حيث جاءت عمليات أبين عقب إحكام السيطرة على حضرموت والمهرة، ما أنهى فعليًا وفقًا للبيانات والتقارير الإعلامية حالة التفكك الأمني في الجنوب، وأرست نموذجًا لقيادة موحدة قادرة على التخطيط والتنفيذ على نطاق إقليمي، وليس محليًا فقط.
لا يمكن قراءة التحرك في أبين ووادي حضرموت بمعزل عن كونهما شكلا، لسنوات طويلة، مناطق ارتكاز رئيسية لتنظيم "القاعدة" في جزيرة العرب، حيث استغل التنظيم الأودية والفراغ الأمني لبناء شبكات لوجستية وعملياتية معقدة.
يرى مراقبون أن العمليات الحالية تمثل محاولة لمعالجة تراكم طويل من التمركز الجهادي، وليس مجرد رد فعل على تهديد آني، ما يمنحها بعدا استراتيجيا يتجاوز الحسابات التكتيكية قصيرة المدى، حيث أدى توحيد السيطرة الجنوبية إلى تضييق مساحة المناورة أمام تنظيم "القاعدة" (تنظيم إرهابي محظور في روسيا ودول عدة)، وقطع خطوط إمداد وتهريب استخدمها لسنوات، ما انعكس تراجع قدرته على تنفيذ هجمات نوعية أو إعادة الانتشار بحرية.
تعزيز الأمن ومحاربة الإرهاب
بداية، يقول أنيس الشرفي، رئيس الهيئة السياسية بالمجلس الانتقالي الجنوبي، عضو هيئة التشاور والمصالحة المساندة لمجلس القيادة الرئاسي باليمن، إن ما يجري في الجنوب لا يمكن القول إنه صراع بين المجلس الانتقالي الجنوبي والشرعية، فالمجلس الانتقالي يعد جزء أصيل من منظومة الشرعية المعترف بها دوليا، وشريكا رئيسيا في مجلس القيادة الرئاسي، ويتحمل مسؤوليات مباشرة في إدارة المرحلة الانتقالية، ومواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية الراهنة.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن التحركات الأخيرة للمجلس الانتقالي في محافظة حضرموت تأتي في إطار الشرعية وبما يخدم استقرار المحافظات المحررة، ولا تمثل خروجا عن مسار الدولة أو تقويضا لجهودها، بل تندرج ضمن الإجراءات الرامية إلى تعزيز الأمن، ومكافحة وتجفيف منابع الجماعات الإرهابية، ومنع تهريب الأسلحة إلى أنصار الله، هو ما أكدته تقارير دولية وأممية متعددة.
وتابع الشرفي، إن القضية الحقيقية لا تتمثل في سؤال من يكسب الجولة، بقدر ما تتعلق بضرورة تصحيح مسار العملية السياسية بما يعكس الواقع القائم على الأرض، ويحترم تضحيات شعب الجنوب، وتطلعاته المشروعة، وفي مقدمتها حقه في تقرير مستقبله السياسي.
دور محوري
وقال رئيس الهيئة السياسية، إن المجلس الانتقالي يجدد استعداده للعمل جنبا إلى جنب مع كافة القوى الوطنية الصادقة في الشمال، التي تريد إنهاء انقلاب أنصار الله، انطلاقا من قناعة راسخة بأن مواجهة مشروع أنصار الله تتطلب تنسيقا حقيقيا بين القوى المناهضة له، قائما على الاحترام المتبادل للخصوصيات والحقوق السياسية لكل طرف.
وفيما يتعلق بدور التحالف العربي، وفي مقدمته المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، يقول الشرفي، هو دور محوري في دعم الاستقرار ومنع انزلاق الأوضاع نحو الفوضى، ويثمن المجلس الانتقالي هذا الدور، ويؤكد حرصه على شراكة استراتيجية قائمة على وضوح الأهداف، واحترام الإرادة الشعبية، وبما يخدم أمن المنطقة واستقرارها.
الحراك الجنوبي
من جانبه، يقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الجنوبي باليمن خالد الكثيري، لم تكن المقاومة الجنوبية وليدة لحظة عابرة، بل نتاج مسار طويل من النضال بدأ عقب حرب صيف 1994، حين فُرض واقع سياسي وعسكري جديد على الجنوب بالقوة، في تلك المرحلة تشكلت أولى ملامح الرفض المنظم عبر حركة "موج" التي مثلت الشرارة الأولى للمقاومة الجنوبية، وقادتها قيادات جنوبية رفضت نتائج الحرب وسعت إلى إعادة الاعتبار لقضية الجنوب، وإحياء روح التمرد على واقع الإقصاء والتهميش.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، مع مرور السنوات، توسعت دائرة العمل الوطني الجنوبي بظهور حركات وتنظيمات أخرى مثل حتم، تاج، واللجان الشعبية، ما أسهم في تراكم الوعي السياسي والنضالي داخل المجتمع الجنوبي، وجاء عام 2007 ليشكل محطة مفصلية بإطلاق الحراك السلمي الجنوبي، الذي نقل القضية الجنوبية من الأطر النخبوية إلى الفضاء الشعبي الواسع، وأعادها بقوة إلى واجهة المشهد اليمني والإقليمي، من خلال مليونيات سلمية رفعت مطالب استعادة الحقوق والهوية الجنوبية.
وتابع الكثيري، التحول الأكبر جاء في عام 2015، مع اجتياح أنصار الله للجنوب، حيث انتقل النضال الجنوبي من مربع العمل السلمي إلى المقاومة المسلحة دفاعا عن الأرض والإنسان، في تلك اللحظة، تشكل العمود الفقري للمقاومة في عدن ولحج والضالع وأبين، مدعوما بإسناد مباشر من التحالف العربي، وفي مقدمته دولة الإمارات العربية المتحدة، التي لعبت دورا محوريا في دعم معركة التحرير وبناء القدرات الأمنية والعسكرية.
وأشار المحلل السياسي، إلى أنه خلال فترة قصيرة، تحولت المقاومة الجنوبية من تشكيلات شعبية متفرقة إلى جيش جنوبي منظم، مع تأسيس وحدات وقوات متخصصة شملت: قوات العمالقة الجنوبية، النخبة الحضرمية، النخبة الشبوانية، قوات الحزام الأمني، ألوية الدعم والإسناد، قوات مكافحة الإرهاب، قوات دفاع شبوة، وقوات العاصفة، هذا التحول مثل نقلة نوعية في مسار الجنوب، من حالة رد الفعل إلى بناء مؤسسة عسكرية بعقيدة واضحة ومهام محددة.
حماية السواحل والموانئ
وأوضح الكثيري، أن "القوات الجنوبية باتت اليوم تنتشر على امتداد جغرافيا الجنوب، من المهرة شرقا إلى باب المندب غربا، وتضطلع بمهام استراتيجية تشمل حماية السواحل والموانئ والمطارات وخطوط التجارة الدولية، إلى جانب دورها المحوري في مواجهة أنصار الله والتنظيمات الإرهابية، وصون هوية الجنوب وأمنه واستقراره".
واختتم بالقول، إن مسيرة المقاومة الجنوبية، من شعاب الجبال إلى بناء جيش منظم، تعكس تحول قضية الجنوب من حالة تهميش قسري إلى واقع سياسي وعسكري فاعل، فرض نفسه في معادلات الداخل والإقليم، وأعاد للجنوب مكانته وهيبته بعد عقود من الصراع.
القضية الجنوبية
بدوره يقول القيادي في الحراك الجنوبي، عبد العزيز قاسم، في الحقيقة لا يتعلق الأمر أو الصراع بين المجلس الانتقالي والشرعية اليمنية على السلطة الحالية، فالصراع عميق ومتداخل وشائك ومرتبط أيضا بالمحيط الإقليمي والدولي ودول التحالف.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، الصراع في حقيقته أو ما يدور على أرض الواقع متعلق بالقضية الجنوبية ومصير الجنوب، وهناك تداخل في المهام والصلاحيات وبالأساس استخدام وتوظيف السلطة تبعا لأهداف القوى المنخرطة فيها، وهو ما أربك المشهد وعطل وحرف مسار وأهداف التحالف والشرعية اليمنية، بل وأضعف كل الجهود الإقليمية والدولية.
وقال قاسم، بالتأكيد ستكون أولى الخطوات للحد من توسع الصراع وعدم خروجه عن سيطرة الجميع وبداية انفراجة ولو مرحليا هي في تجزئة القضايا ووضع أولوياتها في المعالجة، ويكمن ذلك في تعديل المجلس الرئاسي بحيث يكون في شكل رئيس ونائبين شمالي وجنوبي، على أن يكون الوضع الأمني والاقتصادي للجنوب وبإدارة أمنية وحكومة جنوبية، مع خيار الإقليمين بحدود ما قبل عام 1990م، على أن يكون الرئيس جنوبي وهو ما يسعى إليه رئيس المجلس الانتقالي.
العقبة الكبرى
وأشار القيادي الجنوبي، إلى أن العقبة الكبرى أمام الجنوبيين هي في صلاحيات الرئيس في المسائل المصيرية، وإذا ما أصبح الرئيس جنوبيا سيكون بالإمكان حلحلة الأوضاع العامة بما فيها القضايا ذات العلاقة الدولية، كالأمن والاستقرار، بما فيها الأمن والسلم الدوليين، خاصة ممر مضيق باب المندب باعتباره تابع للجنوب.
ويرى قاسم، أن مسار الاتجاه العام يتجه نحو حل مسألتين مهمتين وهما معالجة السلطة ومهامها وهيكلها، وكذلك القضايا الأخرى المتعلقة بإعادة ترتيب الوضع للقوات الجنوبية، وأعتقد أن التوافق الإقليمي خاصة بين السعودية والإمارات قد حسم، وما يدور حاليا هو ما تم التوافق عليه، وكسب جولته رهن هذا التوافق، ويرجح أنه للمجلس الانتقالي باعتباره صاحب الأرض ومعزز بالإرادة الشعبية فضلا عن العامل الحاسم الذي يرجح كسب الجولة لصالح الانتقالي، هو إخفاق وعجز الشرعية في تحرير صنعاء رغم مساندة التحالف والدعم الدولي لها، هو ما يعزز وجود وحضور الجنوب كطرف ندي وخيار أنسب للمجتمع الدولي.
مشاورات ومداولات
وفي السياق، يقول الباحث السياسي اليمني، الدكتور عبد الستار الشميري، إن هناك أزمة حقيقية بين مكونات الشرعية من بينها المجلس الانتقالي الجنوبي، لافتًا إلى أن التحركات الأخيرة للانتقالي في حضرموت حتى الآن تبدو ثابتة لا حراك فيها، هناك مشاورات ومداولات حول إعادة توزيع مسرح القوى والأمنية في حضرموت، قد تخرج بالحلول الوسط.
وأضاف في حديث سابق لـ"سبوتنيك"، آخر الأخبار أن الوفد السعودي الإماراتي توصل إلى تفاهمات ما مع الانتقالي، أعتقد الأزمة في طريقها إلى الحل ولن يذهب الانتقالي إلى أبعد من ذلك.
وتابع الشميري، من مصلحة شركاء الشرعية والانتقالي سواء كانت السعودية أو الإمارات أن يسارعوا في عمل حلول سريعة، لأنه في حالة التأخر في إيجاد حلول سريعة ستنفجر الأوضاع عسكريا، وستكون معركة طويلة وشائكة خاصة في محافظات هامة ووازنة مثل حضرموت، التي بها أكثر من بعد وأكثر من تجاذب داخلي وإقليمي.
مؤشرات الحل
ويعتقد الشميري، أن هذه المحطة قد أحدثت بالفعل خدوش في جسم مكونات الشرعية، الأمر الذي قد يعود بالفائدة على أنصار الله، مشيرا إلى أن مشاورات السلام الموجودة الآن في طهران بين السعودية وإيران، ربما تفتح أفق آخر لحل يمني ولكن طويل عن طريق إعادة فتح مسار وثيقة أو مسودة الاتفاق السابق التي طويت صفحتها منذ ثلاث سنوات.
واختتم بالقول، على كل حال، آخر الأخبار تقول، إن هناك مؤشرات لطي هذه الصفحة الراهنة عن طريق مبدأ التفاهمات والحلول الوسط سواء في حضرموت أو المهرة.
التحركات الأخيرة
وفي الثالث من كانون الأول/ديسمبر الجاري، سيطرت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على مدينة سيئون ثاني أكبر مدن محافظة حضرموت، إثر هجوم واسع متعدد المحاور على قوات المنطقة العسكرية الأولى في الجيش اليمني، التي تتمركز قيادتها في المدينة ذاتها شمالي مدينة المكلا مركز محافظة حضرموت، أوقع قتلى وجرحى من الطرفين، فيما أسر المجلس الانتقالي العشرات من العسكريين.
وتضم قوات المنطقة العسكرية الأولى، التي لم تشارك في الحرب الدائرة في اليمن بين الجيش اليمني وجماعة "أنصار الله" منذ أكثر من 10 أعوام، 5 ألوية؛ اللواء 37 مدرع و315 مدرع و135 مشاة و23 مشاة ميكانيكي و11 حرس حدود.
وجاء تصعيد المجلس الانتقالي ضد قوات المنطقة العسكرية الأولى بهدف السيطرة على مديريات وادي حضرموت، غداة تفريق قوة للمنطقة، فعالية احتجاجية لأنصار المجلس في مدينة سيئون تطالب برحيل قوات المنطقة العسكرية إلى محافظة مأرب الشمالية المجاورة (شمال شرقي اليمن) بمبرر أن غالبية منتسبيها من المحافظات الشمالية.
عقب ذلك، هاجمت قوات المجلس الانتقالي، في الرابع من كانون الأول/ديسمبر الجاري، قوات "حلف قبائل حضرموت" في مناطق حماية الشركات النفطية بحقول المسيلة التابعة لشركة "بترو مسيلة" شرقي مدينة المكلا مركز محافظة حضرموت، وتتمكن من السيطرة عليها بعد مواجهات خلفت 12 قتيلاً وجريحاً من الجانبين، حسب ما أفاد حينها مصدر في السلطة المحلية لـ "سبوتنيك".
وجاءت المواجهات غداة إعلان الحكومة اليمنية، توصلها إلى اتفاق مع مكون "حلف قبائل حضرموت" برعاية المملكة العربية السعودية، ينهي أكثر من عام من التوتر في حضرموت.
وبعد سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على محافظة حضرموت، تقدمت قوات المجلس إلى محافظة المهرة (أقصى شرقي البلاد) الحدودية مع سلطنة عُمان، وانتشرت في مناطقها دون قتال، وفق مصدر يمني لـ "سبوتنيك".
ويوم الجمعة الماضي، غادر رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي، العاصمة المؤقتة عدن، إلى السعودية احتجاجاً على التحركات العسكرية للمجلس الانتقالي الجنوبي، وسيطرته على محافظتي المهرة وحضرموت (شرقي اليمن).
وبإحكام قوات المجلس الانتقالي الجنوبي قبضتها على محافظتي المهرة وحضرموت، يكون المجلس فرض سيطرته فعلياً على 6 محافظات بالإضافة إلى العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (جنوبي البلاد).
استعادة الدولة
ويطالب المجلس الانتقالي الجنوبي، باستعادة دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي كانت قائمة في شطر جنوب اليمن، وتوحدت مع شماله في 22 أيار/مايو 1990 مكونة الجمهورية اليمنية، مبرراً ذلك بتعرض أبناء المحافظات الجنوبية إلى ظلم واضطهاد من الشمال عقب حرب صيف 1994.
ويشهد اليمن منذ أكثر من 10 أعوام، صراعا مستمرًا على السلطة بين الحكومة المعترف بها دوليًا وجماعة "أنصار الله"، انعكست تداعياته على مختلف النواحي، إذ تسبب في أزمة إنسانية تصفها الأمم المتحدة بأنها واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية على مستوى العالم.
وتسيطر جماعة "أنصار الله"، منذ أيلول/سبتمبر 2014، على غالبية المحافظات في وسط وشمالي اليمن، بينها العاصمة صنعاء، فيما أطلق تحالف عربي بقيادة السعودية، في 26 آذار/مارس 2015، عمليات عسكرية دعماً للجيش اليمني لاستعادة تلك المناطق من قبضة الجماعة.