لها أبعاد دولية".
إسرائيل تريد إلغاء دور المجتمع الدولي
وحول استهداف القوات الأممية، أوضح الدكتور دنورة أن "هدف إسرائيل من استهداف اليونيفيل هو عملياً كسر قواعد الاشتباك السابقة وإنهاء أو دفن القرار 1701بشكل نهائي، والتمهيد لفعل عسكري خارج عن إطار الضبط الدولي أو الرقابة الدولية منفلت عن أي عقال كالذي يحصل اليوم في غزة من مجازر وقصف وقتل مدنيين وتدمير بنى تحتية، وهذا طبعا ما لا يريد الإسرائيليون أن يكون هناك من يكبحه أو أن يكون شاهداً عليه"، لافتاً إلى أن "إسرائيل التي قررت أن تعتبر الأمين العام للمنظمة الدولية غوتيريش شخصاً غير مرغوب به هي عملياً أرسلت رسالة بأنها لا تقيم أي اعتبار أو وزن للمنظمات الدولية، وقامت بكل ما قامت به تجاه منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأنروا" وقتلت المئات من الفلسطينيين العاملين في هذه المنظمة في قطاع غزة، فإسرائيل تريد حذف دور المجتمع الدولي ودور المنظمة الدولية من المشهد مهما كان هذا الدور، أي إخراج كل ما يتعلق بالمحددات الدولية والقانون الدولي من مشهد المواجهة بشكل نهائي".
خروج إسرائيلي عن الشرعية الدولية
وتابع المحلل السياسي: "استهداف المنظمات الأممية شكل من أشكال العنف الموجه ضد الجميع، وضد المرجعية الدولية، وهذا يضع إسرائيل ومن يدعمها وخاصة الولايات المتحدة في موقع ما أطلقت عليه الولايات المتحدة rogue state"" هذا المصطلح الذي بات أكثر ما ينطبق على إسرائيل وعلى الدعم الأمريكي لها، ويعني الدولة المارقة من الشرعية الدولية، والتي لا تقيم أي اعتبار لمنظمات دولية أو قانون دولي أو مواثيق أو معاهدات وترتكب كل أنواع خرق قوانين الحرب، وترتكب كل أشكال المجازر والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب والتهجير والتجويع"، مشيراً إلى أن "كل هذه السلوكيات هي محاولات إسرائيلية لتطويع إرادة شعب وهي رهان فاشل، إذ إنهم لا يريدون شاهداً من الأمم المتحدة، ولا يريدون دوراً ضابطاً للأمم المتحدة، ولا يريدون دوراً حتى وسيطاً للأمم المتحدة لأنه سوف يعتمد على قواعد القانون وهو ما لا يريدونه بالمطلق".
الغرب يسعى لإظهار عمله بالقانون الدولي
وأشار الدكتور دنورة إلى أن مواقف الدول والمنظمات الدولية ستشكل حالة ضاغطة، ليس من قبيل دفع مجلس الأمن لاتخاذ قرارات، ولكن إذا توصلت لدفع الولايات المتحدة لاتخاذ قرارات في أحد اتجاهين، إيصال الولايات المتحدة لقناعة بضرورة إحداث أي ضغط حقيقي على الحكومة الإسرائيلية لتوقف حالة الحرب والمجازر الحالية، أو غض الولايات المتحدة النظر والامتناع عن استخدام "الفيتو" لاستصدار قرار من مجلس الأمن يقضي بوقف الحرب، مبيناً أن هناك قراراً سابقاً يتضمن تبنياً لما أطلق عليها خطة بايدن لوقف إطلاق النار في غزة، ضربت به إسرائيل عرض الحائط لأن صيغة القرار كانت دون المستوى المطلوب، ولأنها لم تترافق على ما يبدو مع رغبة أمريكية حقيقية بالضغط على الطرف الإسرائيلي، فكان للإبقاء على شكل من المصداقية الغربية في إظهار بعض التواصل مع القانون الدولي، والمنظمة الدولية.
الأمم المتحدة: إسرائيل تستخدم أساليب "شبه حربية" ضد الفلسطينيين
أمريكا تستطيع لجم إسرائيل عن التصرف كدولة مارقة
وأضاف المحلل السياسي أن "أمريكا وأوروبا لا ترغب أن تبدو خارج معادلة القانون الدولي بالمطلق، فالولايات المتحدة والطرف الغربي بشكل عام الاتحاد الأوروبي، وباقي الدول قرروا إرسال رسالة ضعيفة جداً، بأنها لا تزال ملتزمة بالعمل ضمن إطار الشرعية الدولية ومنظمة الأمم المتحدة"، موضحاً أن "ذلك لم يتجاوز النطاق اللفظي والشكلاني البحت، ولم يذهب إلى عقوبات حقيقية أو أي محددات تفرض على إسرائيل لتلتزم بما تم إقراره في القرار السابق، وإذا كان هناك اليوم قرار جديد بصيغة أقوى، فذلك يجب أن يقترن بضغط أمريكي أو على الأقل، بإحجام أمريكي عن منح الغطاء الكامل لانتهاك هذا القرار الجديد الذي يمكن أن يصدر، أي أن ترسل لإسرائيل إشارات سياسية ودبلوماسية بأن الأمر جدي، وهذا القرار ليس كسابقه، ويجب احترامه، فالولايات المتحدة إن أرادت أن تنهي الحرب عند هذا الحد بإمكانها أن تمنع إسرائيل من التصرف كدولة مارقة ودولة لا تبالي بأي قرارات أممية وبأي شيء يصدر عن الشرعية الدولية".
وختم الدكتور دنورة، بالقول: "هذا كله يدفعنا إلى القول إن الولايات المتحدة الأمريكية عملياً هي السبب الأساسي في استمرار هذه الحرب، وكلما أصدر الأمريكي أو الغرب أو المنظمة الدولية أي إشارات، إن كان إدانة أو دعوات أو مشاريع قرارات، وغيرها، تكون هناك تصريحات مقابلة تتحدث عن الدفاع عن إسرائيل، والالتزام بأمنها، وحقها في الدفاع عن نفسها، وبالتالي يُفرغ أي ضغط حتى لو كان معنوياً من إطاره، وتبقى التصريحات والمواقف للاستهلاك المحلي في أمريكا، والاستهلاك الإعلامي في دول الغرب، ليبدو أن هناك حراكاً وضغوطاً لكن الجميع يعرف أن هذه الضغوط غير حقيقية وغير مفعلة، فعندما تكون حقيقية فالمجازر والحرب والتدمير سوف تتوقف ربما في أقل من يوم واحد".
مجلس الأمن الدولي يناقش وقف إطلاق النار في غزة
الجيش الإيراني: دماء السنوار تجعل نيران المدافعين عن جبهة المقاومة أكثر توهجا
وزير الخارجية التركي يجري محادثات مع أعضاء من حركة "حماس" في إسطنبول
مناقشة