ديون بالمليارات ومستحقات للمقاولين.. هل ينجح العراق في تجاوز الأزمة المالية؟

بين تحذيرات الخبراء وتراكم الديون وقلق الشارع من المستقبل، يقف العراق اليوم على مفترق طرق اقتصادي حساس، حيث لم يعد الترف في القرارات ممكنا، وباتت الإدارة المالية الرصينة والقرارات الجريئة عنوان المرحلة المقبلة، في محاولة لتفادي أزمة أعمق قد تطال الدولة ومؤسساتها وتمس حياة المواطنين بشكل مباشر.
Sputnik
ويشهد العراق في المرحلة الراهنة وضعا اقتصاديا بالغ التعقيد، يُعد من بين الأصعب منذ عام 2003، في ظل توسع الإنفاق الحكومي، وارتفاع مستويات العجز، وتزايد أعباء الديون، بالتزامن مع انخفاض أسعار النفط وتراجع مساهمة الموارد غير النفطية في تمويل الموازنة.

"الانهيار".. مستبعد

ويقول محافظ البصرة أسعد العيداني، في حديث لـ "سبوتنيك"، إن الحديث عن "انهيار" الوضع الاقتصادي في العراق هو توصيف مبالغ فيه، مؤكدا أن البلاد لا تعيش حالة انهيار بقدر ما تواجه تحديات تتطلب إصلاحات مالية واقتصادية جادة.

ويوضح العيداني، أن العراق بحاجة إلى حزمة إصلاحات مالية مدروسة لمعالجة الخلل القائم وتحسين الأداء الاقتصادي، مشيرا إلى أن الحكومة المقبلة ستكون مطالبة بتقديم برنامج حكومي واضح وقادر على التعامل مع هذه التحديات.

العراق وتركيا.. تجارة متدفقة ومشاكل لا تتوقف
ويضيف أن الإصلاحات الاقتصادية يجب أن تكون في صلب أولويات المرحلة المقبلة، مع وضعها على رأس جدول الأعمال الحكومي، لضمان استقرار الوضع الاقتصادي وتعزيز الثقة بالسياسات المالية، بما ينعكس إيجابا على حياة المواطنين ومستقبل التنمية في البلاد.

الأزمات الاقتصادية مستمرة

بينما يقول المستشار الحكومي محمد حسام الحسيني، إن المرحلة الحالية تتطلب قدرا عاليا من الواقعية في التعامل مع التحديات الاقتصادية والمالية التي يمر بها العراق، مشيرا إلى أن هذا الملف بات في صدارة أولويات الإطار التنسيقي عند اختيار المرشحين لمنصب رئيس الوزراء.

ويضيف الحسيني، في حديث لـ "سبوتنيك"، أن الإطار التنسيقي شدد على ضرورة امتلاك المرشح لرئاسة الوزراء رؤية واضحة ومتكاملة لمعالجة الأزمة الراهنة، معتبرا أن هذه الرؤية تمثل أولوية تفوق حتى تفاصيل البرنامج الحكومي الأولي الذي يقدمه المرشح.

مصادقة المحكمة الاتحادية تفتح الطريق لحكومة جديدة... والشارع العراقي يترقب
ويرى أن من بين الآليات التي جرى اعتمادها أيضا إلزام المرشح بعدم خوض الانتخابات المقبلة، وهو ما من شأنه أن يوفر دعما إضافيا للحكومة المقبلة ويخفف من الضغوط الانتخابية التي كثيرا ما تُفرض على القرارات الحكومية، والتي تكون في بعض الأحيان ناتجة عن مجاملات انتخابية على حساب الواقع المالي والنقدي والاقتصادي.
وبحسب الحسيني، فإن هذه المعطيات تفتح المجال أمام فرصة حقيقية في المرحلة المقبلة لمعالجة الأزمة والخروج منها، مؤكدا أن العراق سبق أن واجه أزمات لا تقل تعقيدا وصعوبة عن الأزمة الحالية وتمكن من تجاوزها.

ويختم بالقول إن العراق يمتلك كفاءات وطنية وإمكانات ونخبا تخصصية قادرة على الإسهام الفاعل في إيجاد الحلول المناسبة، ودعم جهود الدولة في إخراج البلاد من أزمتها بأقل الخسائر الممكنة.

الرئيس العراقي يدعو لتشكيل حكومة تمثل جميع أطياف البلاد
وقبل أيام قليلة، أعلن البنك المركزي العراقي، في بيان رسمي، عن جملة من التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد، محذّراً من تأثير تراجع أسعار النفط وسحب السيولة من الأسواق المحلية على حجم الاحتياطيات الأجنبية للعراق.
وأوضح البنك، أن الاحتياطي النقدي يرتبط بشكل مباشر بمستوى العوائد النفطية، ما يجعله حساساً للتقلبات التي تشهدها الأسواق العالمية، لافتاً إلى أن إجراءات التعقيم النقدي التي يعتمدها البنك للحد من السيولة تتطلب استخدام جزء من الاحتياطيات الأجنبية، الأمر الذي ينعكس سلباً على حجمها.

اتهامات تصوب نحو الحكومة

في المقابل، يحذر المواطن مصطفى الدليمي من تفاقم الأزمة المالية في العراق، مؤكداً أن الدولة باتت مثقلة بديون كبيرة تشكل خطرا حقيقيا على مستقبلها الاقتصادي، ويقول الدليمي، خلال حديثه لـ "سبوتنيك"، إن العراق يواجه التزامات مالية ضخمة تُقدر بنحو 10 إلى 11 مليار دولار كديون خارجية، إضافة إلى نحو 34 تريليون دينار ديون داخلية، فضلا عن عشرات الملايين من الدولارات الأخرى، مشيرا إلى أن هذا الحجم من الديون أثقل كاهل الدولة بشكل كبير.

مطار بغداد الدولي يستقبل أول طائرة أوروبية منذ 35 عاما
ويؤكد أن الحكومة المقبلة ستكون أمام تحد أكبر، إذ قد تُضطر إلى الاقتراض مجددا من أجل الاستمرار في تسيير أعمالها، لافتا إلى أن أي تراجع في أسعار النفط سيُصعب من إمكانية زيادة رواتب الموظفين، وقد يدفع البلاد مرة أخرى نحو سياسة الاقتراض، ما يعني أن العراق قد يصل بعد أربع سنوات إلى مرحلة العجز عن تنفيذ أي مشاريع أو حتى تأمين رواتب الموظفين.
ويوضح الدليمي أن هذا المسار ينذر ببوادر انهيار اقتصادي تدريجي، قد ينتهي بوضع شبيه بما شهدته دول غنية سابقاً تحولت لاحقاً إلى دول فقيرة، وعجزت عن توفير أبسط مستلزمات العيش لمواطنيها.
كما يطالب بتقليل النفقات الحكومية بشكل كبير، وإيقاف التعيينات بشكل كامل، سواء التعيينات الدائمة أو العقود، إلى جانب تقليص الامتيازات والنفقات الخاصة بالبرلمان والمسؤولين، والتوجه الجاد نحو دعم الصناعة الوطنية، مؤكداً أن أي بلد بلا صناعة حقيقية يبقى عرضة للأزمات والانهيار الاقتصادي.
العراق وتركيا يوقعان وثيقة لإدارة الموارد المائية بين البلدين

الحكومة مطالبة بخطط عاجلة

فيما يقول الخبير السياسي حيدر البرزنجي، خلال حديثه لـ "سبوتنيك"، إن المرحلة المقبلة تتطلب إدارة مالية كفوءة وواقعية قادرة على التعامل مع التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد، مشدداً على ضرورة الاعتراف بوجود خلل واضح في الإدارة المالية خلال المرحلة السابقة.
ويوضح البرزنجي، أن هناك إنفاقاً عالياً أثقل كاهل الدولة، الأمر الذي يستدعي من الحكومة المقبلة، وبإشراف مباشر من رئيس الوزراء، اعتماد سياسات مالية أكثر انضباطاً وإدارة دقيقة للموارد، لافتاً إلى أن المرحلة القادمة تحتاج إلى قرارات اقتصادية قد تكون قاسية على مستوى الدولة، لكنها يجب ألا تنعكس سلباً على حياة المواطنين.
ووفقاً للمحلل السياسي، فإن سوء الإدارة المالية في الفترات السابقة كان سبباً رئيسياً في الوصول إلى الوضع الحالي، معتبراً أن الحكومة المقبلة ستكون أمام اختبار صعب في معالجة الملف المالي، ولا سيما في ظل وجود ديون ومستحقات كبيرة يجب تسديدها للمقاولين والمستثمرين.
سكك وحدود وموانئ… بوابة العراق الكبرى نحو أوروبا تقترب من الاكتمال
ويشير البرزنجي، إلى أن ترتيب الأولويات الاقتصادية بات أمرا ملحا، داعيا إلى التركيز على إيجاد حلول ناجحة ومستدامة تضمن الاستقرار المالي، وتعيد الثقة بالسياسات الاقتصادية، بما يمكن الدولة من تجاوز هذه المرحلة الحساسة بأقل الخسائر الممكنة.
وتشير معطيات اقتصادية إلى أن العراق يقترب من أزمة مالية حادة قد تؤثر على قدرة الحكومة في الإيفاء بالتزاماتها، ولا سيما دفع الرواتب، مع تسجيل عجز فعلي يُقدّر بنحو 10 تريليونات دينار، مرشح للارتفاع إلى قرابة 15 تريليون دينار مع نهاية العام الحالي.
مناقشة