العراق بين التحديات الإقليمية والمصالح الداخلية.. من سيكون رئيس الوزراء المقبل؟

في لحظة فارقة يعيد فيها المشهد العراقي رسم ملامحه وسط تجاذبات داخلية وضغوط إقليمية متشابكة، تتسارع التحركات خلف الكواليس لرسم خريطة تحالفات جديدة قد تقلب موازين القوى التقليدية.
Sputnik
وبين صعود وجوه جديدة وتشبث أخرى بمواقعها، يرى مراقبون أن العراق مقبلة على مرحلة سياسية مختلفة تماما عمّا اعتدناه في السنوات الماضية، وفقا لرؤية المراقبين للمشهد العراقي.
وأجرى العراق يومي 9-11 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري الاقتراع العام والخاص ضمن انتخابات مجلس النواب للدورة السادسة، في إطار ممارسة ديمقراطية مستمرة منذ عام 2003.

طريق طويل أمام المباحثات

ويقول الباحث في الشأن السياسي، هادي مرعي جلو، في حديث لـ "سبوتنيك": "مسار المفاوضات الجارية لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة سيشهد طرح الكثير من القضايا الخلافية، رغم وجود مرتكزات أساسية تتمثل بالقوى الشيعية والسنية والكردية، التي تمتلك بدورها أولويات واضحة في إدارة النظام السياسي".
ويشير جلو إلى أن "الإطار التنسيقي يسعى إلى تكوين كتلة برلمانية واسعة تتيح له ترشيح رئيس الوزراء، في ما تبقى مطالب القوى السنية والكردية مرتبطة بطبيعة التفاهمات السياسية السابقة التي شكّلت الأساس في الحكومات المتعاقبة".
‏المحكمة الاتحادية في العراق تقرر إنهاء أعمال البرلمان وتحويل الحكومة إلى تصريف أعمال
ويوضح أن "المطالب الكردية، ولا سيما تلك المتعلقة بالميزانية العامة، والإيرادات النفطية، وقانون النفط والغاز، والمناطق المتنازع عليها، ستكون من أبرز الملفات التي ستخضع للتفاوض"، لافتا إلى أن "قدرة القوى الشيعية على تلبية هذه المطالب ستحتاج إلى وقت وحوارات معمقة".
ويختم جلو بالقول: "عملية تشكيل الحكومة، رغم ما قد تشهده من تعقيدات وتأخير، ستصل في نهاية المطاف إلى اتفاق يفضي إلى إعلان الحكومة الجديدة".
رئيس الوزراء العراقي: حصدنا ثمار حرصنا على إحداث الفارق في ميدان العمل

صراعات سياسية مرتقبة

في المقابل، يقول المحلل السياسي عبد الله الكناني، لـ"سبوتنيك": "المشهد السياسي ما يزال يفتقر إلى وضوح في العناوين الأساسية للمرحلة المقبلة"، مشيرا إلى أن "العراق اعتاد، منذ دورات انتخابية سابقة، على دخول صراعات التشكيل الحكومي بعد كل انتخابات، ولا سيما داخل المكوّن الشيعي".
ويرى الكناني، أن "الكتل التي فازت في الانتخابات الحالية مطالبة بالإسراع في تشكيل الحكومة بدل العودة إلى نهج الحكومات السابقة، إلا أن الواقع يشير إلى تعقيدات ملموسة، سواء داخل البيت السني بشأن رئاسة البرلمان، أو داخل البيت الشيعي بخصوص رئاسة الوزراء، إضافة إلى التفاهمات مع القوى الكردية حول منصب رئيس الجمهورية".
رئيس الوزراء العراقي يعلن تصدر ائتلافه نتائج الانتخابات البرلمانية
ويشير إلى أن "الإطار الزمني الدستوري، الذي يتراوح بين 50-60 يوما لاستكمال الاستحقاقات، قد لا يكون كافيا في ظل التباينات بين القوى السياسية"، وتوقع الكناني أن "عملية تشكيل الحكومة قد تمتد إلى بداية عام 2026، ربما في الشهر الأول أو الثاني منه".
كما يبين الكناني، أن "ثبات النظام الانتخابي والبرامج السياسية ووجوه القيادات أدى إلى إعادة إنتاج المشهد ذاته تقريبا، باستثناء صعود عدد محدود من الوجوه الشبابية الجديدة التي لا تملك بعدُ أدوات التأثير الكبيرة"، وأضاف: " الأحزاب المهيمنة حافظت على حضورها منذ أول انتخابات وحتى اليوم".
ولفت الكناني إلى أن "هذه الانتخابات تعد الأولى التي لم يشارك فيها التيار الوطني، ما أضفى على المشهد بُعدا جديدا في توازنات القوى داخل العملية السياسية".
العراق... ‌‏المفوضية العليا للانتخابات تعلن النتائج الأولية للاقتراع

ملامح الحكومة الجديدة واضحة

بينما يؤكد الخبير في الشأن السياسي علي الناصر، "وجود ملامح واضحة لتحالفات جديدة تختلف عن تلك التي أسست الحكومات السابقة، نتيجة التحديات المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط"، معتبرا أن "العراق أصبح محورا أساسيا لهذه التحديات الإقليمية".

وفي حديث لـ "سبوتنيك"، يوضح الناصر أن "النتائج الأولية للانتخابات أفرزت توزيعا متقاربا للمقاعد بين القوى الكبرى، ما يفتح الباب أمام مفاوضات أكثر تعقيدا بشأن اختيار رئيس الوزراء وتحديد شكل الحكومة المقبلة"، لافتا إلى أن "القبول الخارجي بشخص رئيس الوزراء المقبل يشكل عامل ضغط إضافيا في مسار التفاهمات الداخلية".

ووفقا للناصر، فإن "بعض الأسماء حظيت بموافقة أولية بين الأطراف السياسية، فيما سيتم التوافق على أسماء أخرى خلال المرحلة المقبلة، وربما قبل انتخاب رئيس مجلس النواب الجديد"، وأضاف: " المشهد يتجه نحو صيغة حكومية مختلفة تمنح العراق فرصة لإعادة تقييم تجربته الديمقراطية وصياغة معادلات أكثر استقراراً في المستقبل".
رئيس الوزراء العراقي: نسبة المشاركة في انتخابات مجلس النواب تجاوزت الـ55 بالمئة
ويشير الناصر إلى "وجود تقارب محتمل بين بعض القوى الشيعية والكردية داخل إطار التفاهمات السياسية"، موضحا أن "الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى السليمانية خلال اليومين المقبلين قد تسهم في تعزيز هذا التقارب، وربما تفضي إلى قبول واسع لاستمرار السوداني في رئاسة الحكومة، وإن كان ذلك مرتبطاً بشروط تفاوضية معينة".
كما يلفت إلى أن "بعض الشخصيات الجديدة قد تظهر في الواجهة السياسية خلال المرحلة المقبلة، في ظل تقارب عدد المقاعد بين كتل مثل دولة القانون و”الإعمار والتنمية” وغيرها، ما قد يؤدي إلى تشكيلات سياسية مختلفة عن الدورات السابقة".
مناقشة