بنغازي محطة عسكرية دولية.. دلالات زيارة قائد الجيش الباكستاني إلى ليبيا

في خطوة لافتة تحمل أبعادا عسكرية واستراتيجية، استقبلت مدينة بنغازي قائد الجيش الباكستاني، المشير السيد عاصم منير، في زيارة تُعد الأولى من نوعها لمسؤول عسكري باكستاني رفيع المستوى إلى ليبيا.
Sputnik
زيارة تعكس توجها متناميا نحو تعزيز التعاون العسكري وتبادل الخبرات بين البلدين، وفتح آفاق جديدة للشراكة في مجالات الصناعات الدفاعية، في ظل متغيرات إقليمية ودولية متسارعة وتحديات أمنية متشابكة.
في زيارة تاريخية… رئيس الأركان الباكستاني يبحث التعاون العسكري مع ليبيا
رسائل استراتيجية
قال المحلل السياسي محمد امطيريد، إن دلالات زيارة قائد الجيش الباكستاني إلى بنغازي، كمحطة لهذه الزيارة العسكرية وفي هذا التوقيت تحديدا، لا يمكن قراءتها كخطوة بروتوكولية عابرة، بل كرسالة استراتيجية محسوبة تؤكد أن الشرق الليبي بات مركز ثقل عسكري وأمني فاعل، وقادر على نسج شراكات نوعية تتجاوز الإطار التقليدي للدعم السياسي، وتسهم في بناء القدرات السيادية للدولة.
وأوضح امطيريد في تصريح خاص لـ"سبوتنيك"، أن هذه الزيارة تفتح المجال أمام نقل الخبرات الباكستانية المتراكمة، باعتبار باكستان دولة تمتلك قدرات عسكرية وخبرات واسعة في مجالات التدريب والانضباط العسكري والتصنيع الدفاعي، وهو ما من شأنه الإسهام في رفع كفاءة الجيش الوطني الليبي، الذي يحتاج في هذه المرحلة إلى مثل هذا النوع من التعاون.
واعتبر أن تنوع الشراكات العسكرية ليس أمرا جديدا، إذ سبق أن شهدنا علاقات عسكرية متعددة نسجتها القيادة العامة للجيش الليبي.
رئيس الأركان الباكستاني في زيارة إلى ليبيا
وأشار إلى أن التقارب العسكري بين ليبيا وباكستان يعكس توجها ليبيا ذاتيا نحو تنويع الشراكات الدفاعية، بعيدا عن الارتهان لأي ضغوط أو محاولات إملاء، بما يمهّد لعلاقات طويلة الأمد قائمة على المصالح المشتركة لا على الإملاءات العسكرية، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للمؤسسة العسكرية الليبية.
وأضاف أن العلاقات الليبية الباكستانية ليست وليدة اللحظة، بل تعود إلى تجارب سابقة بين البلدين، وهو ما شكّل دافعا لإحياء هذا المسار وتكثيف الجهود عبر زيارة قائد الجيش الباكستاني إلى ليبيا.
ولفت المحلل السياسي الليبي إلى أن هذه الزيارة سبقتها زيارة نائب القائد العام للجيش الليبي، الفريق صدام حفتر، إلى باكستان، والتي وُصفت بالمثمرة، وأسهمت في تهيئة الأرضية لهذا التقارب.
وأكد امطيريد أن التعاون الليبي الباكستاني ينعكس بشكل مباشر على التعامل مع التحديات الراهنة، إذ يبعث برسائل مفادها أن ليبيا لا تسعى إلى عسكرة المشهد، بل إلى تحقيق توازن ردع واستقرار يحد من التهديدات العابرة للحدود، ويعزز قدرتها على حماية أراضيها من خلال تنويع الاتفاقيات العسكرية وبناء دور استراتيجي يمنح الجيش الليبي كفاءة أعلى.
وأكد أن هذه الزيارة لا تمثل مجرد تقارب عسكري، بل تُعد استثمارا استراتيجيا في سيادة القرار الأمني الليبي، وخطوة محسوبة في توقيت حساس، تؤكد قدرة ليبيا على إعادة تموضعها إقليميا بعقلانية وقوة هادئة، وهو ما يُحسب للقيادة العامة.
محللون: تكثيف الحضور الأمريكي في ليبيا يعكس سباقا على النفوذ والاستقرار
أهمية سياسية وعسكرية
من جهته، يرى المحلل السياسي الليبي عبد الله الديباني، أن زيارة قائد الجيش الباكستاني، المشير عاصم منير، والوفد العسكري رفيع المستوى المرافق له إلى مقر القيادة العامة بمدينة بنغازي، تكتسب أهمية سياسية وعسكرية لافتة، تتجاوز الطابع البروتوكولي، وتعكس تحولات أعمق في مسار العلاقات الخارجية للمؤسسة العسكرية الليبية وفي تموضعها الإقليمي والدولي.
وأضاف الديباني في حديثه لـ"سبوتنيك" أن باكستان تُعد من الدول ذات الثقل العسكري الكبير، وتمتلك خبرات متراكمة في مجالات التدريب العسكري، ومكافحة الإرهاب، والعمل الاستخباراتي، وتأمين الحدود. ومن هذا المنطلق، تحمل الزيارة دلالة واضحة على سعي القيادة العامة للجيش الليبي إلى تنويع شراكاتها العسكرية، والانفتاح على تجارب جيوش محترفة خارج الإطارين الإقليمي والغربي التقليديين.
كما تعكس رغبة متبادلة في تبادل الخبرات، لا سيما في مجالات مكافحة التنظيمات المتطرفة وبناء الجيوش النظامية، وهي ملفات تمثل أولوية قصوى في ظل التحديات الأمنية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية.
وأشار إلى أن الزيارة، على الصعيد السياسي، تعكس اعترافا متزايدا بشرعية ودور القيادة العامة للجيش الوطني الليبي كفاعل أساسي في المشهد الليبي، وقوة منظمة قادرة على بناء علاقات عسكرية رسمية مع جيوش دول كبرى. كما تحمل رسالة واضحة للأطراف الدولية مفادها أن بنغازي لم تعد معزولة، بل أصبحت محطة دبلوماسية وعسكرية مهمة في المنطقة.
إقليميا، تندرج الزيارة ضمن سياق إعادة تشكيل التوازنات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تسعى دول مثل باكستان إلى توسيع حضورها الدبلوماسي والعسكري في شمال أفريقيا، في مقابل سعي ليبيا إلى بناء شبكة علاقات متعددة الأقطاب تقلل من الارتهان لمحاور بعينها.
باكستان وروسيا توقعان مذكرات تفاهم وبروتوكلات مهمة في مجالات مختلفة
البعد الدولي وتعدد الشراكات
وأكد الديباني أن هذه الزيارة تعزز توجه القيادة العامة نحو سياسة تنويع الشراكات الدولية وعدم الاكتفاء بعلاقات تقليدية مع قوى محددة. فالتعاون مع دولة مثل باكستان، التي تحتفظ بعلاقات متوازنة مع قوى دولية كبرى، يمنح ليبيا هامش حركة أوسع ويعزز استقلالية قرارها العسكري.
كما قد تفتح هذه الخطوة آفاقًا للتعاون المستقبلي في مجالات التصنيع العسكري، والتدريب، وإعادة تأهيل الكوادر، وهي عناصر أساسية في مشروع بناء مؤسسة عسكرية وطنية موحدة وقادرة على حماية السيادة الليبية.
ولفت إلى إن زيارة قائد الجيش الباكستاني إلى بنغازي تمثل محطة مهمة في مسار العلاقات العسكرية الليبية الدولية، وتحمل دلالات تتعلق بتعزيز الشرعية، وتوسيع الشراكات، وإعادة تموضع ليبيا عسكريا وسياسيا على الساحة الإقليمية، بما يعكس إدراك القيادة العامة لأهمية الانفتاح المدروس وبناء علاقات استراتيجية تخدم استقرار ليبيا وأمنها على المدى الطويل.
مناقشة